يشاركن في الإنتاج الزراعي والحرفي والأنشطة التجارية تحمل النساء في غرب إفريقيا على عاتقهن مسؤولية الإنفاق على الأسرة وتربية الأطفال في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، وبأنشطة بسيطة كالخدمة في الحقول أو البيع على الرصيف.تحاول النساء توفير احتياجات أسرهن وسد الفراغ الذي يتركه المعيل الغائب عن البيت، ورغم القوانين التي جعلت مسؤولية الإنفاق على الأسرة على عاتق الرجل فإن واقع الحال بأغلب مناطق غرب إفريقيا يحمل الكثير من التناقضات بين القوانين وما يجري في الواقع.هاوا سيسي نداي واحدة من النساء الإفريقيات اللاتي تكاثفت الظروف لتحميلهن فوق طاقتهن، بعزم حديدي وإرادة جبارة تكابد هاوا (31 عاما) مشاق العمل في حقل الذرة صباحا كعاملة باليوم، وفي المساء تحمل ما جاد به صاحب الحقل عليها من حبات ذرة إلى بلدة "ندوي" شمال السينغال حيث تعيش، وتبدأ بطهيها وبيعها للمارة.تبدو هاوا راضية بما تجود به الذرة عليها صباحا ومساء، وفخورة بأنها قادرة على الإنفاق على أسرة مكونة من 7 أفراد، هم أمها وشقيقتها وأبناؤها الأربعة، تتولى هاوا الإنفاق على الجميع بعد أن هجرها زوجها منذ خمس سنوات.لا تنتظر هاوا أن تتحسن ظروفها في المستقبل القريب، فلا خبر ترتجيه من زوجها، هي فقط تنتظر أن يشتد عود شقيقتها وأبناؤها ليتحملوا معها مسؤولية الإنفاق على الأسرة.وتشكل ظاهرة غياب الزوج معضلة اجتماعية في غرب إفريقيا، وتعد الهجرة نحو المدن أو في قوارب الموت (الهجرة غير الشرعية) نحو أوروبا عاملا رئيسيا في غياب الزوج وانقطاع أخباره عن أسرته، إضافة إلى الزواج الثاني والانتماء إلى الجماعات المسلحة.وإضافة إلى الهجر الزوجي فإن هناك عوامل أخرى لغياب المعيل عن أسرته أو عدم قدرته على الإنفاق عليها، كبطالة الذكور وضعف مدخولهم اليومي والوفاة والطلاق.تمييز اجتماعي ومسؤوليات ثقيلةتتفاقم مظاهر التمييز ضد المرأة في مجتمعات غرب إفريقيا بسبب ثقل التقاليد المحلية وعدم تنفيذ القوانين، فمن جهة تحرم التقاليد والأعراف التي لها تأثير قوي في مجتمعات غرب إفريقيا المرأة من المطالبة بحقوقها وحقوق أبنائها واللجوء إلى القضاء من أجل مقاضاة الزوج، ومن جهة أخرى تحول صعوبة تنفيذ القوانين دون حصول المرأة على حقوقها خاصة المادية، ورغم الطابع المدني والحداثي الذي قد تبدو عليها بعض مجتمعات غرب إفريقيا فإن الإقصاء وتحجيم دور المرأة يبقى هو السائد.ورغم وجود اختلافات بين الدول والمناطق، فإن مشاركة المرأة الإفريقية في القوى العاملة عمومًا تبقى مرتفعة في أغلب دول غرب إفريقيا، لكن نشاطها يتركز في المجالات ذات القيمة المنخفضة والمرتبطة بالمحيط العائلي كالزراعة والتجارة في ظل حرص النساء على العمل في أماكن قريبة من أسرهن حتى يستطعن الوفاء بالواجب الأسري.في هذا الصدد، يقول الباحث الاجتماعي محمد هارون "مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي وفي إعالة الأسر غير معترف بها وغير مرئية، خاصة في الأنشطة غير الرسمية التي غالباً ما تهيمن عليها المرأة الريفية، ويؤكد أنه من الضروري قياس الفجوة بين المساهمة المعلن عنها للمرأة الإفريقية في الإنتاج المحلي ومساهمتها الحقيقية لإظهار الثقل والدور الذي تلعبه المرأة في اقتصاديات غرب إفريقيا".ويضيف في حديثه لـ"العربية.نت" في إفريقيا عامة وليس فقط في غربها تتم الاستهانة بالنشاط النسائي في إعالة الأسر.. ففي حين تتحمل النساء الكثير من المهام الاقتصادية كالأنشطة الزراعية والحرفية والتجارية وأيضا المنزلية كإعداد الطعام ورعاية الأطفال وجلب الماء، لا يتم الاعتراف بمجهودهن ولا باتساع فئة معيلات الأسر والتي باتت تقارب نسبة الرجال المعيلين في بعض المجتمعات الإفريقية.ويقول "حسب إحصاءات رسمية فإنه في غرب إفريقيا حيث تمثل النساء ما يقرب من 43% من السكان النشطين، يعمل ثلثا النساء في الزراعة، والبقية يعملن كعاملات في المنازل وفي القطاعات غير الزراعية، وتؤكد الأرقام أن ما يقرب من 74% من النساء العاملات خارج القطاع الزراعي يعملن لحسابهن الخاص في التجارة وخاصة التجارة المتنقلة الصغيرة".ويشير إلى أنه من الضروري قياس نشاط النساء في إعالة الأسر وتقييم وتصحيح النقص في تقدير المشاركة الاقتصادية للمرأة مع الأخذ في الاعتبار تعدد مهام ومسؤوليات المرأة حسب العمر والأصل الجغرافي والعرقي والاجتماعي والانتماء الطبقي.إعالة الأسرة والمشاركة في الإنتاجيرى الباحث أن هناك تطورا ملحوظا على الأسر التي ترأسها النساء من حيث مستوى معيشتها، حيث أثبتت دراسات استقصائية أن الفقر انخفض في الأسر التي تقودها النساء العاملات بسبب توفر عوائد مالية دائمة وتسيير تلك الموارد حسب احتياجات الأسر وأيضا بسبب الحماية الاجتماعية التي توفرها بعض الدول في غرب إفريقيا للأسر التي تعيلها النساء.لكن الباحث حذّر من عواقب تحمل النساء لجميع مسؤوليات الأسرة المادية والاجتماعية وقال "كيف يمكن للنساء أن يؤدين جميع الأدوار كمربيات ومعيلات أسر في سياق صعب بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تهز منطقة غرب إفريقيا وأيضا في ظل القيود التي يواجهنها اجتماعيا وثقافيا، والمشاكل التي يعانين منها كتعدد الزوجات وانتشار الطلاق والعنف الزوجي".ويؤكد أنه بالنسبة للمجتمعات التي تضم نسبة كبيرة من معيلات الأسر من الضروري وضع استراتيجيات قانونية وسياسية حتى يتسنى لهن الاستفادة من الإصلاحات القانونية ليس فقط من أجل تحسين ظروفهن بل أيضاً تحسين وضعهن في الأسرة والمجتمع.ويدعو الباحث إلى اتخاذ عدة خطوات لمساعدة المرأة المعيلة وتعزيز استقلاليتها وحريتها والسماح لها بالاستفادة من القوانين الأسرية دون ضغوط اجتماعية ومراجعة هذه القوانين من حين لآخر، ومراعاة العلاقة بين الوظائف الإنتاجية والإنجابية للمرأة من خلال السماح بالتحكم في الخصوبة، وتعزيز الوصول إلى الاحتياجات الأساسية كالتعليم والتدريب ومحو الأمية والصحة، والاعتراف بالفلاحات كمزارعات ودعم الجمعيات الإنتاجية النسائية، ودعم مبادراتهن الفردية والجماعية وحقهن في تملك الأراضي.