نُقل عن العرب قديماً قولهم: "ليس الخبر كالمعاينة"، بمعنى أن نسبة اليقين عند من يسمع الخبر ليست كنسبتها عند من يشاهد ويعاين هذا الخبر، حيث اليقين أكبر ولا شك عند الأخير. ولأن "التنميط أو القولبة" stereotyping، أي تعميم سلوكيات وصفات محددة وإلصاقها بمجموعة معينة من الناس، سائد ويمارسه الكثير من الناس.
فكرت في أن أقدّم في هذا المقام مجموعة من المشاهدات والمعلومات التي تكونت لديّ بعد سنوات طويلة من العيش في المجتمع الألماني. وقد يتوافق أو يتعارض بعض ما سأذكره هنا مع الصورة النمطية أو التصور المسبق الموجوديْن عند البعض، سواء عن ألمانيا أم عن الألمان. أحب فقط أن أنوه إلى أن ما سأورده هنا هو مجموعة من الملاحظات أو المعلومات المبنية على تجاربي ومشاهداتي الشخصية، فقد يكون لدى آخرين ملاحظات مختلفة تستند على رؤيتهم وتجاربهم الشخصية.
معظم الألمان لا يمتلكون "مرسيدس بنز"!
من التصورات الشائعة لدى الكثيرين -وكنت أنا نفسي واحداً منهم- أن معظم الألمان إن لم يكن جميعهم يقودون السيارات ذات الماركات الألمانية الشهيرة مثل مرسيدس بنز وبي إم دبليو وأودي، لكن المفاجأة التي يلاحظها من يعيش في ألمانيا هي أن السيارات اليابانية والكورية والفرنسية والإيطالية والأمريكية منتشرة بشكل كبير في السوق الألمانية، ويفضلها كثير من الألمان لرخص أثمانها مقارنة بالسيارات الألمانية، ولأن تكاليف صيانتها ليست مكلفة كثيراً مقارنة بنظيراتها الألمانية. وكثير من الألمان عندما تسأل أحدهم هل لديه سيارة مرسيدس؟ يجيب ضاحكاً بأنه "يتمنى" ذلك بالتأكيد لكنه لا يقدر على تحمل تكاليف اقتناء سيارة كهذه!
الألمان لا يتحدثون الإنجليزية!
من المعتقدات الشائعة عند الكثيرين أن الألمان لا يتحدثون اللغة الإنجليزية، بل ويذهب البعض إلى أبعد من هذا بإضفاء النزعة الوطنية أو العنصرية إلى الموضوع باعتبار أن الألمان لا يبادرون بالتحدث بالإنجليزية مع الغرباء حتى إن كانوا يجيدونها، وذلك لتعلقهم بلغتهم القومية! وهذا الأمر غير صحيح، فأولاً تُعد اللغة الإنجليزية -إلى جانب اللغة الألمانية والرياضيات- من المقررات الدراسية الأساسية الإلزامية في المدارس الألمانية. وهناك كثير من الألمان ممن يتحدثون الإنجليزية ويتخاطبون بها مع غيرهم خصوصاً في العمل، ربما لا يتحدث الكثيرون الإنجليزية بطلاقة لكن هناك عدداً كبيراً ممن يمكنهم التواصل بهذه اللغة، وحين يرفض البعض التحدث بالإنجليزية فربما يعود هذا إلى شعور الشخص نفسه بأن لغته الإنجليزية غير جيدة، بالتالي لا يفضل أن يتواصل بها مع الآخرين.
جنّة البيروقراطية!
رغم أن ألمانيا بلد متطور ومتقدم للغاية من الناحية العلمية والصناعية والاقتصادية، وهي صاحبة رابع أكبر اقتصاد على مستوى العالم، إلا أن البيروقراطية متفشية للغاية في هذا البلد، وهي من أكبر المعوقات التي يشتكي منها الكثيرون، والتي تشكل عائقاً حقيقياً تجاه الكثير من التحديات المستجدة أو الطارئة. فالمعاملات والإجراءات وحتى القرارات الحكومية تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تدخل حيز التنفيذ. ورغم تصاعد الدعوات لـ"رقمنة" أجهزة الدولة وتسريع الإجراءات والمعاملات الحكومية، إلا أن الخطوات التي تُتخذ في هذا الجانب ما زالت بطيئة ودون المستوى المطلوب لبلد بحجم ألمانيا. وعلى سبيل المثال تعاني ألمانيا منذ سنوات من نقص حاد في العمالة الماهرة أو المتخصصة، ورغم كل الدعوات "الحكومية" والمشاريع الراغبة في حل هذه المسألة وتسهيل عملية استقطاب العمالة من الخارج، ما زالت البيروقراطية تقف كأكبر عائق أمام هذه المحاولات.
كل ولاية لها قوانينها الخاصة
تتبنى ألمانيا النظام "الفيدرالي"، وهو نظام يشبه الموجود في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتكون البلد "الجمهورية" من 16 ولاية، ووفقاً للدستور فكل ولاية لا تتمتع بصفة "إقليم"، إنما تُعد الولايات بمثابة "دول" تتمتع بسلطات مستقلة، حيث لكل ولاية من الولايات الـ16 دستورها الخاص الذي يتطابق فقط مع الأسس القانونية والاجتماعية والديموقراطية للجمهورية بحسب الدستور الألماني، وفيما عدا ذلك فلكل ولاية ألمانية الحرية المطلقة في صياغة دستورها بالشكل الذي يناسبها. بالنسبة للحكومة المركزية فصلاحيتها السيادية تشمل الدفاع والخارجية، أما حكومات الولايات فلها مطلق الصلاحية فيما يتعلق بشؤون التعليم والشرطة والثقافة والبلديات. ولذلك على سبيل المثال من الشائع جداً أن تختلف فترات العطل المدرسية وأوقاتها من ولاية لأخرى، فتجد الطلاب مثلاً يذهبون إلى المدرسة في إحدى الولايات بينما في ولاية أخرى يكون الطلاب في عطلة مدرسية في التوقيت نفسه!
بلد الضرائب العالية والغريبة!
تُعد الضرائب، وخصوصاً ضريبة الدخل، المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة في ألمانيا، وهناك في ألمانيا عشرات الأنواع من الضرائب والتي قد يبدو بعضها غريباً، فهناك ضريبة مثلاً على اقتناء الكلاب أو الخيول، هناك ضرائب مثل "ضريبة السياحة" و"ضريبة المدينة" و"ضريبة الكنيسة"، بل إن هناك ضريبة تدعى "ضريبة السرير"، وهي ضريبة تفرضها بعض البلديات في ألمانيا على أصحاب الفنادق مقابل كل ليلة يبيت فيها نزيل ما في أحد هذه الفنادق، "أي ضريبة على كل ليلة يتم فيها شغل سرير لدى هذه الفنادق من قبل أحد النزلاء"! وفي العام الماضي خسر أصحاب الفنادق في عدد من المدن الألمانية معركة قضائية ضد السلطات المحلية طالبوا فيها بإلغاء هذه الضريبة، لكن المحكمة الدستورية العليا قضت بأن هذه الضريبة متوافقة مع الدستور.
وعلى الرغم من المزايا الضريبية التي تمنحها الدولة لفئة المتزوجين وللأسرة، إلا أن نسبة اقتطاع الضرائب في ألمانيا بشكل عام مرتفعة للغاية، فهي أعلى من مثيلتها في بلد كالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، حيث يمكن أن تتراوح نسبة الضريبة في ألمانيا بين 42% إلى 45% من إجمالي الدخل.
الحر الشديد
تقع ألمانيا في شمال أوروبا، ويتبادر إلى الذهن في العادة أن هذه المناطق ثلجية باردة، لكن الحقيقة هي أن الجو ليس بارداً طوال الوقت، كما أن أشهر الصيف -وأحياناً الربيع- في ألمانيا أصبحت تتميز بالحرارة الشديدة التي لا تطاق في بعض الأحيان، لذلك تتوفر المراوح وأجهزة التكييف بجميع أنواعها في كل المتاجر، ويصبح الطلب عليها مرتفعاً جداً قبل وخلال فترة الصيف. كما أن ارتفاع درجات الحرارة في ألمانيا وبعض بلدان القارة الأوروبية قد يتسبب في حدوث وفيات، خصوصاً عند كبار السن.
وقد اخترت هذه الفقرة لأختم بها هذا المقال، لأن الجو بالفعل هذه الأيام شديد الحرارة في ألمانيا، مع أنه في العادة وفي هذا التوقيت لا يكون بهذا الشكل، بل على العكس يتميز بالبرودة، ومع ذلك فإن الوجود النادر للشمس الذي صاحب هذه الفترة جعل الناس تتقبل حرارة الجو؛ لأن الشمس سلعة نادرة في هذا البلد، وهو ما يختلف تماماً عن بلداننا المشمسة الدافئة طوال العام تقريباً.. ولهذا حديث آخر إن شاء الله.
فكرت في أن أقدّم في هذا المقام مجموعة من المشاهدات والمعلومات التي تكونت لديّ بعد سنوات طويلة من العيش في المجتمع الألماني. وقد يتوافق أو يتعارض بعض ما سأذكره هنا مع الصورة النمطية أو التصور المسبق الموجوديْن عند البعض، سواء عن ألمانيا أم عن الألمان. أحب فقط أن أنوه إلى أن ما سأورده هنا هو مجموعة من الملاحظات أو المعلومات المبنية على تجاربي ومشاهداتي الشخصية، فقد يكون لدى آخرين ملاحظات مختلفة تستند على رؤيتهم وتجاربهم الشخصية.
معظم الألمان لا يمتلكون "مرسيدس بنز"!
من التصورات الشائعة لدى الكثيرين -وكنت أنا نفسي واحداً منهم- أن معظم الألمان إن لم يكن جميعهم يقودون السيارات ذات الماركات الألمانية الشهيرة مثل مرسيدس بنز وبي إم دبليو وأودي، لكن المفاجأة التي يلاحظها من يعيش في ألمانيا هي أن السيارات اليابانية والكورية والفرنسية والإيطالية والأمريكية منتشرة بشكل كبير في السوق الألمانية، ويفضلها كثير من الألمان لرخص أثمانها مقارنة بالسيارات الألمانية، ولأن تكاليف صيانتها ليست مكلفة كثيراً مقارنة بنظيراتها الألمانية. وكثير من الألمان عندما تسأل أحدهم هل لديه سيارة مرسيدس؟ يجيب ضاحكاً بأنه "يتمنى" ذلك بالتأكيد لكنه لا يقدر على تحمل تكاليف اقتناء سيارة كهذه!
الألمان لا يتحدثون الإنجليزية!
من المعتقدات الشائعة عند الكثيرين أن الألمان لا يتحدثون اللغة الإنجليزية، بل ويذهب البعض إلى أبعد من هذا بإضفاء النزعة الوطنية أو العنصرية إلى الموضوع باعتبار أن الألمان لا يبادرون بالتحدث بالإنجليزية مع الغرباء حتى إن كانوا يجيدونها، وذلك لتعلقهم بلغتهم القومية! وهذا الأمر غير صحيح، فأولاً تُعد اللغة الإنجليزية -إلى جانب اللغة الألمانية والرياضيات- من المقررات الدراسية الأساسية الإلزامية في المدارس الألمانية. وهناك كثير من الألمان ممن يتحدثون الإنجليزية ويتخاطبون بها مع غيرهم خصوصاً في العمل، ربما لا يتحدث الكثيرون الإنجليزية بطلاقة لكن هناك عدداً كبيراً ممن يمكنهم التواصل بهذه اللغة، وحين يرفض البعض التحدث بالإنجليزية فربما يعود هذا إلى شعور الشخص نفسه بأن لغته الإنجليزية غير جيدة، بالتالي لا يفضل أن يتواصل بها مع الآخرين.
جنّة البيروقراطية!
رغم أن ألمانيا بلد متطور ومتقدم للغاية من الناحية العلمية والصناعية والاقتصادية، وهي صاحبة رابع أكبر اقتصاد على مستوى العالم، إلا أن البيروقراطية متفشية للغاية في هذا البلد، وهي من أكبر المعوقات التي يشتكي منها الكثيرون، والتي تشكل عائقاً حقيقياً تجاه الكثير من التحديات المستجدة أو الطارئة. فالمعاملات والإجراءات وحتى القرارات الحكومية تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تدخل حيز التنفيذ. ورغم تصاعد الدعوات لـ"رقمنة" أجهزة الدولة وتسريع الإجراءات والمعاملات الحكومية، إلا أن الخطوات التي تُتخذ في هذا الجانب ما زالت بطيئة ودون المستوى المطلوب لبلد بحجم ألمانيا. وعلى سبيل المثال تعاني ألمانيا منذ سنوات من نقص حاد في العمالة الماهرة أو المتخصصة، ورغم كل الدعوات "الحكومية" والمشاريع الراغبة في حل هذه المسألة وتسهيل عملية استقطاب العمالة من الخارج، ما زالت البيروقراطية تقف كأكبر عائق أمام هذه المحاولات.
كل ولاية لها قوانينها الخاصة
تتبنى ألمانيا النظام "الفيدرالي"، وهو نظام يشبه الموجود في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتكون البلد "الجمهورية" من 16 ولاية، ووفقاً للدستور فكل ولاية لا تتمتع بصفة "إقليم"، إنما تُعد الولايات بمثابة "دول" تتمتع بسلطات مستقلة، حيث لكل ولاية من الولايات الـ16 دستورها الخاص الذي يتطابق فقط مع الأسس القانونية والاجتماعية والديموقراطية للجمهورية بحسب الدستور الألماني، وفيما عدا ذلك فلكل ولاية ألمانية الحرية المطلقة في صياغة دستورها بالشكل الذي يناسبها. بالنسبة للحكومة المركزية فصلاحيتها السيادية تشمل الدفاع والخارجية، أما حكومات الولايات فلها مطلق الصلاحية فيما يتعلق بشؤون التعليم والشرطة والثقافة والبلديات. ولذلك على سبيل المثال من الشائع جداً أن تختلف فترات العطل المدرسية وأوقاتها من ولاية لأخرى، فتجد الطلاب مثلاً يذهبون إلى المدرسة في إحدى الولايات بينما في ولاية أخرى يكون الطلاب في عطلة مدرسية في التوقيت نفسه!
بلد الضرائب العالية والغريبة!
تُعد الضرائب، وخصوصاً ضريبة الدخل، المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة في ألمانيا، وهناك في ألمانيا عشرات الأنواع من الضرائب والتي قد يبدو بعضها غريباً، فهناك ضريبة مثلاً على اقتناء الكلاب أو الخيول، هناك ضرائب مثل "ضريبة السياحة" و"ضريبة المدينة" و"ضريبة الكنيسة"، بل إن هناك ضريبة تدعى "ضريبة السرير"، وهي ضريبة تفرضها بعض البلديات في ألمانيا على أصحاب الفنادق مقابل كل ليلة يبيت فيها نزيل ما في أحد هذه الفنادق، "أي ضريبة على كل ليلة يتم فيها شغل سرير لدى هذه الفنادق من قبل أحد النزلاء"! وفي العام الماضي خسر أصحاب الفنادق في عدد من المدن الألمانية معركة قضائية ضد السلطات المحلية طالبوا فيها بإلغاء هذه الضريبة، لكن المحكمة الدستورية العليا قضت بأن هذه الضريبة متوافقة مع الدستور.
وعلى الرغم من المزايا الضريبية التي تمنحها الدولة لفئة المتزوجين وللأسرة، إلا أن نسبة اقتطاع الضرائب في ألمانيا بشكل عام مرتفعة للغاية، فهي أعلى من مثيلتها في بلد كالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، حيث يمكن أن تتراوح نسبة الضريبة في ألمانيا بين 42% إلى 45% من إجمالي الدخل.
الحر الشديد
تقع ألمانيا في شمال أوروبا، ويتبادر إلى الذهن في العادة أن هذه المناطق ثلجية باردة، لكن الحقيقة هي أن الجو ليس بارداً طوال الوقت، كما أن أشهر الصيف -وأحياناً الربيع- في ألمانيا أصبحت تتميز بالحرارة الشديدة التي لا تطاق في بعض الأحيان، لذلك تتوفر المراوح وأجهزة التكييف بجميع أنواعها في كل المتاجر، ويصبح الطلب عليها مرتفعاً جداً قبل وخلال فترة الصيف. كما أن ارتفاع درجات الحرارة في ألمانيا وبعض بلدان القارة الأوروبية قد يتسبب في حدوث وفيات، خصوصاً عند كبار السن.
وقد اخترت هذه الفقرة لأختم بها هذا المقال، لأن الجو بالفعل هذه الأيام شديد الحرارة في ألمانيا، مع أنه في العادة وفي هذا التوقيت لا يكون بهذا الشكل، بل على العكس يتميز بالبرودة، ومع ذلك فإن الوجود النادر للشمس الذي صاحب هذه الفترة جعل الناس تتقبل حرارة الجو؛ لأن الشمس سلعة نادرة في هذا البلد، وهو ما يختلف تماماً عن بلداننا المشمسة الدافئة طوال العام تقريباً.. ولهذا حديث آخر إن شاء الله.