العين الاخبارية
في يوم شديد الحرارة قبل 35 عامًا، أعلن عالم المناخ في وكالة ناسا "جيمس هانسن" في شهادة مثبتة أمام مجلس الشيوخ أنه متأكد بنسبة 99% من أن "الاحتباس الحراري يؤثر على كوكبنا".
وأضاف "لقد حان الوقت للتوقف عن الهراء كثيرًا والقول إن الدليل قوي جدًا على أن تأثير الاحتباس الحراري موجود هنا".
كانت شهادة "هانسن" لحظة فاصلة في التاريخ لمكافحة تغير المناخ. في صباح اليوم التالي، أعلنت الصفحة الأولى لصحيفة نيويورك تايمز: "لقد بدأ الاحتباس الحراري". كانت تلك السنة أيضًا فترة فاصلة بالنسبة للبيئة، فقد كانت أكثر الأعوام حرارة على كوكب الأرض، بما في ذلك موجة الحر والجفاف التي أججت حرائق الغابات الغربية، وجرفت النفايات والدلافين الميتة على شواطئ الساحل الشرقي.
الاحتباس الحراري.. شائعة مناخية
في مفارقة للتغير المناخي، قال العلماء إن الارتفاع المفاجئ في الاحتباس الحراري - خاصة منذ عام 2010 - كان مدفوعًا بشكل أساسي بالانخفاض الحاد في جزيئات كبريتات الهباء الجوي -جسيمات صلبة أو سائلة معلقة في الهواء، والتي يتراوح حجم حبيباتها عادة بين عدد قليل من النانومترات و10 ميكرومترات وتظل معلقة في الغلاف الجوي لعدة ساعات- التي تسهم في تبريد المناخ في السنوات العشر إلى العشرين الماضية، حيث زعمت -تلك الآراء المتشككة- من أن الانبعاثات من أكبر المصادر، بما في ذلك حرق الفحم ووقود السفن لم تكن السبب في الاحتباس الحراري.
كان تحذير هانسن السابق بشأن إمكانية ارتفاع معدلات الاحتباس الحراري على المدى القصير بسبب خفض جزيئات كبريتات الهباء الجوي في عام 2021، عندما ذكر أن الانخفاض في تلوث رذاذ الكبريتات يمكن أن يضاعف معدل الاحتباس الحراري خلال السنوات الـ25 المقبلة.
وأوضح في نشرته الشهرية للمناخ أن رذاذ الكبريتات يتسبب في تكاثر قطرات الماء المجهرية في الغلاف الجوي، مما يدفع السحب لتعكس الحرارة بعيدًا عن الأرض. تسمح كمية الكبريتات المنخفضة في الغلاف الجوي بمزيد من الحرارة من الشمس لتدفئة أسطح المحيطات والأرض.
هذا، وقد تبين من خلال مناقشة ورقة هانسن 1988، أن معدل الاحترار سيتضاعف من 1.8 درجة مئوية المرصودة لكل عقد من 1970 إلى 2.7 درجة مئوية على الأقل لكل عقد من عام 2010.
ومن هذا المنطلق، كتب المؤلفون: "في ظل النهج الجيوسياسي الحالي لانبعاثات غازات الدفيئة، من المرجح أن يخترق الاحترار العالمي سقف 1.5 درجة مئوية في عشرينيات القرن الحالي ودرجتين مئويتين قبل عام 2050.. سوف تتسارع التأثيرات على البشر والطبيعة مع زيادة الاحتباس الحراري في تضخيم التأثيرات المناخية المتطرفة".
وأضافوا أن "فداحة العواقب" تتطلب محاولة عكس الاحتباس الحراري وتبريد الأرض إلى النطاق المستقر نسبيًا، قبل أن يتسبب تلوث ثاني أكسيد الكربون في تعطيل المناخ.
ماذا فعل الاحتباس الحراري منذ عام 1998؟
استمر كل جزء من نظام مناخ الأرض في الاحترار منذ عام 1998، مع تسجيل درجات حرارة محطمة في عام 2015.
ومن جانبه، سخر "بوب كارتر" الجيولوجي الأسترالي -أحد المتشككين في المناخ- من أن المناخ قد تغير، وأن البشر "من المرجح للغاية" أن يكونوا السبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري، كما أنه زعم أن الكوكب لم يسخن منذ عام 1998، كما أنه بالنسبة للأعوام 1998-2005، لم ترتفع درجة الحرارة. تتزامن هذه الفترة مع استمرار المجتمع في ضخ المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وعلى صعيد موازي، زعم "سيوكورو مانابي" أخصائي التربة في مختبر ديناميكيات السوائل الجيوفيزيائية التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، أنه من المرجح أن الجفاف الحالي كان نتيجة لتقلبات طبيعية أكثر من ارتفاع درجة حرارة الدفيئة.
على أي حال، كما كان متوقعًا لأول مرة منذ أكثر من قرن من الزمان، فإن سطح الأرض والمحيطات والغلاف الجوي كلها تزداد سخونة. هذا بسبب زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولكن على مر السنين حدث الاحترار بمعدلات متفاوتة -وفقًا لبعض المتشككين- حيث إن الظواهر الفيزيائية الأخرى تعمل بشكل دوري إما لقمع درجات الحرارة أو تحسينها. وخير مثال على هذه الظاهرة هو تأثيرات ظاهرتي النينا والنينيو.
شهد عام 1998 ظاهرة النينو الهائلة؛ حيث كان الارتفاع الحاد في درجة الحرارة. وفي السنوات التالية، كانت هناك عودة إلى ظروف مناخية أكثر نموذجية، مع نمط الاحترار غير المنتظم ولكن التصاعدي. أعطى تسلسل الأحداث هذا فرصة قصيرة -للمنكرين- للإصرار على أن الاحترار العالمي 'توقف مؤقتًا' أو حتى توقف تمامًا.
يهدف أولئك الذين ينشئون وينشرون معلومات خاطئة حول تغير المناخ إلى الارتباك العام. في هذه الحالة، تضمنت عملية المعلومات المضللة اختيارًا متعمدًا لمجموعة محدودة من السنوات بدءًا من ظاهرة النينو الضخمة عام 1998 واستخدام نقطة البداية الدافئة هذه للإصرار على توقف الاحتباس الحراري.
وفي الآونة الأخيرة، ونظرًا لأن عام 2016 كان الأكثر سخونة على الإطلاق، تم رصد فرصة مماثلة من قبل بعض المخادعين؛ حيث استندت أسطورة عدم الاحترار منذ عام 1998 إلى حد كبير إلى تقديرات سجل الأقمار الصناعية لدرجة حرارة الغلاف الجوي. حيث كان هناك ميل لدى بعض الأشخاص للتركيز فقط على درجات حرارة الهواء السطحي أو الغلاف الجوي. وفي ضوء ذلك، يُرجع أكثر من 90% من حرارة الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجة حرارة المحيطات، بينما يذهب أقل من 3% -من المُشككين- إلى زيادة درجة حرارة الهواء السطحي والغلاف الجوي.
بالحديث عن الواقع.. ماذا حدث بالفعل؟
على الرغم من وجود الكثير من التكهنات من قبل العلماء في جميع أنحاء العالم بأن الاحترار نتج عن تأثير الاحتباس الحراري، إلا أن تصريح هانسن هو الأكثر تحديدًا حتى الآن.
وذكر بأنه مثال على ذلك، معدلات الجفاف التي ستحدث بشكل متكرر مع زيادة الاحتباس الحراري. ومن هذا المنطلق، أكدت العديد من الدراسات بإن الاحترار العالمي يمكن أن يؤدي إلى تغيرات جذرية في الطقس، بما في ذلك المزيد من هطول الأمطار عند خطوط العرض المنخفضة والمرتفعة والمزيد من الجفاف بينهما، مع تحولات جذرية في أنماط المحاصيل المحتملة.
حتى لو تم تجاهل الاتجاهات طويلة المدى -شيء يفعله المنكرون غالبًا من أجل إثبات نقطة ما- وتم النظر على الأرقام القياسية. فنجد أنه اعتبارًا من أوائل عام 2023، استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الارتفاع؛ حيث وصلت معدلات ثاني أكسيد الكربون نحو 424 جزءًا في المليون، أعلى بنسبة 51% من مستويات ما قبل الصناعة - وحوالي 62 جزءًا في المليون أعلى مما كان عليه عندما أدلى هانسن بشهادته قبل 35 عامًا.
وبالتالي، لم يعد عام 1998 مكانًا يمكن رؤيته بعد الآن. لم يكن دافئًا مقارنة بما شهده العالم حتى الآن.
تحدثت الأرض بصوت عالٍ في ذلك العام.. لكن هل استمعنا؟
باختصار، لا، لأن موجات الحر الشديدة هذا الصيف والدخان المنبعث من حرائق الغابات الملحمية في كندا يذكرنا يوميًا.
في الأسبوع الماضي، سجلت الأرض رقمًا قياسيًّا لأربعة أيام حارة سجلتها الأجهزة البشرية، متجاوزة كل يوم الرقم القياسي عن اليوم السابق.
وفي ضوء ذلك، أصبح الكوكب الدافئ أكثر دفئًا؛ حيث كان عام 2022 هو العام 46 على التوالي الذي ارتفعت فيه درجات الحرارة العالمية فوق متوسط درجة الحرارة السنوية خلال القرن السابق، فقد ارتفعت درجة حرارة الأرض بالفعل بمقدار درجتين فهرنهايت، وارتفع مستوى سطح البحر بين 8 و9 بوصات منذ عام 1880؛ كلاهما يواصل التسلق.
ومن هذا المنطلق، تُشير التحذيرات إلى أن العواقب بالطبع ستكون هائلة، ومن ثمَّ ستخلق المدن والدول الغارقة ملايين اللاجئين من المناخ، وستجعل موجات الحر والجفاف أجزاءً أكبر من الكوكب غير صالحة للعيش، فضلًا عن الخسائر المادية والبشرية التي ألحقتها وسوف تُلحقها حرائق الغابات على العديد من المنازل والموائل، وما يستتبعها من ندرة الغذاء والماء، الذي يؤدي إلى تسريع زعزعة الاستقرار العالمي.
في ضوء ما سبق ذكره، يتبين أن تغير المناخ يؤجج أزمة تنوع بيولوجي شرسة بالفعل؛ يواجه فيها ما يقدر بمليون نوع من الكائنات خطر الانقراض.
وأخيرًا، إذا استمعنا إلى هانسن قبل 35 عامًا، فربما قدمنا لأنفسنا مسارًا لعدة عقود للوصول إلى حلول أكثر أمانًا وليونة؛ حيث تظهر الحاجة إلى الحد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، والمزيد من السيارات الكهربائية، والمزيد من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والمزيد من الكفاءة، وتناول لحوم أبقار أقل. باختصار، نحن بحاجة إلى إجراءات أكثر ذكاءً، وأكثر اخضرارًا.
كما حدث في عام 1988، فإن الأرض تتحدث بصوت عالٍ.. هل سنستمع هذه المرة؟