جيش يقاتل بعضه، والخصم يحقق انتصارا دون أن يفقد جنديا واحدا ما دفع محللين لوصفها بـ"أغبى معركة في التاريخ".

وقعت المعركة في ليلة 21-22 سبتمبر/أيلول 1788 في رومانيا، وسُميت معركة كارانسيبيس. كان المفترض أن تكون بين الجيش العثماني والجيش النمساوي، لكن الذي حدث هو أن المعركة دارت رحاها بين ألوية الجيش النمساوي.

كيف حدثت المعركة؟

في أوائل عام 1788 احتل الجيش العثماني، بعد خسارته عددا كبيرا من قواته، منطقة فيتيراني هول، وهي ممر بالغ الأهمية على مجرى نهر الدانوب، تبعد نحو 150 كيلومترًا من بلغراد. يشكل النهر هنا الحدود بين رومانيا في الشمال وصربيا في الجنوب. أثار ذلك النصر مخاوف الإمبراطور النمساوي جوزيف الثاني لأنه يهدد مؤخرة جيشه في المجر. ومع سيطرة العثمانيين عليه بات بمقدورهم عبور النهر إلى رومانيا والتوجه نحو المجر.

وفي مسعى لاستعادة المنطقة، جمع الإمبراطور جوزيف الثاني جيشًا كبيرًا من مائة ألف رجل يتكون من جنسيات مختلفة تضم النمساوية والألمانية والتشيكية والصربية والفرنسية والكرواتية والإيطالية والبولندية والسلوفاكية، وجميعهم يتحدثون لغاتهم الخاصة.

كان الإمبراطور قد خيم في منطقة كارانسيبيس في رومانيا، بين سلوتا وسلاتينا مع 100 ألف جندي من جنوده وأرسل كتيبة من الفرسان للبحث عن موقع تخييم أفضل، لكن الكتيبة صادفت مجموعة من الغجر يحملون شحنة من براميل النبيذ.

كان الجنود الذين أنهكتهم الحرب يرغبون في الاسترخاء قبل المعركة المتوقعة في اليوم التالي. وقاموا بأخذ المشروب عنوة من الغجر وبدأوا في الشرب.



وبعد قليل جاءت مجموعة من المشاة النمساويين للانضمام لهم ويبدوا أنهم كانوا على علم بهذا الموقع من قبل. أصبح الفرسان في حالة سكر ورفضوا أن ينضم المشاة إليهم في شرب النبيذ، ليندلع خلاف بين الفريقين سرعان ما تحول إلى معركة بالأيدي.

وفي سكون الليل، انطلقت رصاصة، فصاح المشاة أنهم يتعرضون لهجوم عثماني! فاعتقدت فرقة الفرسان السكارى أن الأتراك جاءوا من خلفهم ففروا إلى الكتائب المتقدمة من الجيش بهلع، فظنت هذه الكتائب المتقدمة بدورهم أن العثمانيين هجموا! فبدأت كتائب المقدمة هذه في الهروب ناحية المعسكر الرئيسي.

ونظرا لأن الجيش النمساوي به جنود كثيرون يتحدثون الألمانية والصربية والكرواتية ولغات عديدة، فقد كان كل منهم يصيح بلغه مختلفة، وظن المعسكر أن هؤلاء هم الأتراك يعصفون بالمعسكر ففتحوا النيران ونشب القتال وبدأ الجيش النمساوي يقتل بعضه بعضا وعمت الفوضى، وما لبث أن هزم الجيش النمساوي نفسه.

ولما رأى بعض الضباط أن الوضع كان يخرج عن نطاق السيطرة، صرخوا باللغة الألمانية "هالتين، هالتين". اعتقد الجنود الذين لا يفهمون اللغة الألمانية أنهم سمعوا صرخات العثمانيين: "الله، الله". ليزداد الخوف والارتباك بين صفوف قوات الجيش.

انطلق الفرسان السكارى المذعورون، إلى المعسكر الإمبراطوري، تبعهم المشاة، وسط طلقات النار والصراخ الذي اعتقد الكثيرون أنهم العثمانيون.

دب الهلع في صفوف قادة المعسكر الإمبراطوري وجعل الأحصنة تضطرب لتحطم السياج وتنطلق هاربة مصدرة صوتا يشبه هجوم فرقة خيالة، ما دفع قائد الجيش يوجه أمرا للمدفعية بإطلاق النيران فسقط مزيد من القتلى، وتعالت الصرخات بين الجنود "الأتراك.. الأتراك، أنج بنفسك!.. لقد ضاع كل شيء!”.

بعد يومين من الكارثة، تم إحصاء أكثر من 10 آلاف قتيل من الجيش وآلاف الجرحى وعتاد ضخم مرمي في كارانسيبيس.. كل ذلك فقط بسبب الخوف وبرميل خمر.