محرر الشؤون المحلية
الأخطاء الإملائية والنحوية وعلامات الترقيم وركاكة الصياغة الأكثر رصداً
الأخطاء الشائعة في اللغة العربية تحولت إلى «شيوع الأخطاء»
هناك في أستراليا، على بُعد آلاف كيلو المترات عن موطن لغة الضاد، يبدو أن فيها من يعمل ليل نهار من أجل إنتاج لغة عربية صحيحة سليمة خالية من الشوائب، والحديث هنا عن «مرصد ملبورن للغة العربية» الذي كشف مؤسسه يوسف الريماوي في حوار صحفي، عن اضطلاع المركز بتصحيح آلاف الأخطاء اللغوية العربية خلال سنين عمله، للحيلولة دون تحول «الأخطاء الشائعة، إلى شيوع الأخطاء».
وفي وقت يحتفل «مرصد ملبورن للغة العربية» بإطفاء شمعته السادسة، بعد أن انطلق على مواقع التواصل الاجتماعي تجسيداً لمقاربة جديدة في تطبيقات الفصحى في الفضاء العام، يكشف الريماوي أن الدافع الرئيس وراء تأسيس المرصد ورود أخطاء لغوية فادحة في أوراق الأسئلة لمادة اللغة العربيّة في مرحلة الثانويّة العامّة وفي عشرات التراجم المعتمدة في بعض الدوائر الحكوميّة الأستراليّة، وفي محتوى أهمّ إذاعة عربيّة تموّلها الحكومة الأسترالية.
ولأنه بات من النادر العثور على من يجسد فكرة رفض الاستسلام أمام واقع اغتراب اللغة العربية في أوطانها، يعتقد الريماوي أن أسباب كثرة ارتكاب الأخطاء في اللغة العربية يعود إلى أنّ «تطبيقات الفصحى في الفضاء العام بات أقرب للفوضى، إضافة إلى الانعكاس السلبي لتعدّد المرجعيّات على واقع الفصحى، لجانب عامل ثقافيّ يقوم على عدم شعور أي عربي لا يتقن العربية بأي خجل، وهو ما لا ينطبق على لغات أخرى مثل الإنجليزية».
ووفقاً للريماوي فقد «رصد المركز أكثر من خمسة آلاف خطأ وردت في نحو ثلاثة آلاف منشور»، مشيراً إلى أن أكثر الأخطاء شيوعاً هي الأخطاء الإملائية وخاصة المتعلقة بالهمزة، يلي ذلك أخطاء النحو والصرف، أضف إلى ذلك أخطاء الترجمة، وعلامات الترقيم، وركاكة الصياغة».
وعن آلية عمل مرصد ملبورن للغة العربية، قال إن الآلية تقوم على «أخذ صور للشاشات (سكرينشوت) للعبارة التي يرد فيها خطأ، مع وضع خطّ تحته قبل نشره على صفحة المرصد مع تعليق: والصواب (كذا)، مع المسوّغ اللغويّ، بينما يتم أحياناً طلب استشارة لغوية من أعضاء اللجنة الاستشارية للمرصد».
وأكد أن دور مرصد ملبورن للغة العربية في الرقابة اللغوية، ليس باب تتبع سقطات الكتّاب وإفشاء أغلاطهم، بل المساهمة في رفع المعايير في المهن التي تتطلب إتقان الفصحى.
وفيما يلي نص الحوار مع يوسف الريماوي، مؤسّس ومدير المرصد، والذي يعمل محاضراً للّغة العربيّة في جامعة ديكن، ومدقّقاً، وكاتباً، ومترجماً، وموسيقيّاً:
ما الذي دفعك لتأسيس المرصد؟
- على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت عبر عقود - ولا تزال- من أجل الحفاظ على اللغة العربية في أستراليا، ولا سيما في مجالات التعليم المدرسي والجامعي والإعلام والترجمة، وهي جهود هائلة يشكر القائمون عليها؛ إلا أنني تمنّيت لو أن هذه المساعي تُوّجت بتطبيق سياسة لغوية صارمة.
في عام 2014، أي قبل تأسيس المرصد بثلاث سنوات، لفت انتباهي مدرّسٌ في إحدى المدارس العربيّة في ولاية فيكتوريا الأستراليّة، إلى احتواء أوراق الأسئلة لمادة اللغة العربيّة في مرحلة الثانويّة العامّة على أخطاء لغويّة فادحة. قمت بعدها بمراجعة لغويّة شاملة للموادّ المكتوبة والمسموعة الخاصّة بأسئلة الامتحانات عبر أكثر من عشر سنوات سابقة، وكانت النتيجة وجود مئات الأخطاء اللغويّة. هذه النتيجة الصادمة دفعتني لمراجعة عشرات التراجم المعتمدة في بعض الدوائر الحكوميّة الأستراليّة والتي تقدّم خدماتها للمهاجرين الناطقين بالعربية، مثل نشرات دائرة الشؤون الاجتماعيّة، ودائرة الدعم القانونيّ، والتي خلصت إلى تدنّي معايير اللّغة لدى بعض المترجمين.
أما بالنسبة للإعلام العربيّ في أستراليا، فبمراجعة لمختارات من المحتوى الإلكتروني لأهمّ إذاعة عربيّة تموّلها الحكومة، اتّضح أنّ ورود الأخطاء اللغويّة ليس بالأمر النادر.
أخذت - على إثر ذلك - أتابع الأخبار والمحتوى العربيّ على الإنترنت بعين المدقّق، وأيقنت أنّنا انتقلنا من مرحلة الأخطاء الشائعة إلى مرحلة شيوع الأخطاء. وبعد أن تراكمت لديّ مئات الأمثلة، أطلقت صفحة المرصد كمحاولة لتعزيز ثقافة الرقابة اللغويّة في أيّ مجال يستخدم الفصحى. بالنسبة لي، الأمر يشبه اختبارات الجودة التأكيدية في الصناعة.
ما أسباب كثرة أخطاء اللغة؟
- قد أترك الاستفاضة في ذلك لمن هم أكثر اختصاصاً مني، ولكنّني أودّ الإشارة إلى ثلاثة أسباب:
ففي الوقت الذي تتميّز العربيّة عن بقيّة لغات العالم بالمعياريّة، أي أنّ أستاذ النحو في البحرين يتّفق مع نظيره في المغرب على الرفع والنصب والجرّ تقريباً في كلّ شيء، إلّا أنّ تطبيقات الفصحى في الفضاء العام (الإعلام والمطبوعات واللوحات مثلاً) ليست كذلك. بل وأقرب للفوضى، حيث الأمر متروك للجهة التي تنشئ أو تدير أو تنشر المحتوى: فإذا كانت تتّبع سياسة تدقيق صارمة، نرى أنّ المحتوى ذو مستوى لغوي رفيع، وإلّا فسنرى الأخطاء من كلّ حدب وصوب.
هناك مشكلة أخرى تتعلق بالمرجعيّة. أنت تذهب إلى روما لمناقشة مستقبل اللغة الإيطاليّة، وإلى باريس بالنسبة للفرنسيّة ولأنقرة بالنسبة للتركية. ولكن ما هو العنوان الذي ستذهب إليه بالنسبة للّغة العربيّة في ظلّ وجود اثنتين وعشرين دولة عربيّة؟ هل سيكون عنوانك مجامع اللغة؟ هل تنسق هذه المجامع فيما بينها؟ هل تقوم الحكومات بالأخذ بقراراتها؟ هل ستذهب إلى المبادرات المعنيّة باللغة العربيّة والتي تموّلها حكومات غنيّة؟ ما هو دور جامعة الدول العربيّة؟ كلّ هذه الأسئلة هي جزء من الانعكاس السلبي لتعدّد المرجعيّات على واقع الفصحى في الفضاء العام.
هناك أيضاً عامل ثقافيّ: فقد تجد شرائح واسعة من المتعلمين العرب يخجلون من الاعتراف بأنهم لا يتقنون الإنجليزية أو الفرنسية، بينما لا يخجلون من القول إنهم «ضِعاف في العربي»، وتجد شركات اتصالات كبرى تنفق ملايين الدولارات على الصوت والأداء والصورة واللحن في إعلاناتها الرمضانية الطويلة دون أن تلقي بالاً للتدقيق، والنتيجة طبعاً كارثة لغوية.
ما آلية عمل مرصد ملبورن للغة العربية؟
- من خلال متابعتي اليومية للأخبار والمحتوى العربيّ على الإنترنت، آخذ صوراً للشاشات «سكرينشوت» للعبارة التي يرد فيها خطأ، وأضع خطّاً تحته ثم أنشره على صفحة المرصد مع تعليق: والصواب «كذا»، مع المسوّغ اللغويّ. وأحياناً أضع الخبر مع عبارة «أين الخطأ» لتشجيع تفاعل المتابعين. وإذا كان المحتوى عبارة عن فيديو، أنشر رابط الفيديو مع الإشارة للدقيقة والثانية التي ورد فيها الخطأ مع التصويب والمسوّغ.
وفي الحالات التي أكون بحاجة لاستشارة لغوية، أتواصل مع أعضاء اللجنة الاستشارية للمرصد والتي تضم قامات باسقة في اللغة وهم: والدي الدكتور أحمد الريماوي (الشاعر والمؤرّخ الفلسطينيّ)، والأستاذ مصطفى أبو الرز (المربّي والمدقّق الفلسطيني في السعودية)، والبروفيسور على المدني (أحد أعلام العربيّة في البحرين)، والدكتور أحمد أبو جيدا (مدرّس فلسطيني في الإمارات)، والذين أوجه لهم تحيّة التقدير والإجلال لكل ما يقومون به من أجل دعم المرصد.
كم عدد الأخطاء الموجودة على صفحة المرصد، وما نوعها؟
- ليس لدي عدد محدد، ولكنني أتوقع أنني رصدت أكثر من خمسة آلاف خطأ حتى الآن، علماً بأن هناك ما يقارب ثلاثة آلاف منشور منذ تأسيس الصفحة، بعضها لتقارير تحتوي على عشرات الأخطاء، مثل النسخة العربية لتصورات كوشنر لصفقة القرن. أكثر الأخطاء شيوعا هي الأخطاء الإملائية وخاصة المتعلقة بالهمزة، يلي ذلك أخطاء النحو والصرف، أضف إلى ذلك أخطاء الترجمة، وعلامات الترقيم، وركاكة الصياغة.
إذن أعينكم على جهات محددة للرصد؟
- قبل الإجابة أود أن أنوه إلى أن مرصد ملبورن للغة العربية، وإذ يهدف إلى القيام بدور في الرقابة اللغوية، فإنه لا يفعل ذلك من باب تتبع سقطات الكتّاب وإفشاء أغلاطهم، بل المساهمة في رفع المعايير في المهن التي تتطلب إتقان الفصحى.
أما «ضيوف» المرصد فهم بالدرجة الأولى الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع والإلكتروني، يلي ذلك مواقع المؤسسات التعليمية والمطبوعات من مناهج وإصدارات أدبية وأكاديمية وتراجم، فالمواقع الإلكترونية الحكومية، وتلك التابعة لشركات القطاع الخاص، واللوحات الإرشادية على الطرق، واللوحات التجارية. حتى أغان مثل قارئة الفنجان لعبد الحليم حافظ، وبروحي تلك الأرض للرحابنة، ورحماكِ لهاني شاكر..
المرصد يرفع شعار «نحوَ صفر-خطأ-لغويّ». ألا ترى أن هذا الشعار مستحيل التطبيق؟
- هذا الشعار وإذ يبدو طموحاً للغاية، بل ومستحيل التطبيق من الناحية العملية، إلّا أن السعي إلى تحقيقه هو المطلوب. فمن حقّ القارئ/ المستمع / المشاهد للإعلام، أو الدارس للمناهج، أو المستخدم للمواقع الرسمية أن تصله لغة بلا شوائب، خاصة وأن الكثيرين من المتلقّين يأخذون ما يصلهم من هذه المواقع على أنه العربيّة السليمة ويتعلمون منها.
الأخطاء الإملائية والنحوية وعلامات الترقيم وركاكة الصياغة الأكثر رصداً
الأخطاء الشائعة في اللغة العربية تحولت إلى «شيوع الأخطاء»
هناك في أستراليا، على بُعد آلاف كيلو المترات عن موطن لغة الضاد، يبدو أن فيها من يعمل ليل نهار من أجل إنتاج لغة عربية صحيحة سليمة خالية من الشوائب، والحديث هنا عن «مرصد ملبورن للغة العربية» الذي كشف مؤسسه يوسف الريماوي في حوار صحفي، عن اضطلاع المركز بتصحيح آلاف الأخطاء اللغوية العربية خلال سنين عمله، للحيلولة دون تحول «الأخطاء الشائعة، إلى شيوع الأخطاء».
وفي وقت يحتفل «مرصد ملبورن للغة العربية» بإطفاء شمعته السادسة، بعد أن انطلق على مواقع التواصل الاجتماعي تجسيداً لمقاربة جديدة في تطبيقات الفصحى في الفضاء العام، يكشف الريماوي أن الدافع الرئيس وراء تأسيس المرصد ورود أخطاء لغوية فادحة في أوراق الأسئلة لمادة اللغة العربيّة في مرحلة الثانويّة العامّة وفي عشرات التراجم المعتمدة في بعض الدوائر الحكوميّة الأستراليّة، وفي محتوى أهمّ إذاعة عربيّة تموّلها الحكومة الأسترالية.
ولأنه بات من النادر العثور على من يجسد فكرة رفض الاستسلام أمام واقع اغتراب اللغة العربية في أوطانها، يعتقد الريماوي أن أسباب كثرة ارتكاب الأخطاء في اللغة العربية يعود إلى أنّ «تطبيقات الفصحى في الفضاء العام بات أقرب للفوضى، إضافة إلى الانعكاس السلبي لتعدّد المرجعيّات على واقع الفصحى، لجانب عامل ثقافيّ يقوم على عدم شعور أي عربي لا يتقن العربية بأي خجل، وهو ما لا ينطبق على لغات أخرى مثل الإنجليزية».
ووفقاً للريماوي فقد «رصد المركز أكثر من خمسة آلاف خطأ وردت في نحو ثلاثة آلاف منشور»، مشيراً إلى أن أكثر الأخطاء شيوعاً هي الأخطاء الإملائية وخاصة المتعلقة بالهمزة، يلي ذلك أخطاء النحو والصرف، أضف إلى ذلك أخطاء الترجمة، وعلامات الترقيم، وركاكة الصياغة».
وعن آلية عمل مرصد ملبورن للغة العربية، قال إن الآلية تقوم على «أخذ صور للشاشات (سكرينشوت) للعبارة التي يرد فيها خطأ، مع وضع خطّ تحته قبل نشره على صفحة المرصد مع تعليق: والصواب (كذا)، مع المسوّغ اللغويّ، بينما يتم أحياناً طلب استشارة لغوية من أعضاء اللجنة الاستشارية للمرصد».
وأكد أن دور مرصد ملبورن للغة العربية في الرقابة اللغوية، ليس باب تتبع سقطات الكتّاب وإفشاء أغلاطهم، بل المساهمة في رفع المعايير في المهن التي تتطلب إتقان الفصحى.
وفيما يلي نص الحوار مع يوسف الريماوي، مؤسّس ومدير المرصد، والذي يعمل محاضراً للّغة العربيّة في جامعة ديكن، ومدقّقاً، وكاتباً، ومترجماً، وموسيقيّاً:
ما الذي دفعك لتأسيس المرصد؟
- على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت عبر عقود - ولا تزال- من أجل الحفاظ على اللغة العربية في أستراليا، ولا سيما في مجالات التعليم المدرسي والجامعي والإعلام والترجمة، وهي جهود هائلة يشكر القائمون عليها؛ إلا أنني تمنّيت لو أن هذه المساعي تُوّجت بتطبيق سياسة لغوية صارمة.
في عام 2014، أي قبل تأسيس المرصد بثلاث سنوات، لفت انتباهي مدرّسٌ في إحدى المدارس العربيّة في ولاية فيكتوريا الأستراليّة، إلى احتواء أوراق الأسئلة لمادة اللغة العربيّة في مرحلة الثانويّة العامّة على أخطاء لغويّة فادحة. قمت بعدها بمراجعة لغويّة شاملة للموادّ المكتوبة والمسموعة الخاصّة بأسئلة الامتحانات عبر أكثر من عشر سنوات سابقة، وكانت النتيجة وجود مئات الأخطاء اللغويّة. هذه النتيجة الصادمة دفعتني لمراجعة عشرات التراجم المعتمدة في بعض الدوائر الحكوميّة الأستراليّة والتي تقدّم خدماتها للمهاجرين الناطقين بالعربية، مثل نشرات دائرة الشؤون الاجتماعيّة، ودائرة الدعم القانونيّ، والتي خلصت إلى تدنّي معايير اللّغة لدى بعض المترجمين.
أما بالنسبة للإعلام العربيّ في أستراليا، فبمراجعة لمختارات من المحتوى الإلكتروني لأهمّ إذاعة عربيّة تموّلها الحكومة، اتّضح أنّ ورود الأخطاء اللغويّة ليس بالأمر النادر.
أخذت - على إثر ذلك - أتابع الأخبار والمحتوى العربيّ على الإنترنت بعين المدقّق، وأيقنت أنّنا انتقلنا من مرحلة الأخطاء الشائعة إلى مرحلة شيوع الأخطاء. وبعد أن تراكمت لديّ مئات الأمثلة، أطلقت صفحة المرصد كمحاولة لتعزيز ثقافة الرقابة اللغويّة في أيّ مجال يستخدم الفصحى. بالنسبة لي، الأمر يشبه اختبارات الجودة التأكيدية في الصناعة.
ما أسباب كثرة أخطاء اللغة؟
- قد أترك الاستفاضة في ذلك لمن هم أكثر اختصاصاً مني، ولكنّني أودّ الإشارة إلى ثلاثة أسباب:
ففي الوقت الذي تتميّز العربيّة عن بقيّة لغات العالم بالمعياريّة، أي أنّ أستاذ النحو في البحرين يتّفق مع نظيره في المغرب على الرفع والنصب والجرّ تقريباً في كلّ شيء، إلّا أنّ تطبيقات الفصحى في الفضاء العام (الإعلام والمطبوعات واللوحات مثلاً) ليست كذلك. بل وأقرب للفوضى، حيث الأمر متروك للجهة التي تنشئ أو تدير أو تنشر المحتوى: فإذا كانت تتّبع سياسة تدقيق صارمة، نرى أنّ المحتوى ذو مستوى لغوي رفيع، وإلّا فسنرى الأخطاء من كلّ حدب وصوب.
هناك مشكلة أخرى تتعلق بالمرجعيّة. أنت تذهب إلى روما لمناقشة مستقبل اللغة الإيطاليّة، وإلى باريس بالنسبة للفرنسيّة ولأنقرة بالنسبة للتركية. ولكن ما هو العنوان الذي ستذهب إليه بالنسبة للّغة العربيّة في ظلّ وجود اثنتين وعشرين دولة عربيّة؟ هل سيكون عنوانك مجامع اللغة؟ هل تنسق هذه المجامع فيما بينها؟ هل تقوم الحكومات بالأخذ بقراراتها؟ هل ستذهب إلى المبادرات المعنيّة باللغة العربيّة والتي تموّلها حكومات غنيّة؟ ما هو دور جامعة الدول العربيّة؟ كلّ هذه الأسئلة هي جزء من الانعكاس السلبي لتعدّد المرجعيّات على واقع الفصحى في الفضاء العام.
هناك أيضاً عامل ثقافيّ: فقد تجد شرائح واسعة من المتعلمين العرب يخجلون من الاعتراف بأنهم لا يتقنون الإنجليزية أو الفرنسية، بينما لا يخجلون من القول إنهم «ضِعاف في العربي»، وتجد شركات اتصالات كبرى تنفق ملايين الدولارات على الصوت والأداء والصورة واللحن في إعلاناتها الرمضانية الطويلة دون أن تلقي بالاً للتدقيق، والنتيجة طبعاً كارثة لغوية.
ما آلية عمل مرصد ملبورن للغة العربية؟
- من خلال متابعتي اليومية للأخبار والمحتوى العربيّ على الإنترنت، آخذ صوراً للشاشات «سكرينشوت» للعبارة التي يرد فيها خطأ، وأضع خطّاً تحته ثم أنشره على صفحة المرصد مع تعليق: والصواب «كذا»، مع المسوّغ اللغويّ. وأحياناً أضع الخبر مع عبارة «أين الخطأ» لتشجيع تفاعل المتابعين. وإذا كان المحتوى عبارة عن فيديو، أنشر رابط الفيديو مع الإشارة للدقيقة والثانية التي ورد فيها الخطأ مع التصويب والمسوّغ.
وفي الحالات التي أكون بحاجة لاستشارة لغوية، أتواصل مع أعضاء اللجنة الاستشارية للمرصد والتي تضم قامات باسقة في اللغة وهم: والدي الدكتور أحمد الريماوي (الشاعر والمؤرّخ الفلسطينيّ)، والأستاذ مصطفى أبو الرز (المربّي والمدقّق الفلسطيني في السعودية)، والبروفيسور على المدني (أحد أعلام العربيّة في البحرين)، والدكتور أحمد أبو جيدا (مدرّس فلسطيني في الإمارات)، والذين أوجه لهم تحيّة التقدير والإجلال لكل ما يقومون به من أجل دعم المرصد.
كم عدد الأخطاء الموجودة على صفحة المرصد، وما نوعها؟
- ليس لدي عدد محدد، ولكنني أتوقع أنني رصدت أكثر من خمسة آلاف خطأ حتى الآن، علماً بأن هناك ما يقارب ثلاثة آلاف منشور منذ تأسيس الصفحة، بعضها لتقارير تحتوي على عشرات الأخطاء، مثل النسخة العربية لتصورات كوشنر لصفقة القرن. أكثر الأخطاء شيوعا هي الأخطاء الإملائية وخاصة المتعلقة بالهمزة، يلي ذلك أخطاء النحو والصرف، أضف إلى ذلك أخطاء الترجمة، وعلامات الترقيم، وركاكة الصياغة.
إذن أعينكم على جهات محددة للرصد؟
- قبل الإجابة أود أن أنوه إلى أن مرصد ملبورن للغة العربية، وإذ يهدف إلى القيام بدور في الرقابة اللغوية، فإنه لا يفعل ذلك من باب تتبع سقطات الكتّاب وإفشاء أغلاطهم، بل المساهمة في رفع المعايير في المهن التي تتطلب إتقان الفصحى.
أما «ضيوف» المرصد فهم بالدرجة الأولى الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع والإلكتروني، يلي ذلك مواقع المؤسسات التعليمية والمطبوعات من مناهج وإصدارات أدبية وأكاديمية وتراجم، فالمواقع الإلكترونية الحكومية، وتلك التابعة لشركات القطاع الخاص، واللوحات الإرشادية على الطرق، واللوحات التجارية. حتى أغان مثل قارئة الفنجان لعبد الحليم حافظ، وبروحي تلك الأرض للرحابنة، ورحماكِ لهاني شاكر..
المرصد يرفع شعار «نحوَ صفر-خطأ-لغويّ». ألا ترى أن هذا الشعار مستحيل التطبيق؟
- هذا الشعار وإذ يبدو طموحاً للغاية، بل ومستحيل التطبيق من الناحية العملية، إلّا أن السعي إلى تحقيقه هو المطلوب. فمن حقّ القارئ/ المستمع / المشاهد للإعلام، أو الدارس للمناهج، أو المستخدم للمواقع الرسمية أن تصله لغة بلا شوائب، خاصة وأن الكثيرين من المتلقّين يأخذون ما يصلهم من هذه المواقع على أنه العربيّة السليمة ويتعلمون منها.