ما زالت أرض المملكة العربية السعودية تعُج بالعلامات والدلائل التي تثبت كل يوم عمقها الضارب في التاريخ الإنساني، ولا سيما الاكتشافات الأثرية التي تكشف طريقة حياة ساكنيها قديماً وملامح أنشطتهم اليومية المنقوشة على الجبال والمنحوتة في الصخر شاهدةً على التاريخ، ومن بين هذه الاكتشافات عثر فريق من علماء الآثار على تحصينات ضخمة في واحة خيبر بمحافظة العلا تعود للعصر البرونزي وتحديداً الفترة ما بين 2250 و1950 قبل الميلاد.وأوضحت دراسة حديثة نشرتها مجلة "sciencedirect" العلمية، أن الكشف الأثري الجديد يتمثّل في حصن ضخم تمتد جدرانه لمسافة 14.5 كيلومتر، وترتفع لمسافة 5 أمتار فوق سطح الأرض؛ حيث تبقى من تلك الجدران أقل قليلاً من نصف طولها، مشيرةً إلى أن هذه الواحة المسورة لم تُكتشف؛ بسبب عوامل التعرية والتصحر التي شهدتها تلك المنطقة الطبيعية الصحراوية على مدار 4 آلاف عام.ولفتت الدراسة إلى أن تاريخ تلك الأسوار يعود إلى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد، وجرى بناؤها بعد استقرار سكان المنطقة الأصليين بغرض حماية الواحة ووضع لمسة معمارية لافتة لتمييزها عن باقي المستوطنات في شبه الجزيرة العربية، لكنها شهدت العديد من التعديلات على مر العصور بالتفكيك أو الاستبدال أو الإضافة، مما يجعلها أكبر واحة تاريخية مسورة في الصحراء الممتدة بشمال شبه الجزيرة.وأضافت أن هذا الاكتشاف المهم الذي استمرت جهود العثور عليه وتحديد أبعاده 3 سنوات، يؤكد ظهور المجمعات المأهولة في المنطقة خلال العصر البرونزي، ومنها تيماء والقرية وهيت وخيبر، مما يعد نقطة انطلاق محورية لدراسات مستقبلية عن التعقيد الاجتماعي والسياسي المحلي، كما تؤكد تحقيقات العلماء أن واحة خيبر كانت محاطة بالكامل بسور في عصور ما قبل الإسلام.وأشارت الدراسة أيضاً إلى أنه يمكن التمييز بين مجموعتين رئيسيتين من الأسوار في خيبر، وهما جدران السياج الداخلية المقسمة إلى 4 وحدات، وجدار العلبة الخارجي المقسم إلى وحدتين، وذلك من خلال رسم خرائط الجدران وتحديد تسلسلها الهرمي وتفسير موقع الحصون على الأسوار، حيث لا يزال هناك أثر مستقيم يبلغ طوله نحو850 مترًا واضحًا في الصور الجوية، ولكن بدون أي بناء محفوظ في الميدان.