إرم نيوز
ينظر محللون إسرائيليون إلى قرار الإفراج عن الأسير الفلسطيني خليل عواودة، من زاوية كونه يخدم صورة حركة ”الجهاد الإسلامي“، ويظهر إسرائيل وكأنها أذعنت للحركة التي خاضت معها أخيرًا جولة قصيرة من العمليات الحربية.

وحسب تقرير صادر عن ”مركز القدس للشؤون العامة والدولة“، الثلاثاء، ترى الحركة الفلسطينية أن قرار إطلاق سراح عواودة، بعد أكثر من 170 يومًا من إضرابه عن الطعام، نصر حققته على حساب إسرائيل.

وقررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إنهاء الاعتقال الإداري بحق الأسير الذي ينتمي لحركة ”الجهاد الإسلامي“ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، بعد أن وقَّع على تعهد بمقتضاه لن يشارك في أية أعمال أو نشاطات عدائية ضد إسرائيل، كما أعلن إنهاء إضرابه عن الطعام.

وتؤشر جميع التقارير والتصريحات الصادرة عن متحدثين إسرائيليين إلى أن مصر لعبت دورًا أساسيًا في تلك الخطوة.

وأكد تقرير المركز، أن ضغوطًا مارستها القاهرة على تل أبيب من أجل إطلاق سراح عواودة، ومن ثم قررت السلطات الإسرائيلية عدم تمديد الاعتقال الإداري، وإطلاق سراحه في الموعد المشار إليه.

وذكر أن عواودة ”لجأ إلى الأسلوب الذي يتبعه نشطاء حركة الجهاد الإسلامي، أي إضراب مفتوح عن الطعام، يتبعه زخم كبير يحدث على الأرض، ومن ثم تضطر إسرائيل للاستجابة“.

وأطلقت إسرائيل في شباط/ فبراير الماضي، سراح الأسير المعتقل إداريًا هشام أبو هواش، أحد أعضاء حركة ”الجهاد الإسلامي“، بعد أن كان قد دخل في إضراب عن الطعام، استمر 141 يومًا؛ إذ وقَّع بدوره على تعهد بعدم المشاركة في نشاطات معادية لإسرائيل.

ولفت التقرير إلى أن مصر ”قدمت ضمانات بعدم مشاركة كل من عواودة وأبو هواش في عمليات من هذا النوع“.

لكن المحلل السياسي يوني بن مناحم، على قناعة بأن الباب مفتوح أمام حركة ”الجهاد الإسلامي“ للربط بين إطلاق سراح أسراها وبين العملية العسكرية الأخيرة.

وبينما تقول إسرائيل إنها حققت نصرًا ونجاحات استثنائية في تلك العملية، تترك مسألة إطلاق سراح الأسرى انطباعات بأن الحركة الفلسطينية فازت بالجولة الأخيرة، من وجهة نظر المحلل الإسرائيلي.

وأوضح التقرير أن اعتقال عواودة كان أحد أسباب التصعيد الأخير في قطاع غزة، كما أن حركة ”الجهاد الإسلامي“ كانت قد طالبت بإطلاق سراح الشيخ بسام السعدي القيادي الأسير، والذي كان قد أُعتقل في جنين.

مفاوضات سرية

وتشترط ”الجهاد الإسلامي“ استمرار التهدئة مع إسرائيل بإطلاق سراح السعدي، لكن إسرائيل ردت بأنها لن تطلق سراحه في المستقبل المنظور، وكانت قد قدمت بحقه قبل أسبوع لائحة اتهام، واتهمته النيابة العسكرية التابعة للاحتلال بالانتماء وبتقديم خدمات لحركة ”الجهاد الإسلامي“، فضلًا عن التحريض وانتحال الصفة.

وأكد التقرير أن قرار إطلاق سراح عواودة، والذي صدر عن رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس، جاء عقب مفاوضات سرية مع القاهرة؛ إذ أجريت تلك المفاوضات من وراء الكواليس، عقب نجاح المخابرات العامة المصرية في تهدئة الحركة وإقناعها بمهلة إضافية تتيح إجراء اتصالات مع إسرائيل.

وذهب التقرير، إلى أن ”سببين رئيسيين يقفان وراء قرار لابيد – غانتس: الأول يتعلق بحقيقة أن استمرار اعتقاله إداريًا يزيد الزخم بالضفة الغربية والقدس الشرقية، في وقت كان وضعه الصحي أقرب إلى الخطر، وفي فترة تشهد فيها الأراضي المحتلة بوادر انتفاضة شعبية جديدة، وتعمل الفصائل هناك من أجل قيادة الأمور نحو تصعيد عسكري قبيل فترة الأعياد في إسرائيل، في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل“.

وحول السبب الثاني، يرى التقرير أنه جاء من أجل إرضاء الجانب المصري وإعادة التعاون الأمني بين البلدين إلى سابق عهده.

استياء القاهرة

وأبدت القاهرة حالة من الغضب تجاه المستوى السياسي الإسرائيلي، وفقًا لما أكده التقرير؛ لأن إسرائيل كانت قد أكدت على التزامها أمام القاهرة بإطلاق سراح عواودة والسعدي ضمن تفاهمات وقف إطلاق النار.

واستجابت حركة ”الجهاد الإسلامي“ بالفعل لجهود الوساطة المصرية، ويقر المركز الإسرائيلي أن الحركة الفلسطينية أوقفت من طرفها إطلاق الصواريخ صوب إسرائيل، على عكس الأخيرة التي لم تلتزم بما تعهدت به أمام الوسيط المصري.

وتزعم مصادر عسكرية في إسرائيل، حسب ما أورده التقرير، أن تل أبيب ”لم تتعهد للقاهرة بإطلاق سراح الأسيرين، ومن هنا توقفت الاتصالات بين تل أبيب والوسيط المصري، وأعربت مصر عن استيائها، وألغى رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل زيارته إلى إسرائيل“.

واضطر رئيس الوزراء لابيد لإرسال رئيس جهاز الأمن العام ”الشاباك“ رونين بار، بشكل عاجل إلى القاهرة، من أجل تخفيف حدة التوتر وحل الأزمة بين البلدين.

وعلل رئيس ”الشاباك“ خلال اجتماعه مع رئيس الاستخبارات المصرية، ما حدث بأنه حدث نتيجة ”سوء فهم“ من جانب تل أبيب، وأبلغه أن هناك تجاذبات داخلية سياسية حاليًا في إسرائيل، التي تستعد لمعركة انتخابية في تشرين الثاني/ نوفمبر، والتمس منه مراعاة مخاوف الساسة الإسرائيليين من موقف الرأي العام الداخلي.

وتعهد رونين بار أمام المسؤول المصري، بأن ملف إطلاق سراح عواودة والسعدي سيُدرَس من جديد، ومن منطلق نظرة إيجابية للموضوع، وأن المستوى السياسي الإسرائيلي صادَق على المُضي في خطوات إطلاق سراحهما.

وزير الدفاع الإسرائيلي كان قد ألمح قبل أسبوعين إلى الأزمة مع القاهرة، حسب ما ورد في التقرير العبري أيضًا، لكنه أعرب عن تفاؤله بشأن عمل الطرفين على إيجاد طريقة لتسوية الأزمة وإعادة الاستقرار لعلاقات القاهرة وتل أبيب.

موقف آخر

لكن موقفًا آخر أدى إلى تزايد غضب القاهرة تجاه إسرائيل، وهو استشهاد إبراهيم النابلسي، القيادي في كتائب شهداء الأقصى في نابلس، برصاص قوات الاحتلال، على الرغم من اتصال هاتفي أُجري على مستوى زعيمي البلدين، ومطالبة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من لابيد، العمل من أجل إنهاء التوتر والعنف بالضفة الغربية.

ويقول التقرير ”إن طلبًا مصريًا قاطعًا وُضع أمام رئيس ”الشاباك“، بأنه على إسرائيل الالتزام بما تتعهد به أمام المسؤولين المصريين، كما حمَل حديث رئيس المخابرات العامة المصرية توبيخًا، إذ أبلغ رونين بار بأن ”سلوك المستوى السياسي الإسرائيلي غير المسؤول يضر بموقف مصر كوسيط عادل بين إسرائيل والفلسطينيين؛ ما يمكنه أن يمس بكل الأدوار الحيوية التي تلعبها مصر كوسيط وبمصداقيتها، وسعيها إلى الحفاظ على الاستقرار“.

وأوضح التقرير أن مصادر عسكرية إسرائيلية تؤكد أن قرار إطلاق سراح ناشط ”الجهاد الإسلامي“، خليل عواودة سيسهم كثيرًا في إعادة الثقة لمنظومة العلاقات المصرية – الإسرائيلية، ودللوا على ذلك بزيارة وفد أمني إسرائيلي إلى القاهرة الأسبوع الماضي.

وختم بالقول إن ”الوقت الراهن يشهد محاولة مصرية لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، بشأن صفقة جديدة لتبادل الأسرى والمفقودين“، لافتًا إلى أن الوضع المتردي والعنف بالضفة ”يؤشر إلى مدى حاجة إسرائيل إلى مصر في كل ما يتعلق بالجهود ذات الصلة بملف السلطة الفلسطينية في رام الله، أو الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة“.