شهدت أسواق العمل تحولات واسعة في السنوات الأخيرة، من بينها نمو "العمل الحر" ليمثل قاعدة عريضة، بعد أن سعى كثيرون إلى تغيير مجالاتهم ووظائفهم الأساسية بالتوجه لهذا النمط من العمل المستقل، إذ يعمل الأفراد على تقديم خدماتهم أو منتجاتهم دون التبعية لجهة عمل محددة.
يتيح العمل الحر للأفراد التحكم في جدول أعمالهم وطريقة تنظيمها وتحديد مشاريعهم وأولوياتهم، ومع ذلك، تصاحب هذه الحرية تحديات واضحة في التوازن بين الحياة المهنية والشخصية.
ووفق خبراء ومحللون، فإن حالة عدم الاستقرار الاقتصادي التي يشهدها العالم خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى عدم تناسب أجور الوظائف التقليدية مع ضغوطات التضخم التي يعانيها العالم، فإن ذلك كله دفع للاتجاه نحول العمل المستقل أو الحُر ليصبح خياراً شائعاً ربما أكثر من أي وقت مضى.
تزايد بشكل ملحوظ عدد الأشخاص الذين يعتمدون على العمل الحر، فبحسب تحليل نشره المركز المصري للدراسات الاقتصادية، مايو الماضي، هناك ارتفاع في الطلب على العمل الحر بشكل متسارع منذ العام 2019، فخلال الربع الأول من العام 2023 تمت إتاحة 40 ألف فرصة عمل بقيمة 60 مليون دولار في مجال العمل الحر بالبرمجيات.
فيما يتركز 34 بالمئة من الطلب على العمالة الحرة من الولايات المتحدة الأميركية، تليها دول أوروبا، والهند بواقع 14.13 بالمئة.
ويرجع نمو العمل الحُر إلى عوامل عديدة منها:
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: أسهما التقنيات الحديثة في تيسير الوصول إلى العملاء والزبائن وتقديم الخدمات عبر الإنترنت، مما ساعد في زيادة عدد الأفراد الذين يمكنهم ممارسة العمل الحر من أي مكان في العالم.
التغيرات الاقتصادية: تزايدت الحاجة إلى تخفيض تكاليف التوظيف وزيادة المرونة في القوى العاملة، الأمر الذي دفع الشركات إلى التعاقد مع العاملين الأحرار لتنفيذ مشاريع معينة بدلاً من التوظيف الدائم.
رغبة في التحكم الشخصي: يسعى عديد من الأفراد إلى تحقيق توازن بين الحياة المهنية والشخصية وتحقيق الاستقلالية في اتخاذ القرارات المهنية.
نمو العمل الحر
في هذا الصدد، قال خبير تكنولوجيا المعلومات، العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الـ 15 عاماً الأخيرة شهدت نمواً كبيراً في قطاع الشركات الناشئة وريادة الأعمال. وأرجع نمو العمل الحر إلى عدة عوامل، ومنها:
تطور التكنولوجيا والسرعة الكبيرة التي استطاع من خلالها الانترنت والهواتف النقالة وشركات التواصل الاجتماعي النمو على نحو واسع.. كل شخص أصبح قادراً على الوصول لموارد تكنولوجية ومتصلاً بشبكة الإنترنت على مدار اليوم.
التكنولوجيا ساعدت على توفير حلول أعمال ونماذج جديدة لم تكن موجودة من قبل، مثل الاقتصاد التشاركي على سبيل المثال، حيث ظهرت شركات حققت طفرات عملاقة، وبالتالي نمت فكرة العمل عن بُعد.
فكرة إنشاء المشروعات أصبحت أوفر وأسرع من ذي قبل، كما تتوافر الأفكار التي لم تكن تستطع أن تصبح على أرض الواقع، لكنها استطاعت من خلال الطفرة التكنولوجية أن تجد لنفسها مكانًا.
تعدد جهات التمويل للمشروعات، إضافة إلى أنه أصبحت هناك تمويلات عملاقة لدعم المشروعات وتنفيذها وتنميتها، ما خلق فكرة ريادة الأعمال، فالكل أصبح لديه تطلعات مستقلة ويهرب من العمل التقليدي بمواعيد ثابتة إلى عمل حر ومشروعات من الممكن أن تنقله نقلة مادية عملاقة.
ثقافة العمل الحر أدت إلى تزايد حاضنات الأعمال التي لديها استعداد أن تحتضن أصحاب الأفكار وتمويلهم ومساعدتهم حتى تصبح الفكرة على أرض الواقع.
التوازن بين الحياة المهنية والشخصية
واستطرد: "من ينتقل من الوظيفة إلى أن يكون صاحب أعمال يتنازل عن جزء كبير من جانب حياته الشخصية والاجتماعية، بينما قد يصل الأمر إلى أن يتنازل البعض بشكل كامل عن هذا الجانب، مقابل التركيز في مشروعه الذي يكرس وقته كاملاً له، ويحرم نفسه من رفاهيته".
وتابع: "لم يستطع كل الناس تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعمل، فهناك صعوبة في الوصول لذلك، ما يجعلهم يتنازلون عن جانب الحياة الشخصية مقابل تحقيق أحلامهم"، وأكد على أن مفتاح الوصول للتوازن هو إدارة الوقت، ونصح بما يلي:
أن يخصص ساعات العمل فقط للتفكير في تعقيدات العمل ويفكر في رفاهيته وحياته الشخصية.
أن يدرك الشخص أنه في الأساس يعمل في هذا العمل الحر بهدف تطوير حياته وليس التنازل عنها مقابل تحقيق مكاسب مادية.
المرونة في تنظيم الوقت وإدارته واستغلال فرصة عدم التقيد بمواعيد للعمل والتواجد في إنجاز المهام بشكل أسرع.
تجنب الدخول في حالة عزلة اجتماعية بسبب الانشغال بالعمل والتعود على حضور المناسبات الاجتماعية.
على الرغم من المزايا التي يقدمها العمل الحر، إلا أنه يأتي مع تحديات محتملة تؤثر على الحياة اليومية للأفراد، ومن بينها:
عدم التأمين الاجتماعي: يواجه العاملون المستقلون في بعض المناطق تحديات فيما يتعلق بالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، ما يجعلهم أكثر عرضة للمخاطر المالية في حالات العجز أو المرض.
مواجهة الضغوط الزمنية: قد يجد العاملون المستقلون صعوبة في تحقيق التوازن بين الأعمال المتعددة والحياة الشخصية، ما يؤدي إلى زيادة الضغوط الزمنية.
عدم الاستقرار المالي: قد يكون للعمل الحر تقلبات في الدخل، حيث يعتمد الدخل على عدد المشاريع والعملاء الحاليين، ما يجعل الأمور غير متوقعة من الناحية المالية.
انعدام التواصل الاجتماعي: يمكن أن يؤدي العمل الحُر من المنزل إلى انعزال اجتماعي للأفراد، حيث قد يفتقرون إلى التفاعل المباشر مع الزملاء.