العين الاخباريةمن غرائب التاريخ أن تمنحك الحياة فرصة النجاة ثم تدفعك الصدفة للهاوية، وكأن خط النهاية يلف حول عنق المرء خناقه الأخير والمحتوم.
لحظة فارقة اختزلت عام 1914، انتهت فيها حياة ولي العهد النمساوي الأرشيدوق فرانس فرديناند، وبدأت فيها حرب عالمية دامية طحنت البشرية، وأعادت تشكيل الخارطة الكونية.
حدث ذلك وسط مدينة سراييفو صبيحة 28 يونيو/ حزيران من العام المذكور، حيث استهدف وريث إمبراطورية النمسا والمجر بإطلاق نار بصحبة زوجته عندما مر صدفة بجانب محل لبيع الشطائر.
اللافت أن مروره ذاك وضعه وجها لوجه مع مجموعة حاولت قتله سابقا بقنبلة أصابت سيارة أخرى كانت بجانب سيارته.
فعندما استدار موكب ولي العهد عائدا إلى القصر، كان في انتظاره الفتى كافريلو برنسيب، فأودع رصاصة في عنق الأمير وأخرى في خصر زوجته الدوقة صوفي شوتيك، لتنتهي قصتهما وتبدأ محنة البشرية.
الشطيرة القاتلة
كان يوما عصيبا ذاك الذي تعرض فيه الأمير لمحاولة الاغتيال بقنبلة، لكن وقع الفشل كان صادما بالنسبة للقتلة الذين تملكهم الغضب لإخفاقهم بمهمتهم.
وفي طريق عودتهم، تملك أحدهم الجوع، فطلب من رفاقه التوقف لدقائق للحصول على شطيرة في محل.
في الأثناء، كانت عربة الأمير تتجه بدورها عائدة إلى القصر، لكن لسوء حظ الأرشيدوق، اتخذ سائقه منعطفا خاطئا ومر بجوار المحل حيث توقف المهاجم لتناول الشطيرة.
ولما رآه المهاجم، لم يصدق عينيه، لكنه تمالك نفسه في لمح البصر، وأطلق النار عليه وعلى زوجته، في حدث مفصلي يقال إنه كان نقطة انطلاق الحرب العالمية الأولى.
فرانز فرديناند
ولد في 18 ديسمبر/كانون الأول 1863 بمدينة غراز (شمالي النمسا)، وكان والده كارل لودفيج هو الأخ الأصغر لإمبراطور المجر والنمسا فرانز جوزيف.
ومنذ شبابه الأول، بدا أن القدر يخدم مستقبله، وأن الظروف تتهيأ تلقائيا لتتويجه بالعرش؛ ففي عام 1896 انتحر ابن الإمبراطور الذي كان وليا للعهد.
ولاحقا، تمت ترقية أخ الإمبراطور ووالد فرديناند لمنصب ولي العهد، لكنه توفي عام 1889 جراء إصابته بحمى التيفود، ومنذ ذلك التاريخ بدأ إعداد فرانز فرديناند للعرش.
كانت ملامحه توحي بالهدوء، لكنه كان سليط اللسان وسريع الغضب، وبعد أن فاز بمعركة الزواج من صوفي، كان عليه التحرك لمنع تفكك إمبراطورية النمسا والمجر.
في 28 يونيو/ حزيران 1914، حضر فرانز فرديناند للمشاركة في مناورات عسكرية بسراييفو، وبينما كان موكبه يسير وسط المدينة اعترضه فتية من حركة "اليد السوداء" فأمطروه بالقذائف.
أخطأ المهاجمون هدفهم وأصابوا عربة غير تلك التي كان يستقلها الأمير وزوجته، وعندما بدا أن خطة الاغتيال فشلت صرخ بأعلى صوته: أتستقبلون ضيوفكم بالقذائف؟
لكن وريث إمبراطورية النمسا لم يعمر طويلا بعد تلك اللحظة، فعندما استدار الموكب عائدا إلى القصر، كانت بانتظاره رصاصة استقرت في عنقه وأخرى بخاصرة صوفي.