إندبندنت عربية
تتفحص فاطمة حنبل وأصدقاؤها نقوشاً صخرية موجودة على قمة هضبة تطل على مدينة الرشيد التاريخية في وسط موريتانيا، الحاضرة التاريخية التي تأسست في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، تشتهر بجمال طبيعتها وغنى موروثها الأدبي والفني، وينحدر منها أشهر فناني الطرب الحساني من أمثال سيداتي ولد آبه ملحن النشيد الوطني غداة استقلال البلد عن المستعمر الفرنسي.
تقرأ فاطمة عبارات كتبها عاشق لمحبوبته، وعلى صخرة مجاورة هام ثان في حب فتاته، وكتب عبارة التوحيد بحروف ما زالت تقاوم عاديات الزمان.
نقوش يعتقد مهتمون بتراث المنطقة أنها كتبت إبان العصر الذهبي للرشيد، الحاضرة الثقافية التي سجلت انتعاشاً اقتصادياً قل نظيره في المدن الوسيطة بموريتانيا، قبل أن يدمرها المستعمر الفرنسي مطلع القرن العشرين بسبب مقاومة أهلها لمشروعه التوسعي، لكن نقوشها الصخرية ظلت شاهدة على نحو ثلاثة قرون من الحب والمقاومة والطرب.
بعيداً من الرقيب
تحولت نقوش الرشيد إلى محط اهتمام من قبل الباحثين الموريتانيين منذ بدايات عصر توثيق التاريخ المعاصر لبلادهم.
يقول محمد يسلم بب المهتم بتراث الرشيد الثقافي بالسياق التاريخي لهذه النقوش، في حديثه لـ"إندبندنت عربية"، "في مجتمعنا المحافظ كان تعبير الشباب عن مشاعرهم اتجاه محبوباتهم يعتبر من المحظورات في ثقافة مجتمع القرن الثامن عشر، فلجأوا إلى الصخور المحيطة بهذه الهضبة المطلة على سور مدينة الرشيد الشرقي لنقش أسماء من يحبون، هرباً من الرقيب الاجتماعي وتخليداً لقصص كتب لها أن تعيش أكثر من ما عاش أصحابها".
وتقول فاطمة، "فرضت القيود المجتمعية آنذاك على أجدادنا اكتشاف هذه الحيلة كنوع من البوح عن المشاعر وهرب ممنهج من سلطة رقيب لا يرضى بالتصريح ويعتبره وقاحة".
أما الباحث الاجتماعي محمد عبدالقدوس فيرى أن "مجتمعات الصحراء في القرن الثامن عشر كانت تحكمها قواعد اجتماعية صارمة، يصعب تجاوزها على أفراد مجتمعها، وهذا ما يفسر وجود هذه الكتابات التي قاومت الاندثار على رغم مرور قرابة ثلاثة قرون على كتابتها".
فناء وهيام
تتنوع موضوعات النقوش من ديني صوفي صرف إلى عبارات غزل عذري للمحبوبة. وهنا يقول محافظ تراث مدينة الرشيد القديمة، يوسف أج، إن "العبارات المنقوشة معظمها عبارات توحيد يوقعها أصحابها بأسمائهم، وهناك صخور أخرى نقش عليها أصحابها أسماء حبيبات آثرن أن يخلدن أسماءهن على حجر بعد أن فاضت عن قلوبهم".
وتظهر الكتابات مستويات عالية من التصوف لأصحابها، حيث تنتشر عبارات التوحيد وتعظيم الخالق. وبحسب محمد يسلم فإن "الحقبة التاريخية التي ظهرت فيها هذه النقوش تميزت باستقرار سياسي في هذا الحيز من موريتانيا قبل قدوم المستعمر الفرنسي، كما أن الإشعاع العلمي للرشيد في تلك الفترة ساعد في شيوع ثقافة صوفية كانت سمة لسكان هذه المدينة".
قصة نقش الحجارة على صخور مدينة الرشيد مصنفة كشواهد حية تؤرخ لعلاقات إنسانية للسكان المؤسسين للمدينة التي شهدت أوج ازدهارها في القرن السادس عشر ميلادي.
وتحكي النقوش التي ما زالت موجودة على صخور الرشيد التي تحف سور المدينة تراتيل متصوفة ورسائل حب وقصاصات بحروب تلك الأزمنة الغابرة.
مزار سياحي
وتتمتع مدينة الرشيد الواقعة في وسط موريتانيا بسمعة سياحية كبيرة بين الموريتانيين الذين تمثل آثارها الثقافية لمعظمهم حافزاً كبيراً لزيارتها.
واختتمت المدينة أمس الإثنين موسمها الثقافي الذي تنظمه في ذكرى تدميرها من طرف آلة المستعمر الفرنسي في عام 1908، حيث لم يبق من معالمها غير نقوشها الصخرية، وبعض الدور المحطمة.
وفي الطرف المقابل للمدينة القديمة المحطمة بنى أبناء الرشيد مدينة جديدة في ستينيات القرن الماضي. ويقول العمدة المساعد لبلدية الرشيد أحمد الكيحل، "إن آثار مدينتهم الثقافية بخاصة نقوشها الصخرية تحولت منذ سنوات إلى مزار سياحي للعديد من الباحثين وعشاق الكنوز الثقافية".
ويضيف العمدة "أسهمت تظاهرة أيام الرشيد الثقافية في ازدهار السياحة في المدينة، فقد استقبلنا في هذه النسخة مئات الزوار الذين وقفوا على هذه النقوش وأبدوا إعجابهم بها والتقطوا صوراً تذكارية قرب هذه الشواهد".
ويروي أحمد بلال وهو صاحب نزل في الرشيد "استقبلنا أكثر من عشرين سائحاً من مختلف مناطق موريتانيا، ونأمل في أن يستمر هذا النشاط السياحي للمدينة في الموسم السياحي الشتوي المقبل".
{{ article.visit_count }}
تتفحص فاطمة حنبل وأصدقاؤها نقوشاً صخرية موجودة على قمة هضبة تطل على مدينة الرشيد التاريخية في وسط موريتانيا، الحاضرة التاريخية التي تأسست في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، تشتهر بجمال طبيعتها وغنى موروثها الأدبي والفني، وينحدر منها أشهر فناني الطرب الحساني من أمثال سيداتي ولد آبه ملحن النشيد الوطني غداة استقلال البلد عن المستعمر الفرنسي.
تقرأ فاطمة عبارات كتبها عاشق لمحبوبته، وعلى صخرة مجاورة هام ثان في حب فتاته، وكتب عبارة التوحيد بحروف ما زالت تقاوم عاديات الزمان.
نقوش يعتقد مهتمون بتراث المنطقة أنها كتبت إبان العصر الذهبي للرشيد، الحاضرة الثقافية التي سجلت انتعاشاً اقتصادياً قل نظيره في المدن الوسيطة بموريتانيا، قبل أن يدمرها المستعمر الفرنسي مطلع القرن العشرين بسبب مقاومة أهلها لمشروعه التوسعي، لكن نقوشها الصخرية ظلت شاهدة على نحو ثلاثة قرون من الحب والمقاومة والطرب.
بعيداً من الرقيب
تحولت نقوش الرشيد إلى محط اهتمام من قبل الباحثين الموريتانيين منذ بدايات عصر توثيق التاريخ المعاصر لبلادهم.
يقول محمد يسلم بب المهتم بتراث الرشيد الثقافي بالسياق التاريخي لهذه النقوش، في حديثه لـ"إندبندنت عربية"، "في مجتمعنا المحافظ كان تعبير الشباب عن مشاعرهم اتجاه محبوباتهم يعتبر من المحظورات في ثقافة مجتمع القرن الثامن عشر، فلجأوا إلى الصخور المحيطة بهذه الهضبة المطلة على سور مدينة الرشيد الشرقي لنقش أسماء من يحبون، هرباً من الرقيب الاجتماعي وتخليداً لقصص كتب لها أن تعيش أكثر من ما عاش أصحابها".
وتقول فاطمة، "فرضت القيود المجتمعية آنذاك على أجدادنا اكتشاف هذه الحيلة كنوع من البوح عن المشاعر وهرب ممنهج من سلطة رقيب لا يرضى بالتصريح ويعتبره وقاحة".
أما الباحث الاجتماعي محمد عبدالقدوس فيرى أن "مجتمعات الصحراء في القرن الثامن عشر كانت تحكمها قواعد اجتماعية صارمة، يصعب تجاوزها على أفراد مجتمعها، وهذا ما يفسر وجود هذه الكتابات التي قاومت الاندثار على رغم مرور قرابة ثلاثة قرون على كتابتها".
فناء وهيام
تتنوع موضوعات النقوش من ديني صوفي صرف إلى عبارات غزل عذري للمحبوبة. وهنا يقول محافظ تراث مدينة الرشيد القديمة، يوسف أج، إن "العبارات المنقوشة معظمها عبارات توحيد يوقعها أصحابها بأسمائهم، وهناك صخور أخرى نقش عليها أصحابها أسماء حبيبات آثرن أن يخلدن أسماءهن على حجر بعد أن فاضت عن قلوبهم".
وتظهر الكتابات مستويات عالية من التصوف لأصحابها، حيث تنتشر عبارات التوحيد وتعظيم الخالق. وبحسب محمد يسلم فإن "الحقبة التاريخية التي ظهرت فيها هذه النقوش تميزت باستقرار سياسي في هذا الحيز من موريتانيا قبل قدوم المستعمر الفرنسي، كما أن الإشعاع العلمي للرشيد في تلك الفترة ساعد في شيوع ثقافة صوفية كانت سمة لسكان هذه المدينة".
قصة نقش الحجارة على صخور مدينة الرشيد مصنفة كشواهد حية تؤرخ لعلاقات إنسانية للسكان المؤسسين للمدينة التي شهدت أوج ازدهارها في القرن السادس عشر ميلادي.
وتحكي النقوش التي ما زالت موجودة على صخور الرشيد التي تحف سور المدينة تراتيل متصوفة ورسائل حب وقصاصات بحروب تلك الأزمنة الغابرة.
مزار سياحي
وتتمتع مدينة الرشيد الواقعة في وسط موريتانيا بسمعة سياحية كبيرة بين الموريتانيين الذين تمثل آثارها الثقافية لمعظمهم حافزاً كبيراً لزيارتها.
واختتمت المدينة أمس الإثنين موسمها الثقافي الذي تنظمه في ذكرى تدميرها من طرف آلة المستعمر الفرنسي في عام 1908، حيث لم يبق من معالمها غير نقوشها الصخرية، وبعض الدور المحطمة.
وفي الطرف المقابل للمدينة القديمة المحطمة بنى أبناء الرشيد مدينة جديدة في ستينيات القرن الماضي. ويقول العمدة المساعد لبلدية الرشيد أحمد الكيحل، "إن آثار مدينتهم الثقافية بخاصة نقوشها الصخرية تحولت منذ سنوات إلى مزار سياحي للعديد من الباحثين وعشاق الكنوز الثقافية".
ويضيف العمدة "أسهمت تظاهرة أيام الرشيد الثقافية في ازدهار السياحة في المدينة، فقد استقبلنا في هذه النسخة مئات الزوار الذين وقفوا على هذه النقوش وأبدوا إعجابهم بها والتقطوا صوراً تذكارية قرب هذه الشواهد".
ويروي أحمد بلال وهو صاحب نزل في الرشيد "استقبلنا أكثر من عشرين سائحاً من مختلف مناطق موريتانيا، ونأمل في أن يستمر هذا النشاط السياحي للمدينة في الموسم السياحي الشتوي المقبل".