سكاي نيوز عربية

يحتفل العالم العربي والإسلامي بحلول عيد الفطر المبارك في ظروفٍ اقتصادية صعبة، تبرز ضرورة استغلال الطقس الاجتماعي المعروف بين العائلات والأسر بـ"العيدية" في هذه المناسبة لتعليم الأطفال الصِغار الادخار، وأهمية الإدارة المالية منذ الصِغر، وأوجه إنفاقها فيما هو مفيد.

وتُقدّم العيدية- في غالب الأمر- كمبلغ مادي للأطفال يوم العيد، وفي بعض الأحيان تُقدّم على هيئة لعب أطفال، وتعتبر مناسبة للتعبير عن مشاعر المحبة والتواصل بين الأسر وبعضها البعض، وإدخال الفرح والسرور على قلوب الأطفال.

ويعتبر العيد بالنسبة للأطفال فرصة ذهبية لجمع العيدية والتفاخر بين بعضهم البعض بما جمعوا، وما سيشترون لأنفسهم، وهي فرصة ذهبية أيضاً للأهل لتعليم أطفالهم قيمة المال وكيفية إدارته، وتحديد الأولويات وأهمية وطرق الادخار.

الادخّار في الظروف الصعبة

يقول الخبير الاقتصادي المصري، سيد خضر، إنّ عيد الفطر المبارك يأتي هذا العام في ظلّ تأثير الظروف الاقتصادية على كثير من الأسر، وهو ما يدفع الجميع لمحاولة تحقيق توازن بين المدخلات والمصروفات، ومن ثمّ تعليم الأبناء كيفية الادخّار في الأوقات الصعبة.

ويشير في تصريحات خاصّة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنَّ "الادخّار في ظل هذه الظروف يكون صعبًا بعض الشيء، نظراً لأنّ مستوى دخل الفرد بالكاد يغطّي تكاليف المعيشة، أو حتى تكاليف شراء المستلزمات الأساسية".

ويضيف الخبير الاقتصادي: "لكن لابدّ للوالدين الحديث مع أطفالهما عن كيف تأتي الأموال، والتركيز على إدارة أموالهم كمهارة حياتية، والتذكير دائماً بأنّه في حالة تلّقي أي مبلغ من المال؛ لابدّ من ادخّار جزء منه".

ويوضّح أنّ "الادخّار فكرة هامّة من مبادئ الاقتصاد، ويستفيد الطفل في المستقبل بشكل كبير، وتعود عليه بالنفع في إدارة أموره المالية منذ الصِغر".

ويؤكّد الخبير الاقتصادي في الوقت ذاته أنّ "العيدية تعتبر من مصادر الدخل بالنسبة للطفل، لذلك فعلى ربّ الأسرة تعليم الطفل كيفية ادخّارها من طرق عدّة، كالعادة المصرية القديمة الحصّالة على سبيل المثال".

ويضيف: "تعتبر الحصّالة (صندوق أو علبة مغلقة لوضع المدخرات عبر منفذ خاص) فكرة جيّدة لتعليم الأطفال إدارة أمورهم المالية منذ الصِغر، وعدم الإنفاق بإسراف وبذخ، وإنما في حدود المعقول والمُتاح".

الحصّالة

وإلى ذلك، يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، جمال أبو شنب، إنّ "العيدية مرتبطة بالعادات والتقاليد لدى المسلمين جميعاً في الأعياد، وهي فكرة تروق للأطفال الصِغار بشكل إيجابي، والذين يبدأون إدراك مفهوم العيدية عند دخول المدرسة".

ويضيف في تصريحات خاصّة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "السنّ المناسبة لإعطاء العيدية هي سن الست سنوات، لكنّ الطفل يُنفق مبلغ العيدية بشكل تلقائي على الحلوى والمأكولات والألعاب وغير ذلك من منتجات تمنحه السعادة والسرور".

ويستطرد أستاذ علم الاجتماع حديثه مؤكدًا على:

ضرورة حديث الوالدين إلى طفلهما عن أهميّة "العيدية" واستغلالها بشكل إيجابي.

تعليمه الادخار من خلال "الحصّالة" كبداية لفهمه أهميّة الإدخار والبناء على مبلغ العيدية البسيط لادخّار أموال أكثر.

ضرورة تعليم الطفل الاقتصاد في إنفاق أموال "الحصّالة" وشراء ما يحتاجه فقط.

الأسر المصرية تعلّم أبناءها فتح الحصّالة بوقت زمني معين.

توجيه الطفل لشراء أشياء قيّمة ليست ذات سعر عالي باستغلال مدخراته.

مع مرور الوقت يصبح الأمر عادة ترسّخت في ذهن الطفل بالتكرار.

هذه العادة تُعلّمه فيما بعد عند الكبر كيفية التصرُّف وإدارة أمواله بشكل إيجابي وشرائه ما يحتاجه فقط وهو ما يُسمى بـ"إدارة الادخّار".

مع إقدام الشابّ على الزواج وترسّخ تلك العادة بذهنه يكون قادراً على إدارة أمواله وشراء متطلبات الأسرة والأولاد بشكل اقتصادي دون سفه أو إسراف.

يصبح الادخّار عادة إيجابية.. وليس الهدف هو إدارة "العيدية"، ولكن إنفاقها بشكل إيجابي.

الأسرة كمؤسسة

وتكاد تكون الأسرة في إدارة الموارد المالية أشبه بالمؤسسة المُصغّرة، التي تستهدف تحقيق التوازن بين احتياجاتها ومواردها من حيث المصروفات وحجم الدخل، وهو ما ينتقل بالتبعية سواء إيجاباً أو سلبًا لوعي الأطفال.

وفي هذا السياق؛ يقول استشاري التطوير المؤسسي، هيثم البشلاوي، في تصريحات خاصّة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنّ: "الإدارة المالية للأسرة تنعكس على استيعاب الطفل سواء في المصاريف الروتينية اليومية، أو خلال المناسبات والأعياد".

ويضيف:

ثقافة الادخّار والاستثمار غائبة نسبيّاً عن ذهن إدارة الموارد المالية للأسرة المصرية والعربية.

لتفعيل تلك الثقافة يجب برمجة ذهن الطفل على المسؤولية عن نفقاته وفق دخله الممنوح من الأسرة وتحفيز رب الأسرة لهذا الاتجاه والسلوك، وتعليمه الادخّار عبر التجربة لتحقيق متطلباته.

بعد ذلك يمكن الانتقال لمفهوم الاستثمار التحفيزي عبر تشجيع الطفل للبدء في الاستثمار بنشاط محدود على مستوى الأسرة.

تعتبر السن المناسبة التي يتعين فيها البدء في تعليم الأبناء الادخّار هي سن الإدراك وإدخال ثقافة إدارة الموارد تدريجيًّا حتى بلوغ سن تحمل المسؤولية منفردًا.

يمكن تعليم الأبناء "المبادئ العامة للاقتصاد" من خلال فكرة الادّخار والإدارة المالية عبر المشاركة المجتمعية في الأنشطة ذات العائد المعنوي كمُحرِّك للادخار وليس العامل المادي المجرد حتى لا تتمكن الأنانية المادية من الطفل.

يُفضل أن تتبنى المنظومة التعليمية أيضًا اتجاه الوعي لتشكيل ثقافة الادخّار والاستثمار لدى الأطفال.

ينبغي تدخُّل الأسرة بشكل غير مباشر لتوجيه أولويات صرف "العيدية" تدريجيًّا من الطفولة دون فرض الوصاية وتركه يتحمل مسؤولية اختيارات الإنفاق حتى الوصول لدرجة الاتزان في إدارة موارده المالية.

ختاماً تعزيز ثقافة الاستثمار في الأجيال المقبلة سينعكس بالضرورة على رأس المال البشري للدول وقدرته على التنافسية الاقتصادية ومدى استعداده للتكيُّف مع المتغيرات والأزمات الاقتصادية.