شعراء من السعودية ومصر وسوريا وموريتانيا على مسرح شاطئ الراحة في أبوظبي
انطلقت مساء يوم الأربعاء 4 يناير 2023، على مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي، أولى حلقات البث المباشر من برنامج "أمير الشعراء" في موسمه العاشر، والذي يعد أضخم مسابقة تلفزيونية للشعر الفصيح في الوطن العربي، وذلك عبر قناتي بينونة وأبوظبي.

وبحضور معالي فارس خلف المزروعي رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي، وسط أجواء جماهيرية، وحشد ضخم جمع العديد من الشعراء والإعلاميين والأدباء والمثقفين، ومحبي الشعر الفصيح ومتذوقيه، استهلت الحلقة بتحية تكريم لشاعر الإمارات الكبير الراحل سلطان بن علي العويس في ذكرى وفاته، حيث شدت أيقونة الأوبرا الإماراتية الفنانة فاطمة الهاشمي، بإحدى قصائد الشاعر الجميلة في افتتاح الموسم العاشر من البرنامج، وهي قصيدة "الإمارات تحيي أهلها"، ومنها الأبيات التالية:

"الإمارات تحيي أهلها من أتوا من مشرق أو مغرب

قادة الفكر إليكم ننتمي فشذا المسك بطيب العنب

لو يصاغ المجد صغنا أنجما وجعلنا رمزنا وجه صبي

هذه أقلامكم في ليلها تنشر النور برغم الغيهب

يا دروب المجد في آفاقها ها همُ أبطالنا فانتخبي".

تلا الافتتاحية تقرير سلّط الضوء على مكانة أبوظبي التي زرعت بساتين الشعر والمنافسة من خلال برنامج أمير الشعراء، بمسيرة البرنامج المستمرة طوال عقد من الزمن، برعاية من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لتستمر قافلة أمير الشعراء باحثة عن أمير قادم يخط قصائده وأحلامه عبر البرنامج الأول والأضخم من نوعه للشعر العربي، على مسرح الشعر الأول مسرح شاطئ الراحة في أبوظبي.

ومع المقدمة الشعرية من كلمات قصيدة "اللغة الخالدة" لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رحّبت الإعلامية لوجين عمران بالحضور في المسرح وخلف الشاشات، تلاه تقرير احتفائي تضمن مشاهد وفقرات من الحلقات السابقة للبرنامج والتي شهدت حضوراً متألقا لأستاذي النقد العربي الكبار، الدكتور الراحل صلاح فضل، والدكتور عبد الملك مرتاض، عضو اللجنة الاستشارية للبرنامج.

وفي مستهل الحلقة المباشرة الأولى، كان الرأي لأعضاء لجنة تحكيم البرنامج الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، والدكتورة أماني فؤاد، أستاذة النقد الأدبي الحديث بأكاديمية الفنون بالقاهرة، والدكتور محمد حجو، أستاذ السيميائيات وتحليل الخطاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس بالرباط، حيث أشار الدكتور علي بن تميم إلى أنّ اللجنة والجمهور أمام لجج من الجمال الشعري، قائلاً إنّ " التحدي أمامنا أن نستمر في إنعاش الخيال للذائقة العربية، لأن الخيال يؤدي إلى الإبداع، ونحن في التحدي لأننا أمام نخبة من الشعراء خضعوا لاختبارات أداء حتى وصلوا إلى هذه المرحلة"، مشيراً إلى أن الشعر عاد ليكون ديوان العرب، وبالشعر يحمي العربي لغته وخياله، أما الدكتورة أماني فؤاد، فقالت: "سعيدة بالتجربة جدا، وأتوقع أن يكون الموسم ثريا بالشعر والأفكار وإضافة منظومة جديدة للبرنامج من خلال شعراء شباب يضيفون جديداً للشعرية العربية"، واعتبر الدكتور محمد حجو أنّ "لكل لحظة تحدياً موجوداً، في استمرارية البرنامج رغم جائحة كورونا ونجاحه بامتياز، وهناك تحدي الجغرافيا والمسافات، وهناك تحدي الوقت والظروف، كل هذه التحديات يجتازها البرنامج وأهله من الشعراء والقيمين عليه، بعزيمة واقتدار".

وخلال فواصل منتظمة، تضمّنها تقديم تقرير استعرض أسماء الشعراء العشرين المشاركين في الحلقات المباشرة، وتقارير مصممة بالذكاء الاصطناعي لخلفيات وإطلالات الشعراء، كانت الإضاءة على كواليس البرنامج مع الإعلامي الإماراتي عيسى الكعبي، الذي ركّز على تجارب الشعراء والمحطات التي عبروها بجهد جاد وشعرية عالية، خلال مسيرة البرنامج ومشاعرهم وتعليقاتهم قبل وبعد اعتلائهم المنصة وإلقائهم قصائدهم أمام اللجنة والجمهور.

تلاها تقرير عن آلية التنافس للوصول إلى لقب الإمارة، حيث تتوزع حلقات البرنامج على مرحلة أولى يتأهل في نهايتها 15 شاعراً، ومرحلة ثانية يتأهل في ختامها ستة شعراء، ومرحلة ثالثة يتنافس فيها الشعراء الستة على المراكز من المركز السادس إلى الأول، حيث تقدم إدارة البرنامج جائزة قدرها مليون درهم إماراتي لصاحب المركز الأول بالإضافة إلى منحه لقب أمير الشعراء، وبردة الشعر، وخاتم الإمارة، أما الفائز بالمركز الثاني فيحصل على 500 ألف درهم إماراتي، فيما يحصل صاحب المركز الثالث على 300 ألف درهم، ويُمنح صاحب المركز الرابع جائزة قدرها 200 ألف درهم، وتحصل صاحب المركز الخامس على 100 ألف درهم إماراتي. ومع انطلاق رحلة المنافسة، تم الإعلان عن شعراء الحلقة المباشرة الأولى وهم: أسماء جلال من مصر، إبراهيم حلّوش من السعودية، دانا أبو محمود من سوريا، سيدي محمد محمد المهدي من موريتانيا.

أسماء جلال: حضور الأنثى وبهاء الشعر

الشاعرة أسماء جلال من مصر، كانت الشاعرة الأولى ضمن شعراء الحلقة الأولى الأربعة، مع قصيدتها بعنوان "ليس كمثله عشق" في حديثها إلى المحبوب طالبة منه تخبئة الشوق وعذاب القلب وعصيانه في هواه، والتي رأت الدكتورة أماني أنها تجسيد لحالات العشق الحائرة التي تقدّم صراعا بين عقل المرأة العاشقة وقلبها، إذ تنحو القصيدة إلى معاني العشق، وتتجلى الشعرية في تراكيبها، مستعيدة صوت شهرزاد المرأة العاشقة الراوية، ومُطلقةً قدرة الخيال ضمن صور متفردة تتطلع إلى مطلق الحب الإنساني. أما الدكتور علي بن تميم فقال "نتمنى للحبيب عدة نظرات تحييه وتنعشه"، مشيراً إلى أنّ القصيدة تبدأ بجملة "خبّئ الشوق" إلا أنها تنحو إلى إظهار البوح التقليدي للمرأة ومشاعرها في قصيدة تجعل حالة العشق متفردة بأن يشفّ الحب عن ذاته، وفيه تتعطل لغة الكلام كما يشير أمير الشعراء أحمد شوقي، وتابع قائلاً: "المتأمل للقصيدة في مجملها لا يكاد يعثر على هذا العشق الذي لا نظير له، هنا عشق عادي، بل يجد حديثا عن المغرمين الذين يرتجون الوصل، كما أن البيتين الرابع والخامس تساؤلات قطعت تنامي القصيدة لتجنح إلى التفلسف، الأمر الذي أخرجنا من الحالة الشعورية". ومن ناحيته توقّف الدكتور محمد حجو عند العنوان في إحالة رمزية تجعل القصيدة مرصّعة برنين لغوي بصدى لأحاسيس لا تُدرك، وكأن الشاعرة تخبئ بوحها كما أشارت في بداية القصيدة، مع شطحات بعيدة من المعنى ونتف شعرية تبدو مألوفة، مشيداً بربط الشاعرة بين المطلع ونهاية القصيدة.

إبراهيم حلوش: رهين محبسَيِ المعري

ومع افتتاحيته في حب الإمارات ومكانتها إذ تنبثق منها الثقافات والآمال، ويُحرم النثر من ميقات أحرفها ويأتلق الشعر فوق شفاه الغيم فيها، أبدع الشاعر في إلقاء نصه المعنون "منسرباً في أشجار الغياب" والذي حفل بشعرية عالية تصوّر الموت بقول الشاعر "قاب موتين من حنين ولهفة/ كان يجتازني الطريق بخفة" وصولاً إلى استراحته على أريكة روحه ليصير كل صبح يمر به شرفة صعود لأدمعه إلى منتهاها، حيث أشادت الدكتورة أماني فؤاد بجمال النص، وقالت: "أقسى أنواع الاغتراب أن تكون غريبا وأنت بين ذويك"، مشيرةً إلى الظلام والعزلة اللذين يستقيهما الشاعر من سيرة المعري، وفقد المرأة التي كانت ترمم وقته بالبياض، في جلوسه عند ضفة روحه، وتقريبه المتباعدات وتجسيد المتناقضات، بما يضفي شاعرية خاصة بمعانٍ تؤنسن الأشياء والموجودات مع قدرة عالية للشاعر على تطويع الكلمة الشعرية والانتقالات الزمنية التي تضمنتها القصيدة، وإشعاعها بإرادة الشاعر وحسه الدرامي حيث الصراع بين الأمل والطموح.

من ناحيته، رأى الدكتور علي بن تميم أنّ الشاعر أبدع في المقطوعة الاستهلالية وفي القصيدة إبداعا كبيرا، وأنّ مفتاح قصيدته يكمن في البيت التاسع "يستقي اللحن من سماء المعري/ ويروي في محبس الصبح حرفه" في محاكاة لزوميات المعري، مع افتقاده لقوة وموقف أبي العلاء المعري وقدرته في مجابهة صروف الدهر، وختم بالقول: "أبو العلاء رهين المحبسين، وأنتَ رهين السؤال، كنت تحلق تارة وتستشعر اليأس تارة أخرى، وبقدر ما كانت لغتك واضحة فقد تسرب إلى البيتين الأخيرين شيء من الالتباس والغموض والتعقيد، في تدريب للقارئ على اكتشاف المعنى". أما الدكتور محمد حجو فأشار إلى أن الشاعر يصور في قصيدته أبعادا نفسية عاطفية في مناخ من الحزن والأسى، ولكن القصيدة تنفرج في أبياتها الأربعة الأخيرة، فكأنها ليلٌ يقود إلى انفراجة الفجر بعد الهزيع الأخير، مشيداً باستحضار النار والفنار والإشارات الميثولوجية والفلسفية، وإضافة الشاعر محبسا ثالثا إلى محبسي المعري المعروفين.

دانا أبو محمود: حقائب حب ودمع من الشام

بعد تحيتها للشام ومكانتها في القصيدة والشعر وحسنها وطهر ساكنها وطيبة ناسها، ألقت الشاعرة قصيدتها بعنوان "تحت سقف الريح" موثقة بعين الكاميرا مأساة أطفال سوريا في الموت غرقاً وجوعاً، والتي رأى الدكتور محمد حجو أرى أنها قصيدة مشهدية كأن الشاعرة تشتغل كما يشتغل مخرج شريط سينمائي، وكأن الشاعرة تستحضر موت الطفل إيلان برؤية بطيئة في قصيدة لا تستجدي التعاطف بل تقنع بحقيقة الألم، بينما أشاد الدكتور علي بن تميم، بمقطوعة الشاعرة الأولى التي ألقتها في حب الشام، قائلاً: "إنّ قصيدتك حكاية طفل مات جوعا وبردا، ولا شك أن موت طفل على هذه الشاكلة في أي مكان على هذا الكوكب مرفوض وغير مقبول"، ومعتبراً أن القصيدة تفتقر إلى مجموعة عناصر فنية، حيث اختصرت حكايتها في البيت الأول وتصويرها لموت الطفل، وأنّ النظرة العامة للقصيدة خطابية لغتها صلبة يغيب عنها غرض بناء حالة إنسانية، إذ قفزت الشاعرة من البداية إلى النتيجة الصادمة ولم تسعَ إلى تقديم حكاية تنمو بشعرية وتتدفق وتؤثر. وأشادت الدكتورة أماني فؤاد بإلقاء الشاعرة الممتلئ بالحماس والألم والمرارة، في شعرية تحفل بالتناقض والاستحالة ونص مشهدي يتضمن السردية وعمل عين الكاميرا، حيث تسائل الشاعرة البشر والموجودات والشمس، بالفن الذي يرمم الواقع، معتبرةً أنّ القصيدة قامت بهذا الدور تماما.

سيدي محمد محمد المهدي: عاشق اللغة حلّاج القصيدة

أما رابع الشعراء المشاركين في الحلقة الأولى المباشرة فقد، ألقى قصيدته بعنوان "تحَلُّجٌ في مَداءاتِ العشق"، مبرزاً سيرة الحلاج، شهيد العشق الإلهي، إذ "ينسل خيطا من ضباب التيه/ شجر المجاز بحضنه يأويه/ والذكريات كما الظلال تمددت/ قيثارة الراعي بها تشجيه"، واصفاً الحلاج في برجه الصوفي يتلو سفره، وجراح الأرض تنزف فيهِ، ومصوراً حزنه الفائق والفائض بالدمع إذ "من غيمتين نحيبه ولربما/ نهرٌ من العبرات لا يكفيه"، حيث أخذ الدكتور علي بن تميم على الشاعر أنه لم يعش قصيدته في إلقائه على الأقل، للصوفية التي تتشح بها القصيدة، ولاستعادة الحسين ابن منصور الحلاج، حيث يشير الشاعر إلى الحلاج مباشرة حينا وبصورة مجازية حينا آخر، خاتماً بقوله: "استطاع الشاعر أن يقدّم نصا صوفيا يبدو فيه مريدا من مريدي الحلاج أو شهيد العشق الإلهي كما يسمّى"، أما الدكتورة أماني فؤاد فقالت: "تدور بنا في عالم مدارات التأويل في بنية مركّبة للغاية، تعتمد على انشطار الذات حيث يستل الشاعر من نفسه إنسانا آخر يبدأ مساءلته في مجموعة من الصراعات المختلفة، كعشق امرأة أو حقيقة أو جوهر، بقصيدة كشف ونور وقبض على الحقيقة"، وأشاد الدكتور محمد حجو بما احتوته القصيدة من تناصات متفرقة، كسفر بين الحلاج واستحضار تابوت النبي يونس عليه السلام وحوته، وعوالم التصوف وعشق الذات الإلهية، وعشق اللغة أيضاً، مخاطباً الشاعر بقوله: "نحسك متيماً بجماليات اللغة كأنك تقول لنا انظروا إلى سماء البيت، ونحن من علينا أن ننتبه إلى النجوم تتلألأ في صفحتها".

تأهل الشاعر إبراهيم حلوش من السعودية

وكان ختام الحلقة الأولى المباشرة في افتتاح الموسم العاشر من برنامج مسابقة أمير الشعراء، مع قرار لجنة التحكيم بتأهيل الشاعر إبراهيم حلّوش بدرجة 47، بينما نال سيدي محمد محمد المهدي درجة 45، وكل من أسماء جلال ودانا محمود 42، حيث يعود اختيار شاعرين آخرين إلى تصويت الجمهور من ضمن الشعراء الثلاثة المتبقين.