العربية. نت
تحولت مدينة بورتسودان "العاصمة السودانيّة البديلة" إلى مستعمرة لجيوش الذباب، إذ تعرّضت المدينة الساحلية لغزو غير مسبوق من الذباب والبعوض. ما جعل الحياة فيها حجيماً لا يُطاق.

فقد أضحت المدينة الساحلية بشرق السودان، تُواجه مخاطر تفشي الأوبئة والأمراض الفتّاكة الشديدة العدوى، في ظل انتشار الذباب بأعداد ضخمة، تشارك الآكلين في الأطباق والشاربين في الأكواب.

وانشغل السودانيون طيلة الأيام الماضية بتداول مشاهد تقشعر لها الأبدان عن حالات الفوضى وانتشار الذباب هناك.

فيديوهات توثق

كما وثّقت صورٌ ومقاطع مُصوّرة الأسواق التي تبيع الخبز والشاي مُغطّـاة بأسراب من الذباب.

بينما أمكن رؤية الناس في مقاطع الفيديو يطردون أسراباً بشكل مُتكرِّر دون جدوى.

حتى بات الجلوس أو تناول الأطعمة والمشروبات بالمدينة مهمةً عسيرةً للغاية أو شبه مستحيلة بعد أن تحوّلت إلى منطقة موبوءة بنواقل الأمراض.

أزمة مياه واكتظاظ

وتعاني بورتسودان تاريخياً من أزمة مُتجدِّدةٍ في توفر المياه الصالحة للشرب.

كما تُعاني مثل الغالبية العُظمى من المدن السودانية، من بنية تحتية صحية وبيئية مُهترئة وسيئة للغاية، وأنظمة صرف صحي مُتدهورة.

وقد تفاقمت وطأة الأزمة الصحية بالمدينة هذا العام بعد أن صارت إحدى الوجهات المُفضّلة للنازحين الفارين من ويلات الحرب الطاحنة في الخرطوم.

كما ازدادت المُعاناة مع الاكتظاظ السكاني وضيق الأماكن وتغيُّر المناخ من حيث معدلات الأمطار والرطوبة وقلة الاهتمام بالاشتراطات الصحية وحملات مُكافحة الذباب والبعوض.

مليون إصابة بالملاريا

على وقع تلك المُؤشِّرات، دقّ الأطباء بالسُّودان ناقوس الخطر. وأكّدت مصادر طبية لـ"العربية.نت" أنّ الكوليرا صارت تُنافس الرصاص في حصد أرواح السُّودانيين، وسجّلت المستشفيات ومراكز تلقي العلاج ما يزيد عن 5500 حالة إصابة بالكوليرا، بينها 161 حالة وفاة في تسع ولايات سُودانية، منها ولاية البحر الأحمر ومدينة بورتسودان بطبيعة الحال.

بدورها، حذرت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السُّودان، من أنّ مُعدّلات الإصابة بمرض الملاريا في السُّودان اقتربت من مليون حالة بعد اندلاع الحرب بالبلاد. وأوضحت في بيان سابق أنّ الرقم المذكور يمثل "قمة جبل الجليد" بالولايات الواقعة خارج نطاق العمليات العسكرية، مشددة على أن المشهد يبدو أكثر قتامةً بمناطق النزاع المُسلّح بعد خروج الغالبية العُظمى من المؤسسات الصحية بشقيها العلاجية والوقائية، عن الخدمة وشُرِّدت كوادرها وتوقّفت رواتبهم لأكثر من سبعة أشهر.

كما أكّدت أنّ تقاعس السلطات الصحية الرسمية بالبلاد وتداعي الإجراءات الوقائية والتثقيف الصحي والانعدام شبه التام للأدوية وخروج المرافق الصحية عن الخدمة بمناطق النزاع المسلح وزيادة الضغط على النظام الصحي ببقية الولايات، تعطي كلها مؤشرات سالبة لتفشي الأمراض وتنذر بارتفاع معدلات الوفاة.

في المُقابل، قالت مصادر طبية لـ"العربية.نت"، إنّ الإحصائيات الرسمية لا تشمل كل الحالات لأسباب كثيرة، بينها علاج المرضى داخل المنازل لانعدام الثقة بالنظام الصحي المترنح الذي يعجز عن تقديم أي خدمة مجّانية، وأضافوا أنّ الأوضاع الصحية داخل مراكز إيواء المواطنين الفارين من جحيم الحرب ينذر بخطر ماحق في ظل شح المياه الصالحة للشرب وتدهور البيئة هناك.

إغلاق الأسواق

أما لدرء تداعيات الغزو الشرس، عالي الكثافة لجيوش الذباب والبعوض والحشرات الأخرى، فقد بدأت السلطات الرسمية هناك في مُحاولات عديدة لاستعادة السيطرة، حيث أغلقت السوق الرئيسية بالمدينة يوم السبت من كل أسبوع للتفرُّغ لأعمال النظافة وجمع النفايات، بالإضافة إلى استخدام رش المبيدات عبر الطائرات.

كما نُظِّمت حملات إعلامية مُكثّفة لمكافحة الذباب والبعوض وعُلِّقت الملصقات التي تشجع مواطني المدينة على الالتزام بالاشتراطات الصحية على أبواب المدينة، بما في ذلك أبواب المساجد ودُور العبادة.

يُذكر أنّ مدينة بورتسودان تقع على بُعد 675 كلم تقريبًا بالاتجاه الشرقي للعاصمة الخرطوم، وتعتبر ثاني أكبر المدن السُّودانيّة بعد الخرطوم، وتضم ميناء السُّودان الأول على ساحل البحر الأحمر، وتحوّلت إلى عاصمة بديلة بعد أن اتخذها قادة الجيش السُّوداني مقراً للحكومة بعد اندلاع الحرب بالسُّودان منتصف أبريل الماضي.