إرم نيوز
مع قدوم فصل الشتاء هذا العام، يلجأ نازحون في محافظة إدلب ومخيمات شمال غرب سوريا، إلى بناء بيوت ومنازل طينية مصنوعة من التراب كخيار بديل عن الخيام القماشية التي يصف النازحون العيش فيها بـ"المأساة الحقيقية".

وتأتي هذه المنازل في ظل المعاناة المستمرة التي يعيشها النازحون في فصل الشتاء، وحاجتهم الملحة لتأمين مساكن بديلة عن الخيام التي لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء.

وعلى مقربة من مخيمات "مشهد روحين" شمال إدلب، يعمل ربيع لطوف (38 عاما) على بناء كتلة طينية تقف في وجه التغيرات المناخية، عوضا عن خيمته المصنوعة من النايلون التي لم تبد أي نجاعة في مواجهة السيول والرياح العام الفائت.

"غرقت الخيمة مرتين واقتلعت 3 مرات"، بهذه الكلمات لخص ربيع لطوف لـ "إرم نيوز"، معاناته في السكن ضمن خيام مهترئة لا تصلح للإقامة، في حين يسعى هذا العام لبناء مسكن جديد يقيه أعباء ومتاعب الخيام.

وقال إنه "لجأ لهذا النمط من البناء كونه يوفر عليه تكاليف البناء الباهظة التي تفوق قدرته المادية بأضعاف، إذ إن كل ما يحتاجه هو كمية من التراب وقليل من القش والعيدان وبعض الحجارة التي يجمعها مع أطفاله من الأراضي المجاورة".

وأضاف أن "هذه الكتل أثبتت نجاعة وصلابة جيدة في مواجهة الأمطار والسيول العام الفائت، وهو ما دفعه للاعتماد عليها هذه السنة، في محاولة منه لتخفيف أعباء الشتاء على عائلته المؤلفة من ستة أشخاص".

وأشار إلى أن هذه المنازل لاقت إقبالا واستحسانا كبيرين من النازحين الذين راحوا يعتمدون عليها كونها اقتصادية وغير مكلفة مقارنة مع نظام البناء الأسمنتي المتعارف عليه لدى السوريين.

هاجس الشتاء

يشكل فصل الشتاء الهاجس الأكبر لدى النازحين الذين تسوء أوضاعهم بشكل كبير، بسبب البرودة الشديدة التي تلامس الصفر، بالإضافة للأوضاع الصعبة التي يعيشونها وافتقارهم لأدنى مستلزمات التدفئة.

بدورها، لجأت عفاف المصطو (35 عاما) وهي نازحة مقيمة في مخيمات بلدة "عقربات" شمال إدلب، لبناء بيت طيني بديل يغنيها عن الخيمة القماشية التي يفتقر ساكنوها، خاصة النساء، إلى الخصوصية والراحة النفسية.

وقالت عفاف لـ "إرم نيوز" إنها "يئست من عودتها إلى مدينة سراقب؛ ما دفعها للاستغناء عن خيمتها القماشية، وبناء منزل طيني ثابت يقيها وأطفالها ويلات النزوح ومتاعب الخيام".

وأضافت أن "البيت الطيني وفّر لها مساحة وخصوصية أكبر، خاصة أنها تحتوي على دورات مياه، على عكس الخيام التي تتشارك في خزانات المياه والحمامات وغيرها من الخدمات المشتركة".

وأشارت إلى أن البيوت الطينية تبقى أفضل من الخيام كونها تبدي صلابة ومتانة أكثر في فصل الشتاء، إذ إن مواد بنائها المؤلفة من التراب والقش على وجه الخصوص، تعطي المنزل برودة في "الصيف" ودِفئا في "الشتاء".

ولا تخفي النازحة عفاف حزنها وألمها على ما آلت بها الحال من نزوح وغياب الاستقرار الذي أعادها إلى هذه المساكن التي اندثرت منذ مئات السنين.

وتشير إحصائيات محلية إلى أن عدد النازحين في مناطق شمال غرب سوريا، بلغ نحو 2.1 مليون نازح، من أصل 4 ملايين سوري يسكنون في مناطق المعارضة السورية.

ويبلغ عدد سكان المخيمات أكثر من مليون و400 ألف نازح، يعيشون ضمن 1489 مخيما، من بينها 282 مخيما عشوائيا أقيم على أراض زراعية.

نمط بناء "مندثر"

من جهته، قام عبد السلام الدريج (52 عاما) بترتيب أثاث منزله الجديد المصنوع من الطين الذي استعان به، بعد رحلة نزوح وصفها بـ "الشاقة"، نتيجة العقبات والصعوبات الكبيرة التي واجهها في أثناء سكنه في الخيام المهترئة.

"العيش ضمن المنازل الطينية أفضل بكثير من مأساة الخيام"، بهذه العبارة يواسي النازح الخمسيني نفسه من تبعات النزوح والتهجير الذي أثقل كاهله مع تقدمه بالسن وعيشه ضمن بيئة وأجواء تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

ونهاية الشهر الماضي، بدأ عبد السلام الدريج ببناء منزل طيني بمساعدة زوجته بعد تلف خيمتهم وحاجتهم إلى سكن جديد يوفر عليهم أعباء وتكاليف خيمة جديدة يتجاوز ثمنها 200 دولار أمريكي، وهو مبلغ يصفه "بالخيالي" في ظل اعتماده على المساعدات الإنسانية والسلال الإغاثية نظرا لعدم قدرته على العمل.

ويقول عبد السلام دريج لـ "إرم نيوز"، إن "نمط البناء هذا يعود إلى زمن أجداده الذين اعتمدوا عليه سابقا، ولكنه اندثر منذ عقود بعد ظهور الأبنية الأسمنتية والطوب، ليعاود الظهور مجددا إلى الواجهة كحلّ اتخذه النازحون عوضا عن خيامهم".

ويضيف أن "صناعة البيوت الطينية تمر بثلاث مراحل أساسية، إذ تقتصر المرحلة الأولى على جمع كميات كبيرة من التراب الذي يصفى من الشوائب عبر غربلته، ومن ثم تعتمد المرحلة الثانية على خلط التراب بالماء والقش، لتدخل المرحلة الأخيرة في البناء والتجهيز".

"ثابتة ومؤقتة"

يرى بعض من التقى بهم "إرم نيوز" من سكان تلك الكتل، أنها أفضل من حياة الخيام بكثير، فهي تمنح صاحبها الاستقلالية الكاملة على عكس الخيام التي تجري بالقرب منها قنوات الصرف الصحي المكشوفة، والتي تجلب الكثير من الأمراض في فصل الصيف، كما تحمي من التغيرات المناخية والرطوبة لأنها مفروشة بالأسمنت.

من جانبه، يقول ماجد الشريف (38 عاما) وهو أحد العاملين في بناء هذه الكتل، إن "هذا النوع من البناء يشهد إقبالا كبيرا من النازحين نتيجة الأوضاع المعيشية السيئة في الخيام التي أثبتت هشاشتها وعدم صلاحيتها للاستخدام البشري".

وأضاف أن هذه البيوت شكلت مصدر رزق للعديد من الشباب والعاملين الذين اتخذوا من صناعتها مهنة تساعدهم على تأمين احتياجاتهم الأساسية، إذ إنه يتقاضى مبلغ 300 ليرة تركية على صناعة البيت الطيني الذي يستغرق عمله من 4 إلى 7 أيام متواصلة.

وأشار إلى أن هذه البيوت تعد ثابتة ومؤقتة في آنٍ واحد، إذ إنه من السهل إزالتها كونها لا تعتمد على الحفر في الأرض التي تشيد عليها هذه المنازل، خاصة أن التلال الصخرية والجبلية التي تتميز بها المخيمات شكلت عاملا مساعدا لتسهيل عملية بنائها بأقل التكاليف المتاحة.