حذرت شركة لافاتزا الإيطالية العملاقة للقهوة من أن سعر القهوة من المقرر أن يرتفع من أعلى مستوى قياسي له حاليا بسبب تغير المناخ واضطرابات الشحن واللوائح الجديدة للاتحاد الأوروبي التي تؤدي إلى ارتفاع تكاليف المحمصين.
وصلت عقود روبوستا الآجلة في لندن، وهي المعيار العالمي، إلى 4844 دولارا للطن يوم الثلاثاء الماضي، بعد أن ارتفعت بنحو 70 بالمئة على مدار العام الماضي بسبب ضعف الحصاد في البلدان الرئيسية المنتجة للبن في العالم في جنوب شرق آسيا.
ومع ذلك، قال جوزيبي لافاتزا، رئيس مجموعة لافاتزا التي تملك قهوة لافاتزا، إن سعر القهوة على أرفف المتاجر الكبرى في المملكة المتحدة، والذي ارتفع بالفعل بنحو 15 بالمئة هذا العام، قد يرتفع بنحو 10 بالمئة أخرى بحلول العام المقبل.
وأفاد في مناسبة أقيمت على هامش بطولة ويمبلدون للتنس، بأن "أسعار القهوة لن تنخفض، بل ستظل مرتفعة للغاية. إن سلسلة توريد القهوة تتعرض لضغوط شديدة".
وقال لافاتزا، الذي ينتمي إلى الجيل الرابع الذي يرأس مجموعة القهوة التي يقع مقرها في تورينو، إن شركات تحميص القهوة مثل لافاتزا اضطرت إلى رفع الأسعار وخفض هوامش الربح مع ارتفاع تكلفة المواد الخام.
وقال إن الصناعة معتادة على التعامل مع الأسعار المتقلبة لحبوب أرابيكا عالية الجودة - حيث وصلت عقود أرابيكا الآجلة في نيويورك إلى أعلى مستوياتها منذ سبتمبر 2022. لكنه أضاف أن الارتفاع الأخير في أسعار الروبوستا الأرخص كان غير مسبوق ويسبب المزيد من المشاكل للصناعة.
واستطرد: "لقد أثر تغير المناخ على إنتاج أهم بلدان إنتاج الروبوستا في العالم، وخاصة فيتنام وإندونيسيا، مما أدى إلى انخفاض كبير في الكمية المتاحة من هذه الأنواع من الأصناف."
وتشير توقعات الطقس إلى أن الحصاد الفيتنامي المقبل لن يكفي لتجديد الإمدادات المتضائلة من حبوب البن روبوستا، التي تستخدم في صناعة الإسبريسو والقهوة الفورية.
وفي حين كان على محمصي القهوة في الماضي أن يدفعوا أسعاراً أعلى مقابل الحصول على قهوة روبوستا لعدة أشهر أو حتى عام، قال لافاتزا: "في هذه الحالة ندفع الكثير من المال مقابل القهوة لعدة أشهر عديدة".
ومع تناقص المعروض وارتفاع الأسعار، تهافتت صناديق التحوط والمضاربون الآخرون على السوق، وهو ما ألقى عليه باللوم في دفع أسعار العقود الآجلة إلى الارتفاع أكثر، على حد قوله. وأضاف: "المضاربة هي أحد العوامل الرئيسية".
وشدد على أن ارتفاع أسعار العقود الآجلة يعني أن الشركة تكبدت تكاليف إضافية بقيمة 800 مليون دولار - أي ما يعادل 2.5 مرة أرباحها قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك - منذ عام 2022.
وأضاف أن ارتفاع تكاليف الشحن أسهم أيضًا في ذلك. فمنذ أكتوبر من العام الماضي، اضطرت السفن إلى اتخاذ الطريق الأطول حول قاع أفريقيا لتجنب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. وقال لافازا إن هذا أمر صعب بالنسبة لشركة قهوة تستورد حبوبها من دول في آسيا وشرق أفريقيا.
وأوضح أن صافي دخل شركة صناعة القهوة الإيطالية بلغ 68 مليون يورو في عام 2023، انخفاضًا من 95 مليون يورو في عام 2022، بينما انخفضت الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك من 309 ملايين يورو إلى 263 مليون يورو في نفس الفترة.
وأضاف لافاتزا أن القواعد الجديدة التي فرضها الاتحاد الأوروبي والتي تحظر استيراد القهوة وستة سلع أخرى مزروعة في المناطق التي أزيلت منها الغابات من البيع في الاتحاد ستدفع الأسعار إلى الارتفاع أكثر.
وتدخل القواعد الجديدة حيز التنفيذ في بداية العام المقبل وستتطلب أيضًا من شركات الأغذية العاملة في الكتلة تحديد الموقع الجغرافي الدقيق لقطع الأراضي التي يتم إنتاج سلعها فيها.
وقال لافاتزا "في قطاع القهوة، 20 بالمئة فقط من المزارعين على استعداد لتلبية اللوائح". وحذر من أن منتجي القهوة الأوروبيين سوف يضطرون إلى الحصول على كل حبوبهم تقريبا من البرازيل، التي قال إنها الدولة الوحيدة المستعدة لتطبيق القواعد.
وبحسب لافازا، فإن الانتخابات الأوروبية الأخيرة، التي دفعت تشكيل البرلمان الأوروبي في بروكسل نحو اليمين، تخلق إمكانية تعديل التشريع. وإلا فإن نحو 8 ملايين مزارع للقهوة "سيُحرمون من فرصة بيع القهوة لك".
ارتفاع الأسعار
من جانبه، قال كبير محللي الأسواق في XTB MENA هاني أبو عاقلة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أسعار القهوة تتحرك منذ فترة، لكنها بدأت في الانطلاق بشكل ملحوظ بحلول شهر يوليو 2024 بارتفاع في أسعارها بلغ 7 بالمئة دفعة واحدة وهو أعلى مستوى يومي يتم التداول فيه منذ منتصف فبراير 2022.
وذكر أبو عاقلة أن الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع، تتمثل في:
وجود مشاكل في عمليات النقل والإمدادات، إذ ماز الت معدلات الإمداد محدودة حتى اليوم.
البيانات الأخرى تدل على حدوث تباطؤ في تسليم الشحنات من فيتنام، وهي أكبر منتج للقهوة في العالم، خصوصًا بن "الروبوستا"، كما أن صادرات القهوة الفيتنامية انخفضت بمقدار 11.4 بالمئة في الفترة من يناير إلى يونيو مقابل ارتفاع في الطلب وهذا يدل على أن المحصول يعاني من الجفاف وعلى العالم أن ينتظر حتى نوفمبر المقبل موسم الحصاد لمحصول البن الجديد.
وتوقع أبو عاقلة حدوث ارتفاع في حجم الطلب بنهاية الربع الأخير من 2024 وأيضًا خلال الربع الأول من 2025.
وتابع: "المنظمة العالمية للبن تشير إلى احتمالية ارتفاع استهلاك العالم من القهوة الفترة المقبلة في ظل وجود النقص المقدر بـ 11.4 بالمئة خلال الربع الأول من 2024".
العوامل البيئية
من جانبه، قال الخبير البيئي، تحسين شعلة، في تصريحات خاصة مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن التغيرات المناخية أصبحت تؤثر على جميع المحاصيل الزراعية، وسيكون لها تأثير قوي على تغيير الخريطة الزراعية في العالم أجمع، فقد تنجح زراعة بعض المحاصيل في بعض الدول وقد تفشل زراعة بعض المحاصيل في مواطنها الأصلية.
وعدد شعلة الأسباب التي نتج عنها ارتفاع أسعار القهوة خلال الفترة الحالية والتي شملت:
ندرة أو قلة المنتج منها نظرا لتدمير زراعة البن في بعض مواطنها الأصلية؛ نتيجة للارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة مع ندرة أو قلة الأمطار، مما أدى الى فقدان إنتاج البن بنسبة تفوق 50 بالمئة في بعض المناطق، فمثلا نجد أن البرازيل وهي أحد أهم الدول إنتاجاً للبن قد انخفض إنتاجها بمعدلات تفوق 50 بالمئة وأيضا فيتنام وكولومبيا، بعد أن تأثروا بشدة بالتغيرات المناخية.
زراعة البن تحتاج إلى درجات حرارة تتراوح بين 23-28 أثناء النهار و15-20 درجة مئوية أثناء الليل، مع وجود رطوبة عالية في التربة ورطوبة جوية تتراوح بين 75-85 بالمئة.. وبناء عليه فإن درجات الحرارة ما بين 15 الى 28 درجة تعد مثالية للنمو الخضري والتزهير، وارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها عن تلك المعدلات تؤثر بالسلب على النمو الخضري والتزهير وبالتالي تؤثر على الإنتاج.
التقلبات والتغيرات المناخية والتي تستمر لفترات طويلة وخصوصاً الارتفاع الملحوظ لدرجات الحرارة تفوق 40 درجة مئوية مع جفاف التربة وندرة الأمطار في مناطق زراعة البن الأصلية، عوامل أثرت بالسلب على زراعة البن والإنتاج، لدرجة أنه من الصعب زراعة البن في تلك المناطق مرة أخرى.
لكن في ظل تلك التغيرات المناخية المؤثرة على العالم أصبحت هناك بعض الدول التي صارت صلح بها زراعة البن وبالتالي وجب التنويه من خلال المختصين على تجربة زراعة البن في المناطق التي أصبح مناخها مناسبا لزراعتها.
واقترح شعلة عدة حلول في ظل أزمة ارتفاع أسعار القهوة التي أكد أنها لن تتراجع خلال الفترة الحالية نظرا لندرة أو قلة المنتج من القهوة، وشملت هذه الحلول:
وجوب استخدام تقنيات جديدة تساعد في زراعة أصناف بن جديدة تقاوم درجات الحرارة العالية.
استخدام التكنولوجيا الحيوية والتقنيات الحديثة مثل كريسبر قد يعمل على إنتاج أصناف بن مقاومة لدرجات الحرارة المرتفعة مع صلاحية إنتاجها في مناطق جديدة دون الخوف من تأثرها بارتفاع درجات الحرارة.
استخدام نظم التربية الحديثة قد يساعد في إنتاج أصناف جديدة من البن ذات طبيعة مقاومة لدرجات الحرارة العالية وملائمتها للزراعة في مناطق كثيرة وسيكون مردود ذلك إيجابى في توفير أشجار البن وزيادة إنتاجها مع انخفاض أسعارها مستقبلاً.
عوامل رئيسية
وعلق الخبير في المناخ حمدي حشاد لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بأن وصول أسعار القهوة إلى مستويات عالمية في الفترة الماضية، مسجلة أعلى مستوى منذ عدة أعوام، يرجع إلى وجود عدة عوامل أسهمت في هذا الوضع:
مركز التنبؤات المناخية في الولايات المتحدة كشف عن عودة ظاهرة النينو المناخية، والتي تتسبب بجلب طقس أكثر حرارة وجفافاً إلى مناطق زراعة البن الرئيسية مثل "الروبوستا" بما في ذلك فيتنام وإندونيسيا، مما يهدد الإمدادات من هذه الدول.
أسهم الجفاف وارتفاع تكاليف الأسمدة في انخفاض غلة المحاصيل.
من المتوقع أن ينخفض المحصول في البرازيل ثاني أكبر المنتجين ، وأن ينخفض إنتاج إندونيسيا أيضًا بسبب الظروف الجوية السيئة.
وتوقع حشاد أن تظل أسعار البن عند معدلاتها الحالية على المديين القصير والمتوسط، وألا تنخفض في الفترة المقبلة، نظرًا لاستمرار وجود أسباب ارتفاع الأسعار سالفة الذكر، فضلًا عن وجود بعض الأمراض الفطرية.