اكتشف العلماء في معهد سويدي أن الخلايا التائية البشرية "تفقد الذاكرة" أثناء العيش في ظروف انعدام الجاذبية.

توصل الخبراء إلى هذا الاستنتاج في إطار تجارب أجريت في المعهد الروسي للمشاكل الطبية الحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو.

وأفادت الخدمة الصحافية لمعهد "كارولينسكي" السويدي، نقلا عن بحث طبي أجراه العلماء الروس بأن الحياة الطويلة في حالة انعدام الوزن تؤدي إلى أن الخلايا التائية البشرية "تفقد الذاكرة" تدريجيًا وتعود إلى الحالة المميِّزة للخلايا المناعية غير الناضجة من هذا النوع.

ونقلت الخدمة الصحافية للمعهد عن كارلوس دود، الباحث في معهد "كارولينسكي" السويدي، قوله:" مع قضاء فترة طويلة في الفضاء، تبدأ الخلايا التائية تدريجيًا في التشابه أكثر فأكثر مع ما يسمى بـ"الخلايا التائية "الساذجة" التي لم تواجه مسببات الأمراض مطلقًا. ونتيجة لذلك، ينخفض معدل نشاطها إلى حد بعيد، ويصبح أقل فعالية في تدمير الخلايا السرطانية ومكافحة الالتهابات". وأضاف الباحث: "نأمل أن تساعد تجاربنا على إيجاد علاج يمنع هذه التغيرات".

في إطار بحثهم هذا يستلقي المتطوعون في أحواض استحمام خاصة مملوءة بالسائل ومغطاة بغشاء مرن لفترة طويلة. وعندما يوضع الإنسان في مثل هذا الحوض، يبدأ السائل في دعم جسده (حسب قاعدة أرخميدس) بنفس الطريقة تقريبًا كما لو كان في حالة انعدام الوزن.

وقد استفاد الأطباء الروس والأجانب من تلك التجربة لدراسة كيفية تأثير التعرض لانعدام الوزن خلال فترة طويلة على عمل الخلايا التائية، بصفتها مكونات رئيسية في جهاز المناعة البشري. فهذه الجسيمات تنظم نشاط عناصر أخرى في الجهاز المناعي وتتعلم كيفية التعرف على التهديدات، بما في ذلك الخلايا السرطانية والفيروسات والميكروبات، عن طريق استخدام المستضدات الموجودة على سطح مسببات الأمراض هذه.

ومن أجل رصد التغيرات في النشاط الحيوي لهذه الخلايا، شكّل دود وزملاؤه مجموعة من ثمانية متطوعين روس أصحاء تتراوح أعمارهم ما بين 24 و 32 عاما. وقام العلماء بوضع المشاركين في التجربة في أحواض مملوءة بالسائل وأخذوا عينات دم بشكل دوري لمدة ثلاثة أسابيع وراقبوا مدى تغير مستوى نشاط الجينات المختلفة في الحمض النووي للخلايا التائية.

وقد أظهر التحليل الذي أجراه الباحثون أن طبيعة عمل 2234 جينا في الخلايا التائية تغيرت بشكل كبير للغاية بعد أسبوعين من بدء التجربة. وأثرت هذه التغيرات، بحسب الباحثين، بشكل خاص على الجينات المسؤولة عن إنتاج مستقبلات الخلايا التي تتعرف على المستضدات، وكذلك إنتاج جزيئات الإشارة في جهاز المناعة وتخصص الخلايا التائية.

وانخفض كثيرا نشاط العديد من مناطق الحمض النووي هذه بعد أسبوعين من بدء التجربة، ونتيجة لذلك بدأت الخلايا التائية "تنسى" وظائفها السابقة وتعود إلى الحالة المميزة لما يسمى بالخلايا المناعية "الساذجة"، وهي التسمية التي منحها العلماء للخلايا التائية التي تشكلت للتو ولم يكن لديها الوقت الكافي لمواجهة المستضدات.

وأشار دود وزملاؤه، إلى أن انتقال الخلايا التائية إلى هذه الحالة يقلل من سرعة الاستجابة المناعية لظهور الخلايا السرطانية ومسببات الأمراض، مما قد يؤثر سلبا على صحة أفراد طاقم المركبات الفضائية في رحلات الفضاء السحيق الطويلة المدى. ولهذا السبب يعمل العلماء الآن على تطوير أساليب وعلاجات من شأنها أن تمنع الخلايا التائية من "فقدان الذاكرة" وتعيد عمل الجهاز المناعي إلى طبيعته.