إرم نيوز
سئم محمد إسحاق العمل المكتبي في كندا، فعاد إلى موطنه الأصلي في صوماليلاند ليمتهن تجارة قديمة، تطلب الأمر 78 جملا، ومنذ ذلك الوقت لم يعد إسحاق فقيرا.
على عكس ما جرت عليه العادة، هرب إسحاق من ضغط حياة المدينة في الغرب ليصبح راعي إبل في "صوماليلاند" الجزء الشمالي من الصومال في شرق أفريقيا.
وبعد عقود من العمل كمدير شبكات حاسب في أوتاوا، أصبحت حياته صدى لنمط حياة أبيه وجده وجد جده البدوية، عودا إلى 15 جيلًا للوراء.
لم يفعل ذلك من أجل المال، إذ يربح في المتوسط اليومي 150 دولارًا من بيع حليب الإبل، قبل دفع نفقات رعاية الإبل وسائق التوصيل وسائر النفقات الأخرى.
يقول إسحاق "المهم هو السعادة".
قضى إسحق ثلاثة عقود في أوتاوا، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء، وقد كان ممتنا لكندا على استقبالها له هناك.
ولد نحو مليوني نسمة في "صوماليلاند"، الإقليم شبه المستقل بشمال الصومال، هربوا من الحرب والمجاعة هناك خلال الـ 35 عامًا الماضية، وكثير منهم فر بحثًا عن سبل العيش الآمن والاستقرار السياسي في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا.
آلاف لا تحصى يحصلون على رزقهم من مينيابوليس ولندن وتورونتو وسائر المعاقل الصومالية في الغرب، ثم يعودون إلى ديارهم لبناء فنادق وفتح مطاعم أو الخدمة في الحكومة، ولكن السيد إسحاق يعد واحدًا من أولئك القلائل الذين قطعوا كل الطريق عائدين للديار.. لأجل العودة للعمل كراعي إبل.
ويعترف قائلًا "حياة البدو ليست سهلة، لكن هذا تراثنا".
إسحاق يبلغ من العمر 53 عامًا، لكنه يبدو أصغر من أقرانه في رعي الإبل، والذين قضوا حياتهم في الأحراش.
يشعر إسحاق بالقلق جراء حروق الشمس ومن اسم الشهرة "مولد"، الذي يعني صاحب الملامح الطفولية.
يرعى إسحق الإبل مرتديا تشيرت بولو ماركة رالف لورين وحذاء رياضيا من نيو بالانس، وفي الوقت ذاته يحمل نظارتين الأولى شمسية والثانية طبية للقراءة يضعها فوق رأسه.
كان عمر إسحق 19 عامًا في العام 1988، عندما قصفت القوات الموالية للدكتاتور الصومالي، محمد سياد بري، عاصمة صوماليلاند "هرجيسا" وحولتها إلى أنقاض.
والدا إسحاق توقفا عن الاعتناء به، فما كان منه إلا أن سار على الأقدام حتى إثيوبيا، وشق طريقه متجهًا إلى كندا، حيث حصل على اللجوء السياسي، ثم أصبح مواطنًا وحصل على شهادة في إدارة شبكات الحاسب.
وقضى إسحاق ثلاثة عقود في أوتاوا، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء، وقد كان ممتنًا لكندا على استقبالها له هناك.
لكن قسوة العمل المكتبي طحنته، ويقول عن ذلك "الناس يبدون مثل الآلات"، ثم أصيب بضعف الدورة الدموية، وساءت حالته بسبب برودة الجو والرطوبة، ومن ثم حدث طلاق فوضوي.
في عام 2020، عاد إسحق إلى صوماليلاند وتزوج من زمزم حسن، ودفع مهرًا لعائلة العروس 25 ناقة.
كان جد إسحاق راعيا بدويا، وكان يستوطن أي مكان ما دام العلف متوافرا، ثم يشد الرحال بحثا عن مرعى آخر أكثر خضرة، وقد عمل إسحاق في الرعي مع والده منذ كان عمره خمس سنوات.
وفي أوتاوا شعر باشتياق لنمط الحياة الصومالي القديم، إذ يعتقد أن الطقس الجاف والحمية الشديدة القائمة على تناول حليب الإبل قد تعيد إليه صحته.
عودة وزواج
في عام 2020، عاد إلى صوماليلاند وتزوج من زمزم حسن، ودفع مهرًا لعائلة العروس 25 ناقة.
وكان أول عرض قدمه للسيدة حسن أنهما سيعيشان في مقاطعة فروينه، وهي منطقة شبه قاحلة على الحدود الإثيوبية تتميز بحقول الأدغال والصبار والذرة الرفيعة.
وقال إسحق لها "في الغرب ذات يوم يمكنك أن تحقق الثراء، وفي اليوم التالي قد تصبح فقيرًا ومريضًا، أريد أن انتقل للأحراش ومعي زوجين من الإبل".
لم تكن تلك هي البداية للسيدة حسن البالغة من العمر 39 عاما، فقد ترعرعت في العاصمة الصومالية، مقديشيو، وتخرجت من قسم الأعمال في هرجيسا، وتعمل في وكالة مساعدات نرويجية.
لم تتخيل زمزم نفسها تعيش في قرية بها عشرات من أكواخ الصفائح المعدنية المموجة والتي تفتقر إلى المراحيض النظيفة، وما زال الأسوأ لم يأت بعد، فلم تتوقع أن تعيش في خيمة مُحاطة بقطيع من الإبل.
لكنها رأت كم دفع زوجها ثمنًا لمثل هذه الحياة.
وتقول السيدة حسن "أردت بالفعل أن أعرف ما يحبه كثيرًا، لأنني لم أنشأ مثل تلك النشأة".
ولذلك، قدمت عرضًا مضادًا: ماذا عن شراء دستين من الإبل والاحتفاظ بها في بعض العقارات الاستثمارية التي تملكها في هرجيسا؟، هكذا يمكنه شرب حليب الإبل والسير في الأحراش مع الحيوانات وتحقيق أمنيته.
وتقول "يمكننا الاحتفاظ بمنزلنا وكذلك الاحتفاظ بالإبل".
تحقق الإبل الكبيرة ربحًا يتراوح بين 1000 حتى 2000 دولار، ويحصل إسحاق على الإبل الكبيرة من مدينة بيدوا الصومالية
رغم شعوره بالحنين، يعرف إسحاق القليل عن عالم الإبل. ولذلك، قرأ هو والسيدة حسن كتبا عن رعاية الإبل، بما في ذلك كتاب أحمد كالي أبوكور، الذي صدر في العام 1986 تحت عنوان "أدب الإبل"، وكتاب فرح وفيشر "حليب ولحوم من الجمل: كتيب حول المنتجات والتصنيع"، كما شاهدا فيلمًا وثائقيًا يحمل اسم "كاميليشيش".
عادة سيئة
تحقق الإبل الكبيرة ربحًا يتراوح بين 1000 حتى 2000 دولار، ويحصل إسحاق على الإبل الكبيرة من مدينة بيدوا.
وتدير حركة الشباب، المتشددة حكومة ظل في أجزاء من الصومال، ويدفع سمسار الإبل الذي يتعامل معه 300 دولار إتاوة للمسلحين لإخراج 26 جملًا إلى صوماليلاند، والتي تعد إلى حد كبير أكثر استقرارًا من بقية الصومال.
ويحتفظ إسحاق بـ71 جملًا في مزرعة هرجيسا، وسبعة أخرى لدى ابن عمه مختار إسحاق في منطقة فروينه، ويقضي محمد القليل من الأيام شهريًّا في الرعي مع مختار، حيث ينام على الأرض في تعريشات مؤقتة من الفروع ذات الارتفاعات الكبيرة لصد هجمات الضباع وابن آوى.
تربى مختار ومحمد معا حيث كانا يلعبان في طفولتهما في فروينه، وهو المكان الذي كان والد محمد وجده يرعيان قطعانهما فيه، ولكن طرقهما تقاطعت بشكل حاد.
يرتحل مختار (53 سنة) مع إبله الثلاثين بين قرى جادهياجول، وزيسدينتا، بل ويجوب أنحاء إثيوبيا في الأوقات العصيبة.
لم يعتبر مختار نفسه قط ذكيًّا بما فيه الكفاية لكي ينال فرصة في الغرب، مثلما فعل محمد، كما إنه لا يتخيل حياة أفضل من الحياة التي يعيشها.
ويقول مختار وهو يحتسي كوب الشاي المحلى بحليب الإبل تحت شجرة الفلفل الأحمر "عندما يعود الناس للوطن، لا يعد هذا أمرًا غريبًا، ولكن عندما يرحل الناس عن أوطانهم هذا هو الغريب".
ومحمد غاضب من افتقاد ابن عمه للطموح، وعادته في إهدار وقت الظهيرة ومضغه القات، وهي مادة منبهة إدمانية يتم مضغها على نطاق واسع في القرن الأفريقي.
ويقول مختار خجلًا "هذه عادة سيئة".
لكن محمد يحب نمط الحياة مع القطيع، المشي على انفراد بين الصخور والرمال، ووجبات لحم الماعز المسلوق مع الأرز، وقضاء الليل تحت النجوم، شعوره بمعرفة المكان الذي ينتمي إليه هو أكبر خطة في حياته.
ما زال سعيدًا
عندما تحول إلى راع يرعى قطيعا مكونا من 50 جملًا من إثيوبيا، في مكان تقل فيه الأمطار ويندر العلف، سرعان ما اكتشف محمد أن عائلته تنتمي إلى خمسة أجيال سابقة، يمكنه أن يرسم خريطة نسبه حتى الجد الـ21.
ويقول إن الصوماليين يحبون معرفة من يتعاملون معه، ويسأل "إذا لم تكن تعرف نسبهم، فمن يكونوا؟".
جد محمد لأبيه كان يأخذ إبله للاستحمام في نهر Dhaboolaq، وهو المكان ذاته الذي أحضر هو ومختار إبلهم إليه الآن.
ويقول محمد إن عمدة قرية Dhaboolaq، أحمد إبراهيم، قال له "من بين كل الناس الذين سافروا لأوروبا، أنت الوحيد الذي عاد إلى هنا".
في كل صباح ومساء يعود إلى هرجيسا، حيث تنشغل يد محمد المزارع بحلب الجمال الواقفة على ساق واحدة بينما يوازن بيده الأخرى جرة حليب.
وينتج القطيع 60 لترًا من الحليب يوميًّا، والتي يبيعها لبائعي الحليب في الشوارع ومطاعم الفنادق مقابل 2.5 دولار للتر الواحد.
ولا شك أن ضغط الرعي يختلف تمامًا عن فيروسات الحاسوب والأخطاء التي يواجهها المستخدم، والتي لطالما تعاطى معها في إطار عمله في مجال تكنولوجيا المعلومات في كندا.
ففي وقت سابق من الشهر الماضي، اتهم أحد المزارعين آخر بسرقة حليب الإبل، على أمل التسبب في طرد الرجل واختيار نسيبه بدلًا منه، وقد أدى ذلك إلى نشوب مشاجرة بين الاثنين.
وفي حادث منفصل، هربت 4 جمال لمدة 10 أيام، بعدما ترك الراعي القطيع لشراء القات.
ما زال محمد سعيدًا بعودته إلى وطنه مرة أخرى.
ويقول عن حياته الجديدة "هذا نوع من تنفس الصعداء، الأمر يبدو وكأنني كنت مصابًا بشدة وأخذت مسكنًا للآلام".
سئم محمد إسحاق العمل المكتبي في كندا، فعاد إلى موطنه الأصلي في صوماليلاند ليمتهن تجارة قديمة، تطلب الأمر 78 جملا، ومنذ ذلك الوقت لم يعد إسحاق فقيرا.
على عكس ما جرت عليه العادة، هرب إسحاق من ضغط حياة المدينة في الغرب ليصبح راعي إبل في "صوماليلاند" الجزء الشمالي من الصومال في شرق أفريقيا.
وبعد عقود من العمل كمدير شبكات حاسب في أوتاوا، أصبحت حياته صدى لنمط حياة أبيه وجده وجد جده البدوية، عودا إلى 15 جيلًا للوراء.
لم يفعل ذلك من أجل المال، إذ يربح في المتوسط اليومي 150 دولارًا من بيع حليب الإبل، قبل دفع نفقات رعاية الإبل وسائق التوصيل وسائر النفقات الأخرى.
يقول إسحاق "المهم هو السعادة".
قضى إسحق ثلاثة عقود في أوتاوا، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء، وقد كان ممتنا لكندا على استقبالها له هناك.
ولد نحو مليوني نسمة في "صوماليلاند"، الإقليم شبه المستقل بشمال الصومال، هربوا من الحرب والمجاعة هناك خلال الـ 35 عامًا الماضية، وكثير منهم فر بحثًا عن سبل العيش الآمن والاستقرار السياسي في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا.
آلاف لا تحصى يحصلون على رزقهم من مينيابوليس ولندن وتورونتو وسائر المعاقل الصومالية في الغرب، ثم يعودون إلى ديارهم لبناء فنادق وفتح مطاعم أو الخدمة في الحكومة، ولكن السيد إسحاق يعد واحدًا من أولئك القلائل الذين قطعوا كل الطريق عائدين للديار.. لأجل العودة للعمل كراعي إبل.
ويعترف قائلًا "حياة البدو ليست سهلة، لكن هذا تراثنا".
إسحاق يبلغ من العمر 53 عامًا، لكنه يبدو أصغر من أقرانه في رعي الإبل، والذين قضوا حياتهم في الأحراش.
يشعر إسحاق بالقلق جراء حروق الشمس ومن اسم الشهرة "مولد"، الذي يعني صاحب الملامح الطفولية.
يرعى إسحق الإبل مرتديا تشيرت بولو ماركة رالف لورين وحذاء رياضيا من نيو بالانس، وفي الوقت ذاته يحمل نظارتين الأولى شمسية والثانية طبية للقراءة يضعها فوق رأسه.
كان عمر إسحق 19 عامًا في العام 1988، عندما قصفت القوات الموالية للدكتاتور الصومالي، محمد سياد بري، عاصمة صوماليلاند "هرجيسا" وحولتها إلى أنقاض.
والدا إسحاق توقفا عن الاعتناء به، فما كان منه إلا أن سار على الأقدام حتى إثيوبيا، وشق طريقه متجهًا إلى كندا، حيث حصل على اللجوء السياسي، ثم أصبح مواطنًا وحصل على شهادة في إدارة شبكات الحاسب.
وقضى إسحاق ثلاثة عقود في أوتاوا، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء، وقد كان ممتنًا لكندا على استقبالها له هناك.
لكن قسوة العمل المكتبي طحنته، ويقول عن ذلك "الناس يبدون مثل الآلات"، ثم أصيب بضعف الدورة الدموية، وساءت حالته بسبب برودة الجو والرطوبة، ومن ثم حدث طلاق فوضوي.
في عام 2020، عاد إسحق إلى صوماليلاند وتزوج من زمزم حسن، ودفع مهرًا لعائلة العروس 25 ناقة.
كان جد إسحاق راعيا بدويا، وكان يستوطن أي مكان ما دام العلف متوافرا، ثم يشد الرحال بحثا عن مرعى آخر أكثر خضرة، وقد عمل إسحاق في الرعي مع والده منذ كان عمره خمس سنوات.
وفي أوتاوا شعر باشتياق لنمط الحياة الصومالي القديم، إذ يعتقد أن الطقس الجاف والحمية الشديدة القائمة على تناول حليب الإبل قد تعيد إليه صحته.
عودة وزواج
في عام 2020، عاد إلى صوماليلاند وتزوج من زمزم حسن، ودفع مهرًا لعائلة العروس 25 ناقة.
وكان أول عرض قدمه للسيدة حسن أنهما سيعيشان في مقاطعة فروينه، وهي منطقة شبه قاحلة على الحدود الإثيوبية تتميز بحقول الأدغال والصبار والذرة الرفيعة.
وقال إسحق لها "في الغرب ذات يوم يمكنك أن تحقق الثراء، وفي اليوم التالي قد تصبح فقيرًا ومريضًا، أريد أن انتقل للأحراش ومعي زوجين من الإبل".
لم تكن تلك هي البداية للسيدة حسن البالغة من العمر 39 عاما، فقد ترعرعت في العاصمة الصومالية، مقديشيو، وتخرجت من قسم الأعمال في هرجيسا، وتعمل في وكالة مساعدات نرويجية.
لم تتخيل زمزم نفسها تعيش في قرية بها عشرات من أكواخ الصفائح المعدنية المموجة والتي تفتقر إلى المراحيض النظيفة، وما زال الأسوأ لم يأت بعد، فلم تتوقع أن تعيش في خيمة مُحاطة بقطيع من الإبل.
لكنها رأت كم دفع زوجها ثمنًا لمثل هذه الحياة.
وتقول السيدة حسن "أردت بالفعل أن أعرف ما يحبه كثيرًا، لأنني لم أنشأ مثل تلك النشأة".
ولذلك، قدمت عرضًا مضادًا: ماذا عن شراء دستين من الإبل والاحتفاظ بها في بعض العقارات الاستثمارية التي تملكها في هرجيسا؟، هكذا يمكنه شرب حليب الإبل والسير في الأحراش مع الحيوانات وتحقيق أمنيته.
وتقول "يمكننا الاحتفاظ بمنزلنا وكذلك الاحتفاظ بالإبل".
تحقق الإبل الكبيرة ربحًا يتراوح بين 1000 حتى 2000 دولار، ويحصل إسحاق على الإبل الكبيرة من مدينة بيدوا الصومالية
رغم شعوره بالحنين، يعرف إسحاق القليل عن عالم الإبل. ولذلك، قرأ هو والسيدة حسن كتبا عن رعاية الإبل، بما في ذلك كتاب أحمد كالي أبوكور، الذي صدر في العام 1986 تحت عنوان "أدب الإبل"، وكتاب فرح وفيشر "حليب ولحوم من الجمل: كتيب حول المنتجات والتصنيع"، كما شاهدا فيلمًا وثائقيًا يحمل اسم "كاميليشيش".
عادة سيئة
تحقق الإبل الكبيرة ربحًا يتراوح بين 1000 حتى 2000 دولار، ويحصل إسحاق على الإبل الكبيرة من مدينة بيدوا.
وتدير حركة الشباب، المتشددة حكومة ظل في أجزاء من الصومال، ويدفع سمسار الإبل الذي يتعامل معه 300 دولار إتاوة للمسلحين لإخراج 26 جملًا إلى صوماليلاند، والتي تعد إلى حد كبير أكثر استقرارًا من بقية الصومال.
ويحتفظ إسحاق بـ71 جملًا في مزرعة هرجيسا، وسبعة أخرى لدى ابن عمه مختار إسحاق في منطقة فروينه، ويقضي محمد القليل من الأيام شهريًّا في الرعي مع مختار، حيث ينام على الأرض في تعريشات مؤقتة من الفروع ذات الارتفاعات الكبيرة لصد هجمات الضباع وابن آوى.
تربى مختار ومحمد معا حيث كانا يلعبان في طفولتهما في فروينه، وهو المكان الذي كان والد محمد وجده يرعيان قطعانهما فيه، ولكن طرقهما تقاطعت بشكل حاد.
يرتحل مختار (53 سنة) مع إبله الثلاثين بين قرى جادهياجول، وزيسدينتا، بل ويجوب أنحاء إثيوبيا في الأوقات العصيبة.
لم يعتبر مختار نفسه قط ذكيًّا بما فيه الكفاية لكي ينال فرصة في الغرب، مثلما فعل محمد، كما إنه لا يتخيل حياة أفضل من الحياة التي يعيشها.
ويقول مختار وهو يحتسي كوب الشاي المحلى بحليب الإبل تحت شجرة الفلفل الأحمر "عندما يعود الناس للوطن، لا يعد هذا أمرًا غريبًا، ولكن عندما يرحل الناس عن أوطانهم هذا هو الغريب".
ومحمد غاضب من افتقاد ابن عمه للطموح، وعادته في إهدار وقت الظهيرة ومضغه القات، وهي مادة منبهة إدمانية يتم مضغها على نطاق واسع في القرن الأفريقي.
ويقول مختار خجلًا "هذه عادة سيئة".
لكن محمد يحب نمط الحياة مع القطيع، المشي على انفراد بين الصخور والرمال، ووجبات لحم الماعز المسلوق مع الأرز، وقضاء الليل تحت النجوم، شعوره بمعرفة المكان الذي ينتمي إليه هو أكبر خطة في حياته.
ما زال سعيدًا
عندما تحول إلى راع يرعى قطيعا مكونا من 50 جملًا من إثيوبيا، في مكان تقل فيه الأمطار ويندر العلف، سرعان ما اكتشف محمد أن عائلته تنتمي إلى خمسة أجيال سابقة، يمكنه أن يرسم خريطة نسبه حتى الجد الـ21.
ويقول إن الصوماليين يحبون معرفة من يتعاملون معه، ويسأل "إذا لم تكن تعرف نسبهم، فمن يكونوا؟".
جد محمد لأبيه كان يأخذ إبله للاستحمام في نهر Dhaboolaq، وهو المكان ذاته الذي أحضر هو ومختار إبلهم إليه الآن.
ويقول محمد إن عمدة قرية Dhaboolaq، أحمد إبراهيم، قال له "من بين كل الناس الذين سافروا لأوروبا، أنت الوحيد الذي عاد إلى هنا".
في كل صباح ومساء يعود إلى هرجيسا، حيث تنشغل يد محمد المزارع بحلب الجمال الواقفة على ساق واحدة بينما يوازن بيده الأخرى جرة حليب.
وينتج القطيع 60 لترًا من الحليب يوميًّا، والتي يبيعها لبائعي الحليب في الشوارع ومطاعم الفنادق مقابل 2.5 دولار للتر الواحد.
ولا شك أن ضغط الرعي يختلف تمامًا عن فيروسات الحاسوب والأخطاء التي يواجهها المستخدم، والتي لطالما تعاطى معها في إطار عمله في مجال تكنولوجيا المعلومات في كندا.
ففي وقت سابق من الشهر الماضي، اتهم أحد المزارعين آخر بسرقة حليب الإبل، على أمل التسبب في طرد الرجل واختيار نسيبه بدلًا منه، وقد أدى ذلك إلى نشوب مشاجرة بين الاثنين.
وفي حادث منفصل، هربت 4 جمال لمدة 10 أيام، بعدما ترك الراعي القطيع لشراء القات.
ما زال محمد سعيدًا بعودته إلى وطنه مرة أخرى.
ويقول عن حياته الجديدة "هذا نوع من تنفس الصعداء، الأمر يبدو وكأنني كنت مصابًا بشدة وأخذت مسكنًا للآلام".