محاكمتها كانت الأغلى في تاريخ أمريكا "إيفا توغوري" المذيعة التي دفعت ثمن تبنيها اسم "وردة طوكيو" واتهمت بالخيانة
خلال الحرب العالمية الثانية، كان اسم "وردة طوكيو"، هو الاسم الشائع بين الجنود الأمريكيين في المحيط الهادئ، والذي أطلقوه حصراً على العديد من مذيعات الإذاعة اليابانية، اللاتي كن يذعن برامج تهدف في الأساس إلى بث دعاية مناهضة لأمريكا، وعلى الرغم من أن وردة طوكيو كانت شخصية غير محددة، إلا أنه كان يُعتقد أن امرأة واحدة هي من كانت وردة طوكيو الأصلية.
هذه المرأة لم تكن سوى المواطنة الأمريكية اليابانية إيفا توغوري، والتي حوكمت في النهاية وحكم عليها بالسجن لمدة عشر سنوات من قبل حكومة الولايات المتحدة، بالرغم من أن الأدلة ضدها كانت واهية، قبل أن يصدر بحقها الرئيس الأمريكي جيرالد فورد عفواً رئاسياً بعد 30 عاماً من إدانتها.
زيارة إلى اليابان تغيّر حياة إيفا توغوري
عندما هاجم اليابانيون ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي بالمحيط الهادئ في السابع من ديسمبر/كانون الأوّل 1941، كانت إيفا توغوري بالصدفة، تزور عمتها المريضة في طوكيو من أجل تقديم المساعدة لها.
حسب الموسوعة البريطانية، لم تكن توغوري تتحدث اليابانية، كما أنها رفضت التخلي عن جنسيتها الأمريكية، لتوصف بين اليابانيين بأنها أجنبية معادية، ولم يسمح لها بمغادرة اليابان.
نظراً لعدم قدرتها على مغادرة اليابان أثناء الحرب، أخذت دروساً في الثقافة اليابانية لتحسين قدرتها على التواصل. دفعت الأموال المكتسبة من تعليم دروس العزف على البيانو لأطفال الحي مقابل دروسها.
بدأت إيفا توغوري في الشعور بضغط كونها مواطنة أمريكية في اليابان خلال هذا الوقت الصعب، فقد بدأت عمتها في تلقي شكاوى من "إيواء عدو"، بسبب شائعات عن موقف توغوري المؤيد لأمريكا.
أخيراً، وجدت إيفا توغوري عملاً في وكالة أنباء دومى، ككاتبة على الطابعة من منتصف عام 1942 حتى أواخر عام 1943، خلال تلك الفترة غادرت منزل عمتها. طُلب منها التخلي عن جنسيتها الأمريكية ورفضت.
إيفا توغوري، المذيعة الأشهر في الحرب العالمية الثانية والتي أتهمت بالخاينة العظمى/wikipedia commons
كانت توغوري بالكاد تكسب ما يكفي لتغطية تكاليف السكن، ونتيجة لنظامها الغذائي السيئ دخلت المستشفى لمدة ستة أسابيع.
في عام 1943، حصلت على وظيفة في راديو طوكيو، حيث قامت إيفا توغوري بترجمة نصوصٍ باللغة الإنجليزية تمت صياغتها لبثها إلى قوات الحلفاء في المحيط الهادئ.
هناك التقت إيفا بالمذيع الأسترالي تشارلز كوزينز، الذي تم القبض عليه في جزيرة Corregidor الفلبينية، وأجبر على بث دعاية في برنامج يسمى "الساعة صفر"، في إشارة إلى الطائرة المقاتلة اليابانية المخيفة.
استخدم الرجل المسؤول عن البرنامج، الرائد شيجيتسوجو تسونيشي، ثلاثة من أسرى قوات الحلفاء لقراءة البرامج الإذاعية، والتي ستتم كتابتها من قبل دعاية الجيش الياباني، على أمل أن تكون الدعاية أكثر فاعلية عندما تقرؤها الأصوات الأمريكية.
أصر اليابانيون على إضافة صوت أنثوي، وأوصى المذيع الأسترالي تشارلز كوزينز بتوغوري، بحسب صحيفة theguardian.
في نوفمبر/تشرين الثاني 1943، وافقت إيفا توغوري على العمل في برنامج "الساعة صفر"، كان هذا البرنامج يُذاع يومياً على إذاعة طوكيو، وكان جزءاً من حملة دعائية يابانية تهدف إلى خفض الروح المعنوية لقوات الحلفاء.
أُجبر الجنود الأسرى من قوات الحلفاء على إنتاج عرض البرنامج، وطلب من إيفا توغوري المشاركة في معظم عمليات البث في أيام الأسبوع، بينما تعاملت نساء أخريات مع عروض نهاية الأسبوع.
في البداية قامت إيفا توغوري بالبث دون الكشف عن هويتها، ولكن في النهاية أُطلق عليها اسم "Orphan Ann".
أصرّ طاقم "ساعة الصفر"، على أنه منذ تجنيدهم في راديو طوكيو، قامت المذيعة إيفا توغوري بمساعدة الحلفاء بحملة سرية لتخريب جهود الدعاية اليابانية.
وردة طوكيو
كانت إيفا توغوري تعمل على إفساد خطة الإذاعة اليابانية الدعائية ضد الجنود الأمريكيين في المحيط الهادئ /wikipedia commons
كانت توغوري تتعمد استحضار استخدام القراءات على الهواء، والتلميح، والسخرية، والقراءات المتسرعة أو المكتومة، وبثّ صورٍ وعزف الموسيقى الشعبية من أجل رفع الروح المعنوية للجنود الأمريكيين المستهدفين بهذه البرامج.
عندما اكتشف مشرفو إذاعة طوكيو هذه التقنيات، لجأ طاقم "ساعة الصفر" إلى التهديد بالسلاح لقراءة الدعاية اليابانية.
يعتبر الجنود الأمريكيون الذين كانوا على جبهة المحيط الهادئ أنّ برنامج "ساعة الصفر" لم يكن له تأثير سلبي على معنوياتهم، بل بالعكس في معظم الأحيان كان البرنامج يحسّن من معنوياتهم ويعمل على تسليتهم.
من شدة إعجاب الجنود الأمريكيين ببرنامج ساعة الصفر، أطلقوا اسم "وردة طوكيو" على مذيعات البرنامج.
بعد الحرب، انقلب تدخل توغوري في البث الإذاعي الياباني ضدها، فبعد استسلام اليابان في سبتمبر/أيلول 1945، تبع ذلك عمليات بحث واسعة عن مجرمي الحرب وقيادة المحور العسكرية.
جابت قوات الحلفاء ومراسلو الصحف والتلفزيونات اليابان بحثاً عن أشخاص مهمين، وسعى اثنان من هؤلاء المراسلين، وهما هنري بروندج وكلارك لي، إلى البحث عن الشخصية الإذاعية "وردة طوكيو".
لم تكن "وردة طوكيو" شخصاً واحداً، لكنها كانت لقباً أطلقه الجنود الأمريكيون على أي امرأة تتحدث الإنجليزية كانت تذيع على الراديو الياباني.
سرعان ما حدد بروندج ولي أن إيفا توغوري هي وردة طوكيو.
في البداية عرض الصحفي الأمريكي بروندج عليها مبلغاً كبيراً من المال، سرعان ما تخلى عن دفعه لاحقاً، من أجل إجراء مقابلة حصرية مع "وردة طوكيو".
في محاولة يائسة للحصول على أموال كافية للعودة إلى أمريكا، وافقت إيفا توغوري على إجراء المقابلة، غير مدركة لعواقب تبني لقب "وردة طوكيو".
في سبتمبر/أيلول 1945، بعد أن ذكرت الصحافة الأمريكية أن إيفا توغوري كانت هي شخصية "وردة طوكيو"، قام الجيش الأمريكي باليابان باعتقالها.
أمضت وردة طوكيو عاماً كاملاً في السجن باليابان مع زيارات محدودة من زوجها.
أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي وفيلق التجسس المضاد التابع للجيش الأمريكي تحقيقاً مكثفاً لتحديد ما إذا كانت قد ارتكبت جرائم ضد الولايات المتحدة، وتقرر السلطات عدم وجود أدلة كافية وتم إطلاق سراحها.
بعدها طلبت إيفا، التي كانت حاملاً، جواز سفر للعودة إلى أمريكا، وقد علم المذيع الأمريكي المثير للجدل والتر وينشل بهذا الأمر، وقاد حملة لتهييج الرأي العام ضدها، بحسب ما ورد في تقريرٍ لـ courthousenews.
وسط الغضب الشعبي والضغوط السياسية التي قادها المذيع والتر وينشل، أعادت وزارة العدل فتح التحقيق.
تم البحث عن شهود جدد -اعترفوا لاحقاً بأنهم تعرضوا لضغوط من أجل فبركة شهاداتهم- وأعيد اعتقال إيفا توغوري في أغسطس/آب عام 1948.
أغلى محاكمة في تاريخ الولايات المتحدة
مع وجود شهود وأدلة جديدة، شكَّل المدعي العام الأمريكي في سان فرانسيسكو هيئة محلفين كبرى، ووجهت إلى توغوري عدداً من التهم في سبتمبر/أيلول 1948.
في البداية تم احتجازها في اليابان ومن ثم تمّ إحضارها تحت حراسة عسكرية إلى الولايات المتحدة، ووصلت إلى سان فرانسيسكو في 25 سبتمبر/أيلول 1948.
هناك، تم القبض عليها على الفور من قِبل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذين كان لديهم مذكرة اعتقال لها بتهمة الخيانة، بسبب الانضمام إلى الحكومة الإمبراطورية اليابانية وتقديم المساعدة لها خلال الحرب العالمية الثانية.
في 5 يوليو/تموز 1949، وبعد يوم واحد من عيد ميلادها الثالث والثلاثين، بدأت محاكمة إيفا توغوري، التي كانت أشهر وأغلى محاكمة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حينها، واستغرقت 12 أسبوعاً وبلغت تكلفتها 750 ألف دولار.
في محاكمتها في سان فرانسيسكو، شددت توغوري على أنها ظلت موالية للولايات المتحدة من خلال العمل على مسرحية من برامجها الإذاعية. حتى إن المذيع الأسترالي تشارلز كوزينز جاء إلى الولايات المتحدة للإدلاء بشهادتها دفاعاً عنها، بحسب history.
تمّ تجاهل الشهود المؤيدين لإيفا، واعترف الشهود الذين أضروا بالقضية لاحقاً بأن وزارة العدل أجبرتهم على الكذب في شهادتهم.
في 29 سبتمبر/أيلول 1949، وجدت هيئة محلفين أنّ إيفا توغوري مذنبة في واحدة من ثماني تهم وضعت ضدها في لائحة الاتهام. قضت هيئة المحلفين بما يلي:
"... في أحد الأيام خلال شهر أكتوبر/تشرين الأوّل من عام 1944، قال المدعى عليه، في طوكيو باليابان، في استوديو البث التابع لهيئة الإذاعة اليابانية، تحدث في ميكروفون بشأن فقدان السفن".
وهذا ما جعل إيفا توغوري، التي اشتهرت باسم "وردة طوكيو"، سابع شخص يُدان بالخيانة في تاريخ الولايات المتحدة، بحسب smithsonianmag.
في 6 أكتوبر/تشرين الأوّل 1949، حُكم عليها بالسجن لمدة 10 سنوات وغرامة قدرها 10آلاف دولار لارتكاب جريمة الخيانة العظمى.
في 28 يناير/كانون الثاني 1956، تم إطلاق سراحها من طرف الإصلاحية الفيدرالية للنساء في ألدرسون بفيرجينيا الغربية وذلك بسبب حسن سلوكها، حيث قضت ست سنوات وشهرين من عقوبتها.
كافحت إيفا توغوري بنجاح جهود الحكومة الأمريكية لترحيلها وعادت إلى شيكاغو، حيث عملت في متجر والدها.
فورد يصدر عفواً رئاسياً عن إيفا توغوري
بعد إطلاق سراحها، بدأت إيفا توغوري رحلة الدفاع عن براءتها، تم رفض التماسين سنة 1954 و1968 للعفو عن توغوري، وعلى الرغم من الدعم من فريقها القانوني خصوصاً محامية الحقوق المدنية البارزة واين كولينز التي عملت في القضية حتى وفاتها، إلا أنها لم تنجح في تبرئة اسمها.
في السبعينيات من القرن الماضي، أصبحت كليفورد أويدا العضو في رابطة المواطنين اليابانيين الأمريكيين (JACL) مهتمة بقضيتها، وذلك بعدما اكتشفت المزيد عن قصة "وردة طوكيو".
حشدت كليفورد أويدا القيادة في JACL لبدء حملة دعم لإيفا توغوري، وتمّ تشكيل اللجنة الوطنية لـJACL لدعم إيفا توغوري في أبريل/نيسان من عام 1975.
وردة طوكيو
أدينت إيفا توغوري بالسجن 10 سنوات /wikipedia commons
وبالنظر إلى الأذى والظلم اللذين عانت منهما إيفا توغوري في الماضي، كانت مترددة في الوثوق بجهود JACL.
عندما سمعت لأول مرة بالاهتمام بقضيتها، قالت إيفا: "لماذا الآن، بعد 30 عاماً؟ لم أكن أعرف ماذا يعني ذلك". بدعم من واين ميريت كولينز، نجل محاميتها، وافقت على المشاركة في الحملة.
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1975، طبع JACL كتيباً إعلامياً بعنوان "Iva Toguri (d'Aquino) : Victim of a Legend"، كما ساعدت سلسلة من المقالات الصحفية عن إيفا والمنتشرة في جميع أنحاء البلاد في إثارة الاهتمام بالقضية.
في 22 مارس/آذار 1976، عرض المذيع الشهير والتر كرونكايت قصة متعاطفة حول إيفا توغوري في أخبار المساء على شبكة "سي بي إس".
بدون سابق إنذار، منحها الرئيس الأمريكي جيرالد فورد عفواً كاملاً وغير مشروط في آخر يوم له في منصبه في 19 يناير/كانون الثاني 1977، وكانت تلك هي المرة الأولى والوحيدة التي يُمنح فيها عفو عن الخيانة على الإطلاق، كما أعاد ذلك العفو جنسيتها الأمريكية التي انتزعت عنها نتيجة إدانتها.
في عام 2006، توفيت إيفا توغوري عن عمر يناهز 90 عاماً، في أحد مستشفيات شيكاغو الأمريكية وقبل وفاتها بأسابيع، قامت لجنة قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية بتقديم جائزة إدوارد جيه هيرلي هي للمواطنة لعام 2005، إلى إيفا توغوري.
خلال الحرب العالمية الثانية، كان اسم "وردة طوكيو"، هو الاسم الشائع بين الجنود الأمريكيين في المحيط الهادئ، والذي أطلقوه حصراً على العديد من مذيعات الإذاعة اليابانية، اللاتي كن يذعن برامج تهدف في الأساس إلى بث دعاية مناهضة لأمريكا، وعلى الرغم من أن وردة طوكيو كانت شخصية غير محددة، إلا أنه كان يُعتقد أن امرأة واحدة هي من كانت وردة طوكيو الأصلية.
هذه المرأة لم تكن سوى المواطنة الأمريكية اليابانية إيفا توغوري، والتي حوكمت في النهاية وحكم عليها بالسجن لمدة عشر سنوات من قبل حكومة الولايات المتحدة، بالرغم من أن الأدلة ضدها كانت واهية، قبل أن يصدر بحقها الرئيس الأمريكي جيرالد فورد عفواً رئاسياً بعد 30 عاماً من إدانتها.
زيارة إلى اليابان تغيّر حياة إيفا توغوري
عندما هاجم اليابانيون ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي بالمحيط الهادئ في السابع من ديسمبر/كانون الأوّل 1941، كانت إيفا توغوري بالصدفة، تزور عمتها المريضة في طوكيو من أجل تقديم المساعدة لها.
حسب الموسوعة البريطانية، لم تكن توغوري تتحدث اليابانية، كما أنها رفضت التخلي عن جنسيتها الأمريكية، لتوصف بين اليابانيين بأنها أجنبية معادية، ولم يسمح لها بمغادرة اليابان.
نظراً لعدم قدرتها على مغادرة اليابان أثناء الحرب، أخذت دروساً في الثقافة اليابانية لتحسين قدرتها على التواصل. دفعت الأموال المكتسبة من تعليم دروس العزف على البيانو لأطفال الحي مقابل دروسها.
بدأت إيفا توغوري في الشعور بضغط كونها مواطنة أمريكية في اليابان خلال هذا الوقت الصعب، فقد بدأت عمتها في تلقي شكاوى من "إيواء عدو"، بسبب شائعات عن موقف توغوري المؤيد لأمريكا.
أخيراً، وجدت إيفا توغوري عملاً في وكالة أنباء دومى، ككاتبة على الطابعة من منتصف عام 1942 حتى أواخر عام 1943، خلال تلك الفترة غادرت منزل عمتها. طُلب منها التخلي عن جنسيتها الأمريكية ورفضت.
إيفا توغوري، المذيعة الأشهر في الحرب العالمية الثانية والتي أتهمت بالخاينة العظمى/wikipedia commons
كانت توغوري بالكاد تكسب ما يكفي لتغطية تكاليف السكن، ونتيجة لنظامها الغذائي السيئ دخلت المستشفى لمدة ستة أسابيع.
في عام 1943، حصلت على وظيفة في راديو طوكيو، حيث قامت إيفا توغوري بترجمة نصوصٍ باللغة الإنجليزية تمت صياغتها لبثها إلى قوات الحلفاء في المحيط الهادئ.
هناك التقت إيفا بالمذيع الأسترالي تشارلز كوزينز، الذي تم القبض عليه في جزيرة Corregidor الفلبينية، وأجبر على بث دعاية في برنامج يسمى "الساعة صفر"، في إشارة إلى الطائرة المقاتلة اليابانية المخيفة.
استخدم الرجل المسؤول عن البرنامج، الرائد شيجيتسوجو تسونيشي، ثلاثة من أسرى قوات الحلفاء لقراءة البرامج الإذاعية، والتي ستتم كتابتها من قبل دعاية الجيش الياباني، على أمل أن تكون الدعاية أكثر فاعلية عندما تقرؤها الأصوات الأمريكية.
أصر اليابانيون على إضافة صوت أنثوي، وأوصى المذيع الأسترالي تشارلز كوزينز بتوغوري، بحسب صحيفة theguardian.
في نوفمبر/تشرين الثاني 1943، وافقت إيفا توغوري على العمل في برنامج "الساعة صفر"، كان هذا البرنامج يُذاع يومياً على إذاعة طوكيو، وكان جزءاً من حملة دعائية يابانية تهدف إلى خفض الروح المعنوية لقوات الحلفاء.
أُجبر الجنود الأسرى من قوات الحلفاء على إنتاج عرض البرنامج، وطلب من إيفا توغوري المشاركة في معظم عمليات البث في أيام الأسبوع، بينما تعاملت نساء أخريات مع عروض نهاية الأسبوع.
في البداية قامت إيفا توغوري بالبث دون الكشف عن هويتها، ولكن في النهاية أُطلق عليها اسم "Orphan Ann".
أصرّ طاقم "ساعة الصفر"، على أنه منذ تجنيدهم في راديو طوكيو، قامت المذيعة إيفا توغوري بمساعدة الحلفاء بحملة سرية لتخريب جهود الدعاية اليابانية.
وردة طوكيو
كانت إيفا توغوري تعمل على إفساد خطة الإذاعة اليابانية الدعائية ضد الجنود الأمريكيين في المحيط الهادئ /wikipedia commons
كانت توغوري تتعمد استحضار استخدام القراءات على الهواء، والتلميح، والسخرية، والقراءات المتسرعة أو المكتومة، وبثّ صورٍ وعزف الموسيقى الشعبية من أجل رفع الروح المعنوية للجنود الأمريكيين المستهدفين بهذه البرامج.
عندما اكتشف مشرفو إذاعة طوكيو هذه التقنيات، لجأ طاقم "ساعة الصفر" إلى التهديد بالسلاح لقراءة الدعاية اليابانية.
يعتبر الجنود الأمريكيون الذين كانوا على جبهة المحيط الهادئ أنّ برنامج "ساعة الصفر" لم يكن له تأثير سلبي على معنوياتهم، بل بالعكس في معظم الأحيان كان البرنامج يحسّن من معنوياتهم ويعمل على تسليتهم.
من شدة إعجاب الجنود الأمريكيين ببرنامج ساعة الصفر، أطلقوا اسم "وردة طوكيو" على مذيعات البرنامج.
بعد الحرب، انقلب تدخل توغوري في البث الإذاعي الياباني ضدها، فبعد استسلام اليابان في سبتمبر/أيلول 1945، تبع ذلك عمليات بحث واسعة عن مجرمي الحرب وقيادة المحور العسكرية.
جابت قوات الحلفاء ومراسلو الصحف والتلفزيونات اليابان بحثاً عن أشخاص مهمين، وسعى اثنان من هؤلاء المراسلين، وهما هنري بروندج وكلارك لي، إلى البحث عن الشخصية الإذاعية "وردة طوكيو".
لم تكن "وردة طوكيو" شخصاً واحداً، لكنها كانت لقباً أطلقه الجنود الأمريكيون على أي امرأة تتحدث الإنجليزية كانت تذيع على الراديو الياباني.
سرعان ما حدد بروندج ولي أن إيفا توغوري هي وردة طوكيو.
في البداية عرض الصحفي الأمريكي بروندج عليها مبلغاً كبيراً من المال، سرعان ما تخلى عن دفعه لاحقاً، من أجل إجراء مقابلة حصرية مع "وردة طوكيو".
في محاولة يائسة للحصول على أموال كافية للعودة إلى أمريكا، وافقت إيفا توغوري على إجراء المقابلة، غير مدركة لعواقب تبني لقب "وردة طوكيو".
في سبتمبر/أيلول 1945، بعد أن ذكرت الصحافة الأمريكية أن إيفا توغوري كانت هي شخصية "وردة طوكيو"، قام الجيش الأمريكي باليابان باعتقالها.
أمضت وردة طوكيو عاماً كاملاً في السجن باليابان مع زيارات محدودة من زوجها.
أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي وفيلق التجسس المضاد التابع للجيش الأمريكي تحقيقاً مكثفاً لتحديد ما إذا كانت قد ارتكبت جرائم ضد الولايات المتحدة، وتقرر السلطات عدم وجود أدلة كافية وتم إطلاق سراحها.
بعدها طلبت إيفا، التي كانت حاملاً، جواز سفر للعودة إلى أمريكا، وقد علم المذيع الأمريكي المثير للجدل والتر وينشل بهذا الأمر، وقاد حملة لتهييج الرأي العام ضدها، بحسب ما ورد في تقريرٍ لـ courthousenews.
وسط الغضب الشعبي والضغوط السياسية التي قادها المذيع والتر وينشل، أعادت وزارة العدل فتح التحقيق.
تم البحث عن شهود جدد -اعترفوا لاحقاً بأنهم تعرضوا لضغوط من أجل فبركة شهاداتهم- وأعيد اعتقال إيفا توغوري في أغسطس/آب عام 1948.
أغلى محاكمة في تاريخ الولايات المتحدة
مع وجود شهود وأدلة جديدة، شكَّل المدعي العام الأمريكي في سان فرانسيسكو هيئة محلفين كبرى، ووجهت إلى توغوري عدداً من التهم في سبتمبر/أيلول 1948.
في البداية تم احتجازها في اليابان ومن ثم تمّ إحضارها تحت حراسة عسكرية إلى الولايات المتحدة، ووصلت إلى سان فرانسيسكو في 25 سبتمبر/أيلول 1948.
هناك، تم القبض عليها على الفور من قِبل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذين كان لديهم مذكرة اعتقال لها بتهمة الخيانة، بسبب الانضمام إلى الحكومة الإمبراطورية اليابانية وتقديم المساعدة لها خلال الحرب العالمية الثانية.
في 5 يوليو/تموز 1949، وبعد يوم واحد من عيد ميلادها الثالث والثلاثين، بدأت محاكمة إيفا توغوري، التي كانت أشهر وأغلى محاكمة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حينها، واستغرقت 12 أسبوعاً وبلغت تكلفتها 750 ألف دولار.
في محاكمتها في سان فرانسيسكو، شددت توغوري على أنها ظلت موالية للولايات المتحدة من خلال العمل على مسرحية من برامجها الإذاعية. حتى إن المذيع الأسترالي تشارلز كوزينز جاء إلى الولايات المتحدة للإدلاء بشهادتها دفاعاً عنها، بحسب history.
تمّ تجاهل الشهود المؤيدين لإيفا، واعترف الشهود الذين أضروا بالقضية لاحقاً بأن وزارة العدل أجبرتهم على الكذب في شهادتهم.
في 29 سبتمبر/أيلول 1949، وجدت هيئة محلفين أنّ إيفا توغوري مذنبة في واحدة من ثماني تهم وضعت ضدها في لائحة الاتهام. قضت هيئة المحلفين بما يلي:
"... في أحد الأيام خلال شهر أكتوبر/تشرين الأوّل من عام 1944، قال المدعى عليه، في طوكيو باليابان، في استوديو البث التابع لهيئة الإذاعة اليابانية، تحدث في ميكروفون بشأن فقدان السفن".
وهذا ما جعل إيفا توغوري، التي اشتهرت باسم "وردة طوكيو"، سابع شخص يُدان بالخيانة في تاريخ الولايات المتحدة، بحسب smithsonianmag.
في 6 أكتوبر/تشرين الأوّل 1949، حُكم عليها بالسجن لمدة 10 سنوات وغرامة قدرها 10آلاف دولار لارتكاب جريمة الخيانة العظمى.
في 28 يناير/كانون الثاني 1956، تم إطلاق سراحها من طرف الإصلاحية الفيدرالية للنساء في ألدرسون بفيرجينيا الغربية وذلك بسبب حسن سلوكها، حيث قضت ست سنوات وشهرين من عقوبتها.
كافحت إيفا توغوري بنجاح جهود الحكومة الأمريكية لترحيلها وعادت إلى شيكاغو، حيث عملت في متجر والدها.
فورد يصدر عفواً رئاسياً عن إيفا توغوري
بعد إطلاق سراحها، بدأت إيفا توغوري رحلة الدفاع عن براءتها، تم رفض التماسين سنة 1954 و1968 للعفو عن توغوري، وعلى الرغم من الدعم من فريقها القانوني خصوصاً محامية الحقوق المدنية البارزة واين كولينز التي عملت في القضية حتى وفاتها، إلا أنها لم تنجح في تبرئة اسمها.
في السبعينيات من القرن الماضي، أصبحت كليفورد أويدا العضو في رابطة المواطنين اليابانيين الأمريكيين (JACL) مهتمة بقضيتها، وذلك بعدما اكتشفت المزيد عن قصة "وردة طوكيو".
حشدت كليفورد أويدا القيادة في JACL لبدء حملة دعم لإيفا توغوري، وتمّ تشكيل اللجنة الوطنية لـJACL لدعم إيفا توغوري في أبريل/نيسان من عام 1975.
وردة طوكيو
أدينت إيفا توغوري بالسجن 10 سنوات /wikipedia commons
وبالنظر إلى الأذى والظلم اللذين عانت منهما إيفا توغوري في الماضي، كانت مترددة في الوثوق بجهود JACL.
عندما سمعت لأول مرة بالاهتمام بقضيتها، قالت إيفا: "لماذا الآن، بعد 30 عاماً؟ لم أكن أعرف ماذا يعني ذلك". بدعم من واين ميريت كولينز، نجل محاميتها، وافقت على المشاركة في الحملة.
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1975، طبع JACL كتيباً إعلامياً بعنوان "Iva Toguri (d'Aquino) : Victim of a Legend"، كما ساعدت سلسلة من المقالات الصحفية عن إيفا والمنتشرة في جميع أنحاء البلاد في إثارة الاهتمام بالقضية.
في 22 مارس/آذار 1976، عرض المذيع الشهير والتر كرونكايت قصة متعاطفة حول إيفا توغوري في أخبار المساء على شبكة "سي بي إس".
بدون سابق إنذار، منحها الرئيس الأمريكي جيرالد فورد عفواً كاملاً وغير مشروط في آخر يوم له في منصبه في 19 يناير/كانون الثاني 1977، وكانت تلك هي المرة الأولى والوحيدة التي يُمنح فيها عفو عن الخيانة على الإطلاق، كما أعاد ذلك العفو جنسيتها الأمريكية التي انتزعت عنها نتيجة إدانتها.
في عام 2006، توفيت إيفا توغوري عن عمر يناهز 90 عاماً، في أحد مستشفيات شيكاغو الأمريكية وقبل وفاتها بأسابيع، قامت لجنة قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية بتقديم جائزة إدوارد جيه هيرلي هي للمواطنة لعام 2005، إلى إيفا توغوري.