بمجرد معرفة أن فيلم "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" All Quiet on the Western Front للمخرج إدوارد بيرغر، المقتبس عن رواية بالاسم نفسه للكاتب الألماني إريك ماريا ريمارك، بات مُرشحاً لتسع جوائز أوسكار منها: أفضل فيلم، وأفضل فيلم عالمي، وأفضل سيناريو مقتبس، وأفضل تصوير سينمائي، وأفضل مؤثرات بصرية، وأفضل موسيقى تصويرية، فهذا يدفع لمشاهدته بتمعُّن، خاصةً أنه ليس الاقتباس السينمائي الأول عن الرواية، بل سبقه فيلم بتوقيع المخرج لويس مايلستون عام 1930، والثاني فيلم تلفزيوني سنة 1979 من إخراج ديلبرت مان.
التحدي الأكبر لبيرغر ولشركة نتفليكس المنتجة من خلفه، كان مداورة الزمن السينمائي لرواية ريمارك، بعد 92 عاماً على صدور الفيلم الأول الذي وصفه ستيفن سبيلبرغ بالمُلْهِم، وتالياً القدرة على الحديث عن الحرب العالمية الأولى وكسب التعاطف مع جمهور يكره تلك الذكريات التي قرأ عنها أو سمعها من أجداده، بكامل العنف الكامن فيها، والوحشية الهائلة، والعبثية المُضنية للكائن البشري.
الاقتباس السينمائي الأخير، الذي عُرض في منتدى آفاق التنموي بمدينة جرمانا السورية، آثر العودة إلى جنسية الرواية الألمانية، وابتكر شخصيات وأحداثا جديدة، وأزال بعضها؛ بغية الوصول إلى التعبير عن روح الرواية الأصلية أكثر من الاقتباسين الإنكليزيين السابقين، وهو ما تحقق بشهادة العديد من النقاد السينمائيين، الذين أشادوا بالفيلم معتبرينه عملاً ناجحاً مناهضاً للحرب.
يركز الفيلم على قضية الجيل الضائع في متاهات السياسة وأحابيلها، وما تجرُّه من خراب عميم.
يحكي الفيلم قصة مجموعة من الشباب تركوا دراستهم والتحقوا بجبهات القتال بتشجيع من مُعلِّمهم المتحمِّس للقومية الألمانية، ومنهم بول بومر (جسّده الممثل فيليكس كاميرر) الذي يخوض الحرب بحماسة وبشكل يتسم بالبراءة، إذ كان يشعر أنه سيكون بطلاً، لكنه سرعان ما أدرك أن كل المُثل العليا، وجميع ما تعلمه عندما كان طفلاً في ألمانيا، لا يساوي شيئاً.
بومر مع مرور الزمن يصبح أكثر وحشية، إذ يتحول من مجند متحمس جديد العهد بساحات القتال إلى جندي مصاب بـ"اضطرابات ما بعد الصدمة" بسبب الحرب وأهوالها..
وهنا يُصوِّر الفيلم بجماليات عالية الصراعات الداخلية التي عانى منها بومر في خساراته الفادحة لأصدقائه الذين يسقطون في ساحات الحرب الواحد بعد الآخر، وفي علاقته مع المجندين الفرنسيين الخاضعين للشروط والدوافع والمخاوف ذاتها.
وبين الموت المديد، والفواجع المتتالية، والأعضاء المبتورة، والأجساد المُخترَقة بالحِراب والرصاص، والدَّم والوحل، والجوع والألم، يصبح بومر- على الرغم من ازدياد بأسه بعدما صقلته الحرب- في مواجهة مباشرة مع شيء واحد هو الكراهية غير المبررة، التي توصله في النهاية إلى طعنة بحربة من الخَلف، بعد صراع شديد مع أحد الجنود الفرنسيين، قبل دقيقة واحدة من إعلان الهدنة عند الساعة الحادية عشرة من تاريخ 11/11/1918..
بهذا المعنى يُركِّز الفيلم على قضية الجيل الضائع في متاهات السياسة وأحابيلها، وما تجرُّه من خراب عميم، حيث إن الفيلم كان أميناً لما جاء في مقدمة رواية ريمارك "سنحاول ببساطة الحديث عن جيل من الرجال، على الرغم من أنهم ربما نجوا من القذائف، فقد دمرتهم الحرب".
ومن الشخصيات الجديدة في فيلم بيرغر شخصية السياسي ماتياس إرزبيرغر (دانيال برول) الذي وقع اتفاقية الهدنة بين ألمانيا وقوات الحلفاء بعد تنازل الإمبراطور الألماني عن العرش عام 1918، واستخدم ككبش فداء من قبل الجيش وتم اتهامه بعدها بأنه السبب الرئيس وراء خسارة الحرب.
ومن خلال تلك الشخصية وبعض الأحداث الجديدة، استطاع المخرج تسليط الضوء على السخافة البيروقراطية للحرب، حيث تحدد نخبة من البيروقراطيين والقادة العسكريين المولعين بالحرب مصير عدد لا يحصى من الجنود في ساحات القتال بينما هم يجلسون في مكاتبهم.
وتتتبَّع كاميرا بيرغر مَشاهِد الحرب وانفجارات الرؤوس بالرصاص وصَليات الحراب، نأمات الجنود ولُهاث خوفهم وزئير جوعهم، ويُركِّز على ملامح الوجوه الملطَّخة بالوحل والدماء، وعلى نظرات العيون بعجزها وقوَّتها، وعلى أصوات الممثلين المتغيرة مع اهتزازات مشاعرهم، بما يشعر المشاهد بأنه أمام مذبحة كاملة الأركان بكل ما فيها من وحشية وعبثية ودمار نفسي يوصلك إلى دوامة من الكوابيس.
كما يصف الفيلم الكبرياء الألماني الزائف، ومن ذلك طلب قائد الجيش من مجنديه العودة إلى ساحة القتال بعد غضبه من رفض المارشال الفرنسي فرديناند فوش منح أي تنازلات للألمان، فيطلب من قواته المُنهكة خوض معركة أخيرة لإنقاذ شرف الوطن، قبل بدء سريان الهدنة، وهنا تكون نهاية بومر، وختام الفيلم الذي يُبيّن عبثية حرب الخنادق التي أزهقت ثلاثة ملايين من الأرواح من دون أن يتحرك خط الجبهة الغربية.
التحدي الأكبر لبيرغر ولشركة نتفليكس المنتجة من خلفه، كان مداورة الزمن السينمائي لرواية ريمارك، بعد 92 عاماً على صدور الفيلم الأول الذي وصفه ستيفن سبيلبرغ بالمُلْهِم، وتالياً القدرة على الحديث عن الحرب العالمية الأولى وكسب التعاطف مع جمهور يكره تلك الذكريات التي قرأ عنها أو سمعها من أجداده، بكامل العنف الكامن فيها، والوحشية الهائلة، والعبثية المُضنية للكائن البشري.
الاقتباس السينمائي الأخير، الذي عُرض في منتدى آفاق التنموي بمدينة جرمانا السورية، آثر العودة إلى جنسية الرواية الألمانية، وابتكر شخصيات وأحداثا جديدة، وأزال بعضها؛ بغية الوصول إلى التعبير عن روح الرواية الأصلية أكثر من الاقتباسين الإنكليزيين السابقين، وهو ما تحقق بشهادة العديد من النقاد السينمائيين، الذين أشادوا بالفيلم معتبرينه عملاً ناجحاً مناهضاً للحرب.
يركز الفيلم على قضية الجيل الضائع في متاهات السياسة وأحابيلها، وما تجرُّه من خراب عميم.
يحكي الفيلم قصة مجموعة من الشباب تركوا دراستهم والتحقوا بجبهات القتال بتشجيع من مُعلِّمهم المتحمِّس للقومية الألمانية، ومنهم بول بومر (جسّده الممثل فيليكس كاميرر) الذي يخوض الحرب بحماسة وبشكل يتسم بالبراءة، إذ كان يشعر أنه سيكون بطلاً، لكنه سرعان ما أدرك أن كل المُثل العليا، وجميع ما تعلمه عندما كان طفلاً في ألمانيا، لا يساوي شيئاً.
بومر مع مرور الزمن يصبح أكثر وحشية، إذ يتحول من مجند متحمس جديد العهد بساحات القتال إلى جندي مصاب بـ"اضطرابات ما بعد الصدمة" بسبب الحرب وأهوالها..
وهنا يُصوِّر الفيلم بجماليات عالية الصراعات الداخلية التي عانى منها بومر في خساراته الفادحة لأصدقائه الذين يسقطون في ساحات الحرب الواحد بعد الآخر، وفي علاقته مع المجندين الفرنسيين الخاضعين للشروط والدوافع والمخاوف ذاتها.
وبين الموت المديد، والفواجع المتتالية، والأعضاء المبتورة، والأجساد المُخترَقة بالحِراب والرصاص، والدَّم والوحل، والجوع والألم، يصبح بومر- على الرغم من ازدياد بأسه بعدما صقلته الحرب- في مواجهة مباشرة مع شيء واحد هو الكراهية غير المبررة، التي توصله في النهاية إلى طعنة بحربة من الخَلف، بعد صراع شديد مع أحد الجنود الفرنسيين، قبل دقيقة واحدة من إعلان الهدنة عند الساعة الحادية عشرة من تاريخ 11/11/1918..
بهذا المعنى يُركِّز الفيلم على قضية الجيل الضائع في متاهات السياسة وأحابيلها، وما تجرُّه من خراب عميم، حيث إن الفيلم كان أميناً لما جاء في مقدمة رواية ريمارك "سنحاول ببساطة الحديث عن جيل من الرجال، على الرغم من أنهم ربما نجوا من القذائف، فقد دمرتهم الحرب".
ومن الشخصيات الجديدة في فيلم بيرغر شخصية السياسي ماتياس إرزبيرغر (دانيال برول) الذي وقع اتفاقية الهدنة بين ألمانيا وقوات الحلفاء بعد تنازل الإمبراطور الألماني عن العرش عام 1918، واستخدم ككبش فداء من قبل الجيش وتم اتهامه بعدها بأنه السبب الرئيس وراء خسارة الحرب.
ومن خلال تلك الشخصية وبعض الأحداث الجديدة، استطاع المخرج تسليط الضوء على السخافة البيروقراطية للحرب، حيث تحدد نخبة من البيروقراطيين والقادة العسكريين المولعين بالحرب مصير عدد لا يحصى من الجنود في ساحات القتال بينما هم يجلسون في مكاتبهم.
وتتتبَّع كاميرا بيرغر مَشاهِد الحرب وانفجارات الرؤوس بالرصاص وصَليات الحراب، نأمات الجنود ولُهاث خوفهم وزئير جوعهم، ويُركِّز على ملامح الوجوه الملطَّخة بالوحل والدماء، وعلى نظرات العيون بعجزها وقوَّتها، وعلى أصوات الممثلين المتغيرة مع اهتزازات مشاعرهم، بما يشعر المشاهد بأنه أمام مذبحة كاملة الأركان بكل ما فيها من وحشية وعبثية ودمار نفسي يوصلك إلى دوامة من الكوابيس.
كما يصف الفيلم الكبرياء الألماني الزائف، ومن ذلك طلب قائد الجيش من مجنديه العودة إلى ساحة القتال بعد غضبه من رفض المارشال الفرنسي فرديناند فوش منح أي تنازلات للألمان، فيطلب من قواته المُنهكة خوض معركة أخيرة لإنقاذ شرف الوطن، قبل بدء سريان الهدنة، وهنا تكون نهاية بومر، وختام الفيلم الذي يُبيّن عبثية حرب الخنادق التي أزهقت ثلاثة ملايين من الأرواح من دون أن يتحرك خط الجبهة الغربية.