لاحظ شونساك ساغامي وجود مشكلة متزايدة في اليابان وهي عدم تمتعها بعدد كبير من رواد الأعمال الشباب المنتظر إدارتهم للأعمال التجارية مستقبلاً، وذلك وسط معاناتها من أعلى معدل شيخوخة للسكان حول العالم. كان الحل الذي قدمه الشاب البالغ من العمر 32 عاماً، هو استخدام قاعدة بيانات خاصة وذكاء اصطناعي للتوسط في صفقات للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي أسس معظمها عملاء باتوا الآن على وشك التقاعد.صعدت أسهم شركته “إم أند إيه ريسيرش إنستيتيوت هولدينغز” (M&A Research Institute Holdings) بنحو سبعة أضعاف منذ إدراجها في بورصة طوكيو خلال يونيو الماضي، مما رفع ثروة “ساغامي” إلى قرابة 950 مليون دولار، وفقاً لمؤشر “بلومبرغ” للمليارديرات.حسبما يروي الشاب الثلاثيني فهو مدين بفكرة مشروعه لجده، الذي كرس حياته لإدارة وكالة عقارية صغيرة في مسقط رأسه بمدينة أوساكا. لكنه لم يستطع العثور على خليفة له في هذه الوكالة، مما اضطره إلى إغلاقها عندما تقاعد في الثمانينيات من عمره.ضياع الإرثيتذكر “ساغامي” الأمر في مقابلة أجريت معه مؤخراً ويقول: “في مكتب جدي كان هناك تراخيص لوكلاء عقارات معلقة على الحائط. ورؤية هذه التراخيص أثناء إنزالها وإلقائها بعيداً كان أمراً محزناً”.أشارت “إم أند إيه ريسيرش” في أبريل الماضي إلى أن 620 ألف شركة مُربحة في اليابان من المتوقع أن تتعرض لخطر الإغلاق بسبب عدم وجود خلفاء للمديرين في المناصب العليا، وتقدّر الحكومة أنه بحلول 2025 سيكون هناك 2.5 مليون شركة صغيرة ومتوسطة الحجم يمتلكها أشخاص تزيد أعمارهم عن 70 عاماً. وما يقرب من نصفهم ليس لديهم خطة جاهزة لإدارتها من بعدهم، ما قد يؤدي بدوره إلى إغلاق الشركات وفقدان 6.5 مليون وظيفة، مع خسارة 22 تريليون ين (162 مليار دولار) من الناتج المحلي الإجمالي.قال تيم مورس، مدير شركة “أسميترك أدفيزورز” (Asymmetric Advisors)، التي تقدم توصيات بشأن الأسهم اليابانية: “هناك عدد كبير من الشركات الصغيرة تتبع لمؤسسين متقدمين في السن وليس لديهم خليفة واضح في المنصب، وأصبحوا منفتحين بشكل متزايد على بيع أعمالهم. ورغم أن بيع الشركات كان أمراً منبوذاً مجتمعياً من قبل، لكن هذا يتغير الآن”.منذ تأسيس شركة “ساغامي” قبل خمس سنوات نمت بقوة وأصبحت تُشغل أكثر من 160 موظفاً، بما في ذلك نحو 115 مستشاراً، كما تشرف على 500 صفقة قيد التنفيذ، وأتمت 62 صفقة في الأشهر الستة الممتدة حتى مارس الماضي، ارتفاعاً من 26 في نفس الفترة من 2022، مع زيادة المبيعات بأكثر من الضعف إلى 3.9 مليار ين، بينما بلغت في السنة المنتهية في سبتمبر 2020 نحو 376 مليون ين فقط.النجاح الكبير في شركة “ألباكا”“ساغامي”، الذي درس علم الأحياء والزراعة في جامعة كوبي، عُرف منذ وقت مبكر أنه يريد بناء مشروعه التجاري الخاص. ولصقل مهاراته في مجالات مختلفة، عمل كمصمم ومطور برامج ومسؤول تسويق، كما حاول أيضاً إنشاء شركة للتجارة الإلكترونية، وأخرى للدروس الخصوصية قبل أن يحقق أول نجاح كبير له في 2016 عندما افتتح مؤسسة لأزياء ومكياج للسيدات أطلق عليها اسم “ألباكا”، تيمناً بحيوان يعيش في أميركا الجنوبية معروف بإنتاج الصوف عالي الجودة. وكان عمره 25 عاماً فقط عندما حقق هذا النجاح.قال “ساغامي”، الذي يمتلك 72% من أسهم الشركة: “كنت دائماً أستمع إلى جدي وهو يخبرني بقصص حول كيفية أن أكون ناجحاً كرائد أعمال عندما كنت صبياً. وقال لي: لنفترض أن لديك تذكرة يانصيب احتمالات فوزها 1% لكنها مع ذلك فوز فرصة مؤكدة. فحتى لو فشلت 99 مرة؛ ستفوز بها في المرة الـ100. فقط حافظ على إصرارك حتى تنجح”.اشترت شركة “فيكتور” (Vector) للعلاقات العامة “ألباكا” في 2017، لكن “ساغامي” وجد عملية البيع طويلة وغير فعالة، لذلك توصل إلى خوارزمية ذكاء اصطناعي من شأنها أن تطابق المشترين مع البائعين، وتُبسّط العديد من الخطوات الإدارية والأعمال الورقية، واستوحى الفكرة من شركة “كينس” (Keyence) اليابانية المصنعة لآلات الأتمتة.طريقة جديدة في إتمام الصفقاتعلى عكس شركات استشارات الاندماج والاستحواذ التي تعتمد غالباً على البنوك الإقليمية لتقديم العروض والتنافس مع بعضها البعض على الصفقات، تستخدم “إم أند إيه ريسيرش” قاعدة البيانات الشاملة التي أنشأتها لإجراء المطابقة، مع التركيز على الشركات التي تصل مبيعاتها إلى 500 مليون ين. ثم يُجري مستشاروها المفاوضات، ويمكن إتمام الاتفاقية في غضون ستة أشهر، أي أقصر من الإطار الزمني المعتاد لإتمام صفقات الاستحواذ حتى في حالة عدم وجود عقبات تنظيمية.تفرض الشركة رسوماً على عملائها فقط عند إتمام الصفقة، ويمكن أن تصل إلى 5% للصفقات التي تبلغ 500 مليون ين أو أقل. وبلغ متوسطها 60 مليون ين لكل عملية بيع في الربع الأخير.ورغم أن الاحتفاظ بالموظفين الأكفاء عادة ما يكون صعباً في القطاع، يقول تيم مورس من “أسميترك أدفيزورز” إن شركة “ساغامي” يمكن أن تستفيد من انسحاب الشركة المنافسة الأساسية لها من السوق، والتي تُدعى “نيهون إم أند إيه سنتر هولدينغز” (Nihon M&A Center Holdings)، التي أعلنت عن خضوعها لتحقيق محاسبي في أواخر 2021. ومنذ ذلك الحين قالت إنها ستحدد قواعد امتثال جديدة، لكن أسهمها ما تزال منخفضة بنسبة 73% من أعلى مستوى لها في 2021.اختتم “ساغامي”: “أريد أن أصل لأهداف أعلى.. وأتمنى أن تنمو شركتنا أكثر، وأن تكمل مزيداً من الصفقات، وإذا أدى ذلك إلى رسملة سوقية أكبر؛ سيكون لذلك تأثير هائل”.