أنطاكية تأسست عام 300 قبل الميلاد على يد الإسكندر الأكبر، وعاشت لزمنٍ طويل، شهد تدميرها وإعادة بنائها عدة مرات، وأطلق عليها الإغريق والرومان، والبيزنطيون اسم «أنتيوك»، حيث كانت مركزاً تجارياً شديد النفوذ، لدرجة أنها كانت ثالث أكبر مدن الإمبراطورية الرومانية.

وبُنِيَت المدينة الجديدة فوق أطلالٍ وأطلال من أنقاض حضارات أفلت شمسها قبل زمنٍ بعيد، وفيها الكنيسة الأرثوذكسية الشهيرة، واحدة من أقدم 5 كنائس في العالم، أسسها القديسان بطرس وبولس في كهف، ومساجد ومعابد، لكن الزلزال دمرها تماماً.

تُعَدُّ مدينة أنطاكية العاصمة القديمة لمحافظة هاتاي في تركيا، وهي المنطقة الأشد تضرراً من أسوأ زلزال منذ قرن تقريباً، ويكافح الآلاف في جميع أنحاء المدينة، التي تحوي معالم تاريخية نفيسة، تعود لآلاف السنين، لاستيعاب الكارثة، التي قلبت حياتهم رأساً على عقب، وفق صحيفة نيويورك تايمز.

المربية صبا يغيت (52 عاماً) احتمت في سوق الخضار مع عائلتها، وصباح الخميس، استيقظت متجمدة من البرد. وقالت

للصحيفة الأميركية: «لا كهرباء، ولا ماء، ولا حمام.. الأمر مروع».

من جهتها، جلست صبرية كارا أوغلان (70 عاماً)، ملتفةً ببطانية رقيقة، فوق كرسي تخييم أزرق، وذلك في الممشى الواقع على سفح الجبل المطل على المدينة. وقالت: «سنموت هنا فوق كراسينا بينما ننتظر وصول الخيام».

بدوره، يوضح كاظم قصيري (41 عاماً)، مالك فندق Savon الأشهر في أنطاكية: «لا أنطاكية بعد اليوم.. لقد فقدت كل ذكرياتي. ولم يعُد لديّ سبب للعيش في هاتاي».

أحمد غونش (34 عاماً) الكردي التركي، الذي اعتاد زيارة أنطاكية، من مدينته أورفا، لبيع الماشية قال: «من المؤلم رؤية شارع الاستقلال في هذه الحال. إنه مكان مثالي. أتمنى لو كان الزلزال قد ضرب مدينتي بدلاً من هذا المكان».

حجم الكارثة يعكسه قول عيسى سولماز (51 عاماً): «يشبه الأمر فقدان الذاكرة. لم نفقد مجرد مدينة هنا. بل فقدنا تاريخاً كاملاً، وفقدنا حضارة».

لم يكن سكان أنطاكية ليصدقوا أنهم سيضطرون للعيش بهذه الطريقة قبل بضعة أيام، أو أنهم سيعتبرون أي مدينةٍ أخرى وطناً لهم. لكنهم وجدوا أنفسهم يخططون للرحيل اليوم، حيث قال إبراهيم قايا (55 عاماً)، الذي كان يحتمي بسوق الخضار مع أقاربه: «انتهى أمر هاتاي».