شراسة هذه الانتخابات تكمن في أنها ترسم ملامح سياسة الرئيس جو بايدن للعامين المقبلين، وتمس الوضع المعيشي المتجه للتأزم مع استمرار حرب أوكرانيا، كما ستؤثر الانتخابات النصفية مباشرة في نتائج الانتخابات الرئاسية 2024.

وفي كل دورة انتخابية، تظهر الرسوم للحمير والأفيال في الرسوم الكاريكاتورية السياسية، والحملات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، إذا يعتبر الحمار والفيل رمزان لأقوى حزبين في الولايات المتحدة، فالحمار رمز حزب الديمقراطين، أما الفيل فيرمز للحزب الجمهوري.

وتعود قصة اختيار تلك الرموز إلى الثلث الأول من القرن التاسع عشر، إذ بدأ رمز الحمار أولاً، عندما قام معارضو المرشح الرئاسي أندرو جاكسون بإطلاق اسم «جاكاس» عليه، وهي كلمة سيئة تدل على الحمار.

فيما تتواصل معركة تكسير العظام بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لحسم معركة الانتخابات النصفية، يتساءل الكثير عن سر تكرار رمزي الحمار والفيل لدى أكبر حزبين في الولايات المتحدة الأميركية فهل هناك دلالة معينة لاستخدام مثل هذه الرموز في الولايات المتحدة الأميركية؟

ويعود ظهور الرمزين السياسيين وارتباطهما الكبير بالحزبين إلى قوة الرسام «توماس ناست» وشعبيته الكبيرة، فاستعماله لبعض الرموز يمنحها وهجاً ويحوّلها إلى أيقونة في مجال السياسة، حتى وإن كانت موجودة في الأصل ولم يقم باختراعها، وذلك بفعل الشعبية التي تمتعت بها رسوماته السياسية الساخرة منتصف القرن 19.

أصول الحمار

وتعود أصول الحمار الديمقراطي والفيل الجمهوري للقرن التاسع عشر، فقد سجّل الحمار بداية ارتباطه بالحزب الديمقراطي منذ العام 1828 أثناء الانتخابات الرئاسية التي فاز بها المرشح الديمقراطي أندرو جاكسون، مؤسس الحزب الديمقراطي، ليصبح بذلك سابع رئيس بتاريخ البلاد.

ففي خضم الحملة الانتخابية، لقّب أندرو جاكسون من قبل منافسيه بالحمار، وأمام هذا الوضع، فضّل جاكسون، الذي شارك بحرب عام 1812 والتحق بغرفتي الكونغرس في وقت سابق كنائب بمجلس النواب وعضو بمجلس الشيوخ، التأقلم مع هذه التسمية فأثنى على خصال الحمار في إنجاز المهام الصعبة ووصفه بالعامل الكادح كما اتجه لوضعه على الملصقات الدعائية لحزبه.

رمز الفيل

ويعود الفضل في الترويج لرمزي الحزبين الديمقراطي والجمهوري لرسام الكاريكاتير الساخر توماس ناست (Thomas Nast) حيث لعب الأخير طيلة فترة عمله لصالح مجلة هاربرز ويكلي (Harper's Weekly) الدور الأهم في إبراز الفيل الجمهوري والحمار الديمقراطي.

وقد ظهر الحزب الجمهوري بالولايات المتحدة الأميركية عام 1854 وتمكن مرشحه أبراهام لنكولن من الفوز بالانتخابات الرئاسية بعد حوالي 6 سنوات ليصبح أول مرشح ينتمي لهذا الحزب يفوز بالمنصب. وفي خضم فترة الحرب الأهلية، مثل الفيل بالنسبة لجنود الاتحاد رمز القتال والكفاح كما ظهر بشكل محدود جداً على ملصقات الحزب الجمهوري. وقد انتظر الجميع سبعينيات القرن التاسع عشر والرسوم الكاريكاتيرية لتوماس ناست ليتحول الفيل لرمز رسمي للحزب الجمهوري.

توماس ناست

أثناء ما عرف بذعر العهدة الثالثة التي تصادفت مع الانتخابات النصفية لعام 1874، روّجت صحيفة نيويورك هيرالد، المؤيدة للحزب الديمقراطي، إشاعات حول سعي الرئيس الجمهوري يوليسيس غرانت للترشح لولاية ثالثة عام 1876 وهو ما كان أمراً مسموحاً به حينها خلال فترة سبقت ظهور التعديل الدستوري الثاني والعشرين. وانطلاقاً من هذه الإشاعات، شبّه غرانت بدكتاتور روما يوليوس قيصر واتهم بالسعي للقضاء على الديمقراطية الأميركية وإنشاء نظام دكتاتوري.

وكرد على ذلك، رسم توماس ناست، المعروف بتأييده للحزب الجمهوري، كاريكاتيراً ساخراً حول الواقعة فجسّد صحيفة نيويورك هيرالد في شكل حمار متنكر في هيئة أسد يصرخ لينشر الذعر بين بقية الحيوانات بالغابة كما رسم الفيل الجمهوري وهو على وشك السقوط من أعلى الجرف. وخلال العام نفسه، قدّم ناست كاريكاتيراً آخر ساخراً جسّد من خلاله العم سام ممتطياً الفيل الجمهوري الذي يدوس بقدميه على مرشحين من الحزب الديمقراطي.

وعام 1879، رسم ناست كاريكاتيراً مثيراً حول الحزب الديمقراطي جسّد من خلاله الحمار الديمقراطي يتدلى من ذيله وهو على وشك الوقوع في هاوية رمز من خلالها ناست للأزمة الاقتصادية.

وبفضل كل هذه الرسوم الكاريكاتيرية التي انضافت لكاريكاتير الحمار الديمقراطي الذي يركل الأسد الميت لعام 1869، ساهم رسام الكاريكاتير ذو الأصول الألمانية توماس ناست في جعل الحمار رمزاً للديمقراطيين والفيل رمزاً للجمهوريين. إضافة لذلك، تحوّل توماس ناست لأحد أول الرسامين الكاريكاتيريين الذين جمعوا بين عالم الإنسان والحيوان للتعبير عن رأيهم وأثناء فترة ثمانينيات القرن التاسع عشر أمسى ناست واحداً من أكثر الشخصيات المزعجة بالولايات المتحدة الأميركية، حيث تخوّف الديمقراطيون من رسوماته ومدى تأثيرها على الناخبين.