ينعم الفرنسيون بتنمية أفضل مقارنة بالكثير من دول العالم، لكنهم يوصفون رغم ذلك بـ"الشعب الأكثر تأففا وتذمرا"، وسط كثرة احتجاتهم وإعرابهم عن الغضب.تساءلت صحيفة "لوبوان" في تقرير لها عن أسباب التذمر المنتشر بين الفرنسيين، رغم أن بلدهم يحظى بمزايا لافتة وحقق ناجاحات اقتصادية كبيرة، بحسب قولها.وقالت الصحيفة إن فرنسا التي تُصور في كثير من الأحيان على أنها في وضع تراجع، أظهر تقرير لمجلة "ذ إيكونميست"، البريطانية تحت عنوان "نجاحات فرنسا المخفية"، أن لديها معدل فقر أقل من متوسط جيرانها الأوروبيين (المملكة المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا).ويفيد التقرير بأن فرنسا تعمل على رفع مزيد من شركاتها إلى قائمة أعلى 100 شركة بحجم السوق المالية، كما أن لديها أسرع شبكة سكك حديدية، وإلى جانب ذلك، فنظامها لإنتاج الكهرباء يصدر أقل كميّة من الكربون.وتضيف الصحيفة أن مع كل ذلك، ما زال الفرنسيون يتصدرون قائمة الشعوب الأكثر تشاؤما على وجه الأرض، وفقا لدراسة نشرت في أواخر العام الماضي 2022، حيث تشير الدراسة إلى أن 83 في المئة من المستجوبين ليست لديهم ثقة في المستقبل، حتى أن نيجيريا والعراق والبلدان سجلت مستويات تفاؤل أعلى وسط شعوبها.وفي هذا الإطار، تقول الكاتبة الفرنسية من أصل بلجيكي، كاثرين فان أوفلين، إن الفرنسيين من أعلى برج إيفل لم يعودوا يرون عظمة بلادهم، فيما تثار مقولة مشهورة تُنسب للكاتب سيلفان تيسون "فرنسا جنة مأهولة بأشخاص يعتقدون أنفسهم في الجحيم".في غضون ذلك، يتحدث مستشار الاتصال السابق للرئيس فرانسوا هولاند، غاسبار غانتزر، عن سبب اعتقاد الفرنسيين أنهم في الجحيم، بالقول إن الفرنسيين يتصورون أنفسهم فقط كرقم 1، ومع ذلك، لم يعدوا كذلك. لا من الناحية الاقتصادية، ولا من الناحيتين الجيوسياسية والعسكرية."ويشير المحلل السياسي الشهير، جريوم فوركيه، إلى أن فرنسا لم تعد إلا القوة الاقتصادية العالمية السابعة، و إنها تتأرجح حاليا بين الفشل في منطقة الساحل، وهي مجال نفوذها التقليدية بإفريقيا، وبين التأثير المحدود في مجريات حرب أوكرانيا التي تدور في أوروبا نفسها.من جانبها، تقول الكاتبة كاثرين إن فرنسا قوة متوسطة، وهذا ليس سيئًا بالنسبة لبلد يمثل حوالي 1٪ فقط من سكان العالم!، "فرنسا بلدٌ طموح.إنها لا تكتفي بأن تكون متوسطة. الطموح يُدفع بالإحباط".ويقول المحلل السياسي، جيروم فوركين، إن الفرنسيين يتصرفون كأطفال مدللين، "لقد اعتدنا على العيش في مجتمع يتدخل فيه القطاع العام بشكل واسع، ففرنسا هي البلد الذي تكون فيه الرعاية الصحية والتعليم مجانيين، وفي حالات الاضطراب، هي أيضًا البلد الذي تقوم فيه الحكومة بتركيب جميع الوسائد الواقية. أثناء جائحة كوفيد-19، قامت الحكومة بجعل اختبارات الـPCR مجانية، بينما كانت مدفوعة في الكثير من الدول.وتقول كلوي مورين، المحللة السياسية، إن تحديق الفرنسيين في أنفسهم هو ربما مصدر هذت "البؤس"، "كم من الأشخاص الذين عاشوا في الخارج قالوا لي ذات يوم إن فرنسا جنة، أو هي تقريبًا كذلك".وتتابع: أزمة الطاقة هي أبرز مثال "على غرورنا الجماعي، لقد زادت أسعار الكهرباء إلى مستويات قياسية في عام 2022 في أوروبا، نتيجة للحرب في أوكرانيا، فرأى الرومانيون فواتيرهم ترتفع بنسبة 112٪، والتشيكيون بنسبة 97٪، والدنماركيون بنسبة 70٪. وفي فرنسا؟ تم السيطرة على الزيادة بنسبة 9٪".