أثار الدمار الواسع في المناطق التي ضربها الزلزال في تركيا تساؤلات حول معايير البناء، والأسباب التي قادت إلى الانهيار السريع للمباني في البلاد، خصوصاً وأنها سجلت في الماضي زلازل كبرى.

وقال مسؤولون أتراك إنَّ 12 ألفاً و141 مبنى دمر أو تضرر بشدة في تركيا، عقب الزلزالين اللذين أوديا حتى الآن بأكثر من 25 ألف شخص.

وعلى الرغم من قوة الزلزالين، إلا أنَّ خبراء يرون أنَّ المباني المشيدة بشكل صحيح كان يجب أن تظل قائمة.

وقال الخبير في التخطيط وإدارة الطوارئ في كلية لندن الجامعية، البروفيسور ديفيد ألكسندر: "كانت أقصى درجة لهذا الزلزال عنيفة، ولكنها ليست كافية بالضرورة لهدم مبانٍ جيدة التشييد"، بحسب ما ذكرته شبكة "بي بي سي" البريطانية.

"تطبيق سيئ لمعايير البناء"

وتم تشديد لوائح البناء في أعقاب الكوارث السابقة، بما في ذلك زلزال 1999 حول مدينة إزميت، في شمال غرب البلاد، والذي سقط فيه 17 ألف شخص.

وكما هو الحال في اليابان حيث تكثر الزلازل، تقتضي هذه القوانين بصورة عامة متطلبات سلامة تختلف بحسب استخدام المبنى، ومدى قربه من المناطق الأكثر تعرضاً لخطر الزلازل، لكنها تشترط بشكل عام التعزيز البسيط ونشر مانعات الحركة في جميع أنحاء المبنى، إضافة إلى وضع هيكل المبنى بأكمله فوق ممتص صدمات عملاق لعزله عن حركة الأرض.

لكن القوانين، بما في ذلك أحدث المعايير التي وُضعت في عام 2018 ، طُبقت بشكل سيئ، وفقاً لخبراء أتراك.

وقال المهندس المعماري في إسطنبول أيكوت كوكسال "على الورق تُحترم المعايير، مع عقود تُمنح لشركات خاصة تكلف التحقق منها"، وفقاً لما نقلته وكالة "فرانس برس".

لكن الإشراف على هذه الاتفاقات متساهل، وفق كوكسال، ما يمنح المقاولين مساحة أكبر لتطبيق القواعد أو عدم تطبيقها.

وقد تحدّ الإجراءات البيروقراطية من تحميل المسؤولية إلى جهة ما إذا حصل خطأ، فعدد الخطوات والموقعين كبير إلى درجة يجعل من الصعب تحديد المسؤول في نهاية الأمر".

وكحل لهذه المشكلة، اقترح كوكسال فرض تأمين على جميع أصحاب الشأن ضد الممارسات الخاطئة، تضمن دفع تعويضات للمتضررين من جانب المقاولين المذنبين، مضيفاً: "هذا ما يُطبق في أماكن أخرى من العالم، وينبغي أن يُطبق في تركيا".

إعفاءات قانونية لمباني "سيئة" التشييد

وإلى جانب الإشكاليات في تطبيق قوانين البناء، ظهرت أيضاً مشكلة الإعفاءات القانونية للأبنية المخالفة.

وبحسب شبكة "بي بي سي"، دأبت الحكومة التركية منذ الستينات على إصدار عفو عام بشكل دوري للمباني التي تم تشييدها بدون شهادات السلامة المطلوبة، كان آخرها في عام 2018.

وحذر النقاد مراراً من أنَّ قرارات العفو هذه قد تؤدي إلى وقوع كارثة في حالة وقوع زلزال كبير.

وحصل ما يصل إلى 75 ألف مبنى في جميع أنحاء منطقة الزلزال المتضررة في جنوب تركيا على قرارات عفو متعلقة بالبناء، وفقاً لما نقلته الشبكة عن رئيس اتحاد غرف المهندسين والمعماريين الأتراك في إسطنبول بيلين بينار جيريتلي أوغلو.

وقبل أيام قليلة من وقوع الكارثة الأخيرة، ذكرت وسائل إعلام تركية أن مشروع قانون جديد ينتظر موافقة البرلمان، من شأنه منح عفو إضافي عن أعمال البناء الأخيرة.

وقال الجيولوجي التركي جلال سينجور في وقت سابق من هذا العام، إنَّ تمرير مثل هذا العفو عن البناء في بلد تمزقه خطوط الصدع، يرقى إلى "جريمة"، بحسب "بي بي سي".

وبعد الزلزال المميت الذي ضرب مقاطعة إزمير الغربية في عام 2020، وجد تقرير للشبكة أن 672 ألف مبنى في إزمير، استفادت من آخر عفو أصدرته الحكومة.

ونقل هذا التقرير نفسه عن وزارة البيئة والتحضر والتغير المناخي التركية، أنه في عام 2018 تم تشييد أكثر من 50٪ من المباني في تركيا، أي ما يعادل 13 مليون مبنى تقريباً، في انتهاك للوائح.

"إسمنت رديئ وقضبان حديد رفيعة"

وإلى جانب القوانين، تبرز أيضاً النوعية الرديئة للإسمنت الذي يُمزج مع كثير من الماء والحصى وقليل جداً من الإسمنت، وفق ما ذكر المستشار في جامعة إسطنبول التقنية زيني تكين.

وتعود أسباب أخرى إلى نوعية قضبان الحديد التي قد تكون رفيعة جداً، بحيث لا تتمكن من دعم الأعمدة، ما يحد من قوة البناء، بحسب ما نقلته "فرانس برس" عن تيكين.

وقال الأستاذ في جامعة بوغازيتشي ومقرها اسطنبول، مصطفى إرديك إنه حتى إذا انهار مبنى ما، يمكن للناس عادة الاختباء حتى تتمكن فرق البحث من إنقاذهم، لكن هذه المرة تساقطت طبقات أبنية فوق بعضها البعض مثل صفائح.

وأضاف إرديك، وهو أيضاً من "الصندوق التركي لمواجهة الزلازل"، أنَّ "أرضيات الشقق تتكدس فوق بعضها البعض".

لكن تكين يلقي باللوم أيضاً على تدني مستوى تعليم المهندسين المدنيين والمهندسين المعماريين، رغم ظهور جامعات خاصة في أنحاء تركيا.

توقيف مقاولين أتراك

ووسط الدمار الواسع، اتجهت أصابع الاتهام إلى المقاولين، إذ قُدمت أول شكوى قانونية، الجمعة، في محافظة ديار بكر الواقعة جنوب شرق البلاد، تبعتها شكاوى أخرى.

وأوقف نحو 12 مقاولاً في تركيا على خلفية انهيار آلاف المباني، على ما ذكرت وسائل الاعلام المحلية السبت. وبين الموقوفين مقاول في محافظة غازي عنتاب و11 في محافظة شانلي.

ويتوقع توقيف مزيد من الأشخاص بعد إعلان المدعي العام في دياربكر إحدى المحافظات العشر المتضرر بالزلزال، السبت إصدار 29 مذكرة توقيف وفقاً لوكالة انباء الأناضول الرسمية. بحسب المصدر نفسه فإن أحد الموقوفين مقاول شيد مباني في غازي عنتاب واعتقل في اسطنبول.

وباشر مدعون تحقيقات فى المحافظات المنكوبة، مثل كهرمان مرعش، حيث كان مركز الزلزال في منطقة بازارجيك. وأمرت وزارة العدل التركية المدعين العامين في المحافظات العشر بفتح "مكاتب تحقيق في الجرائم المتعلقة بالزلزال".

واعتقلت الشرطة، الجمعة، مقاولاً في مطار إسطنبول، بعد انهيار مبنى فخم على قاطنيه في محافظة هاتاي.

والسبت، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنَّ مئات الآلاف من المباني في جنوب تركيا لم تعد صالحة للسكن، وإن الدولة ستبدأ عملية إعادة الإعمار قريباً.

وأضاف: "نعتزم إعادة بناء مئات الآلاف من المباني. سنبدأ اتخاذ خطوات ملموسة في غضون أسابيع قليلة".