زهراء حبيب:
"بلغت الـ 43 ومازال إحساس الرجولة يكبر بداخلي، حاولت أن أكون بنتاً طبيعية وأمارس أنوثتي ولكن فشلت المحاولات، الصراع داخلي لا يتوقف.. وقد تم إيقافي 8 مرات من قبل رجال الشرطة بسبب شكلي كرجل، غير أن البطاقة أنثى، المجتمع الخليجي يجهل معنى اضطراب الهوية الجنسية.. فأنا رجل ولست بوية".. تلك حالة ومعاناة أنثى كويتية مضطربة جنسيا ضمن كثير من الحالات التي تمر على مكاتب المحامين.
يقول المضرب جنسياً وفقاً لمكتب المحامية فوزية جناحي "منذ طفولتي لم يتغير فيني إحساس وشعور أني رجل، وكان التعبير عن ذلك في سلوك ذكوري من تصرفات وحديث وفي اختيار الأصدقاء من الأولاد، والألعاب الذكورية تشدني واستمتع بها مع الأولاد ولا تشدني ألعاب البنات".
وأضاف "كبر شعوري معي إلى أن أصبح عمري الآن 43 سنة، وفي مرحلة من العمر بعد 32 سنه عرفت معنى ما أشعر به وهو "اضطراب الهوية الجنسية"، حاولت بشتى الطرق أن أكون بنتاً طبيعية وأمارس الأنوثة ومع كثير المحاولات كنت أتعب وأعاني وأصارع نفسي من الداخل، وكان أهلي يجهلون شعوري، ومع تقدم السن تمردت لأصبح أنا وما أشعر به لأنفس عما بداخلي من شعور يتنافى مع هيئة الجسم الخارجي، فاتجهت للتعبير عن شعوري لكن للأسف المجتمع الكويتي يرفض رفضاً باتاً ما يسمون "ظاهرة البويات"،
ومجتمعي المحلي يحارب أمثالي بشدة كونه يجهل معنى اضطراب الهوية الجنسية والطامة الكبرى حين تم تطبيق قانون التشبه بالجنس الآخر".
ويستطرد قائلاً "عانيت من قانون التشبه بالجنس الآخر، فكم من شرطي خاطبني كرجل وبعد طلب الهوية يتبين لهم أني أنثى بالبطاقة، هنا أصبحت تحت طائلة القانون، وتتم إحالتي إلى المباحث الجنائية لجهلهم بقضية الاضطراب ومعنى الاضطراب ويمثلون الشخص متصورين أني فتاة "مسترجلة" لابد من معاقبتها ويتم تصوير كل جزء من الجسم (الأرجل واليدين والشارب و قصة الشعر واللبس) ويفتح لنا ملف في الجنائية ويتم حبسنا، ومررت بهذا الموقف نحو 8 مرات والسبب أني أعاني"من اضطراب الهوية الجنسية".
وأكدت "أنا وأمثالي نعاني من رفض المجتمع الذكوري الذي ينظر لنا نظرة دونية ويتم قذفنا بكلمات غير لائقة، فلم أعد أحتمل كل تلك الضغوط، فقررت الهجرة خارج الكويت لكي أعيش حياة كريمة وإن كان بعيداً عن أهلي وأصدقائي".
محامية تعيش القضية
المحامية فوزية جناحي تعيش هذه التفاصيل بشكل مستمر لحالات تعاني من "اضطراب الهوية الجندرية"، كما أن هناك قضايا رفعت في البحرين وتم قبولها ورفض أحدها بالرغم من إجراء الحالة لكافة عمليات التحول للجنس الآخر بحجة "الكرومزوم".
وتتزايد هذه الحالات يوماً بعد آخر خاصة مع انتشار حالات لرجال خليجيين أجروا عمليات تحويل جنسي من ذكر إلى أنثى أو العكس وباتوا مشهورين في مواقع التواصل الاجتماعي والمعروفين " بالشيميل" وبات من الصعب أن تفرق بين الفتاة خلقاً والمتحولة بالعمليات الجراحية، وكان لهذه المظاهر أثر سلبي على أناس يعانون من "اضطراب الهوية الجنسية".
تقول المحامية فوزية جناحي لـ "الوطن" إن "اضطراب الهوية الجنسية؟"، مرض يتم اكتشافه عندما يكون الجنين في الأسبوع الثامن من الحمل فهناك هرمونات معينة تتواصل وترسل رسالة للمخ ثم تنتقل إلى الغدة التناسلية حيث إنه في البداية، قبل الأسبوع الثامن من الحمل، تكون الغدد التناسلية غير مصنفة، كلنا في هذه المرحلة لنا القابلية لنكون إناثاً أو ذكوراً، ولكن هذا ليس مصنفاً، عند مرور الأسبوع الثامن من الحمل، يقوم المخ بإرسال هرمونات معينة إلى الغدد التناسلية، لتقوم بتذكير أو تأنيث الغدد التناسلية، والتي بدورها ستقوم بالتحول إلى الجهاز التناسلي المؤنث أو المذكر، لذلك ما يحصل هو خلل بيولوجي، وأن هذه الرسالة ترسل ولكن تعاود إلى الرجوع جزئياً وعندها يحدث الاضطراب.
وتضيف جناحي "العلماء توصلوا إلى أن هذه الخطوط تكون مختلفةً في هؤلاء المرضى، بحيث يشعر الإنسان منذ ولادته أنه ينتمي للجنس المعاكس لجنسه التَّشريحي، وهذا الاختلاف يرجع إلى اضطراب في (الهرمونات) التي يتعرَّض لها الجنين "قبل" الولادة، مما يؤثِّر على "جيناته"، وعليه يؤثر على الخطوط الجنسية بالمخ، فتبدأ مأساة اضطراب الهوية الجنسية.
وعن رفض القضاء البحريني إحدى الدعاوى بسبب الكروموسوم تقول المحامية فوزية جناحي، رفضت المحكمة الدعوى بناء على تقرير طبي يفيد أن الكروموسوم لا يتغير من ذكر إلى أنثى والعكس، لذلك اعتبرت المحكمة أن تصحيح الهوية غير ممكن بسبب هذا العامل، لكن من الناحية العلمية يوجد فرق بين الهوية (gender) والنوع (sex)، حيث يتحدد نوع الإنسان بناء على شكل الأعضاء التناسلية الظاهرية، أما الهوية فتتحدد بناء على التركيبة الجينية للإنسان أو البنية الدماغية المتعلقة بالتأثيرات الهرمونية على الدماغ في فترة التكوين الجنيني.
ومع تطور العلم اكتشف العلماء أن معيار تحديد الجنس من شكل الأعضاء التناسلية لم يكن كافياً لتحديد هوية المولود، واكتشفوا أيضاً أن الكروموسومات بمفردها ليست كافية لتحديد، إذ أن هناك الهرمونات ونسبها والغدد المسؤولة عن إفرازها، فأضاف العلماء معيارا جديدا لتحديد جنس المولود وهو الجينات والهرمونات وأماكن ووقت إفرازها، وأكدت الدراسات أن المتحولين يحملون تركيبة عقل الجنس الذي تحولوا إليه لأن تركيبة البنية الكيميائية للمخ تختلف من الذكر إلى الأنثى.
مشكلات مرضى الاضطراب
ورداً على سؤال حول أبرز المشكلات التى يواجها مرضى الاضطراب الجنسي قالت إن أكبرالمشاكل والعوائق التي تواجه مضطربي الهوية هي أن كثيراً من علماء الدين لا يعرفون على وجه التحديد طبيعة مرض اضطراب الهوية الجنسية، وأحياناً يخلطون بينه وبين الجنسية المثلية أو انحراف السلوك الجنسي والأخلاقي عموماً، وهذه مسؤولية الأطباء النفسيين لكي يوضحوا لهم طبيعة هذا المرض وتداعياته حتى تكون الفتوى صادرة عن بينة. وقد اتضح هذا في فتوى فضيلة الشيخ فيصل مولوي فهو قد قرأ وسمع وعرف الكثير عن المرض، ولذلك جاءت فتواه محددة ومقدرة لصعوبة معاناة المرضى ومتوافقة أيضاً مع ثوابت الدين.
وأشارت إلى أن مرضى اضطراب الهوية يعيشون مأساة مستمرة، فبداية يعانى معظم هؤلاء المرضى من ضائقة مالية تمنعهم من مباشرة العلاج النفسي أو الجراحى لحالتهم، ولا يحصل المريض عادة على وظيفة تليق به، والمجتمع لا يتقبل مرضى اضطراب الهوية سواء قبل إجراء عملية التصحيح أو بعدها، بل أن بعض الأطباء النفسيين لا يتقبلون مرضى اضطراب الهوية الجنسية، إضافة إلى ندرة الاستشاريين النفسيين الملمين بالموضوع في الخليج عموماً والبحرين خاصة، كما يعاني مريض اضطراب الهوية من مشكلة التعايش بالشخصية المغايرة قبل إجراء الجراحة.
ولفتت المحامية فوزية جناحي إلى أنه وفقاً لفتوى الشيخ فيصل المولوي فإن الأصل في علاج الأمراض هو الوجوب والإباحة لقول رسول الله ـ صلي الله عليه و سلم ـ (يا عباد الله تداووا، فإنّ الله جعل لكلّ داء دواء)، و أن الفيصل فى تحديد الداء هو رأي الأطباء المتخصصين.
وقد أفتى الشيخ المولوي بأنه "إذا ثبت برأي جمهور الأطباء وجود حالة مرضية عند بعض الناس سموها (الترانسكس) وهي انفصام حادّ في الحالة الجنسية، بحيث تكون مظاهر الجسد باتّجاه جنس معيّن، بينما تكون مشاعر النفس بالاتجاه الجنسي المعاكس، فإنّ هذه الحالة المرضيّة قد تشتدّ بحيث تصبح حياة صاحبها جحيماً وقد يفكّر بالانتحار"، وقد تفشل كلّ وسائل العلاج النفسي، ولا يبقى أمام الطبيب إلاّ إجراء جراحة التحوّل الجنسي"، وأباح العلماء التداوي بالمحرّم عند وجود الضرورة. وإذا كانت جراحة التحوّل الجنسي محرّمة من حيث الأصل ـ حسب رأي جمهور الفقهاء المعاصرين ـ فإنّها تباح لوجود هذه الضرورة.
فتوى التحول الجنسي
وحول الاعتراض على إجراء تلك العمليات، تقول جناحي، نعم هناك بعض الفقهاء اعترضوا على جراحات التحول الجنسي لأنهم اعتبروها تغييراً لخلق الله، و اعتبروها أيضاً من باب التشبه بالجنس الآخر، و الاعتراض الأول مردود عليها بأن تغيير الخلقة إذا كان لهدف التداوي فهو مباح شرعاً، وأن التغيير المنهي عنه هو الذى يهدف للتجمل فقط، وأما الاعتراض الثاني فمردود عليه بأنه المقصود بالتشبه المنهى عنه هو التشبه في اللباس والزينة والكلام والمشي، وفي حالة اضطراب الهوية فإن المريض لا يتشبه بالجنس الآخر، بل أنه إنسان يشعر أنّه منتمٍ للجنس الآخر شعوراً يغلب كلّ مشاعره وأعماله، بينما له جسد جنس مغاير لطبيعته، وهو يتألم من ذلك ويسعى للخلاص من هذه الإزدواجيّة والانفصام، وحين يجري عمليّة التحوّل الجنسي يشعر أنّه عاد لطبيعته الحقيقيّة، فلا يعود للتشبّه.
لذلك أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية أنه يجب على المريض أن يعرض نفسه على أهل الخبرة من الدكاترة الأخصائيين إذا تحققوا من مخالفة المظهر لواقع الأمر، فيسلم الشخص نفسه إليهم لأن الأمر فى هذه الحالة هو إظهار لحقيقة أمر المريض و إزالة ما ببدنه و كوامن نفسه من غموض.
وتقول جناحي إن هناك ضابطين شرعيين لإجراء عمليات تصحيح الهوية الجنسية وهما:
1ـ أن يبذل المريض نفسه جهداً كبيراً للتكيّف مع حالته الجسديّة، فربّما كانت أحاسيسه أوهاماً لا أصل لها، وربّما استطاع بمساعدة طبيبه ومن يحيط به أن يكتشف نفسه من جديد، أو أن يجعلها تقتنع بقدر الله، فينتهي عنده هذا الشعور بالانفصام بين أحاسيس النفس ومظاهر الجسد.
2ـ أن يسعى الطبيب المعالج من خلال استعمال كلّ وسائل الطبّ النفسي الحديثة إلى معالجته كمريض نفسي، وأن يستمرّ على ذلك مدّة طويلة ـ لا تقلّ عن سنتين ـ وإذا لم يفلح بعدها في العلاج، وظلّ المريض يشكو من حالة الانفصام، وطلب إجراء هذه العمليّة الجراحيّة، فإنّ شروط الضرورة تكون قد تحقّقت، والضرورات تبيح المحظورات.
النص التشريعي
وأوضحت المحامية فوزية جناحي أن البحرين تعتبر رائدة في إصدار أحكام بتصحيح الهوية الجنسية، وقد حصلت على حكمين في هذا المجال، إلا أنه حتى الآن لا يوجد نص تشريعى حاكم يحدد حقوق مرضي اضطراب الهوية الجندرية، بالرغم من أننا في أمس الحاجة لمثل هذا النص لمعالجة مشكلة الخلط بين مرضى الاضطراب وبين المثليين والشواذ.
وفى ضوء التطور العلمى والطبي وما تتصف به الشريعة الإسلامية من مرونة وتحقيق لمصالح الناس، فإن الحاجة أصبحت ماسة لوجود لجنة تضم استشاريين من أطباء الأمراض النفسية والعقلية واستشاريي غدد وهرمونات واستشاريي أمراض ذكورة، بالإضافة لوجود أعضاء يمثلون الهيئات الشرعية وممثل قانوني، على أن تتولى هذه اللجنة مهمة إصدار التقارير الخاصة بمرضى اضطراب الهوية بعد خضوعهم للعلاج النفسي الذي لا يقل عن سنتين. وكما تقول د. ميادة باناجة فإن "وجود إجراءات محددة لهذه اللجنة لتحديد الفيصل بين مرضى اضطراب الهوية الجندرية والمثليين" حتى لا يتم أخذ مرضى الهوية بذنب غيرهم.
المضطربون والإعلام
وأشارت إلى وجود شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تقرِّب بين القاصي والداني بالصوت والصورة بالإضافة إلى تتبع جميع الأخبار التي تدور من حولنا، حيث أصبحت المعلومة تصل إلى الشخص من خلال هاتفه المحمول أسرع من قراءته لها بالصحف أو مشاهدته لها عبر التلفاز.
وفي ظل تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة الاعتماد عليها في تكوين الرأي المجتمعي لدى قطاعات عديدة من المجتمع، فإن تفعيل دور هذه الوسائل لمساندة قضايا ومطالب مرضي تصحيح الهوية الجنسية أضحى أمراً ملحاً، خاصة فى ظل غياب التفرقة بين مرضى الهوية الجنسية وبين المثليين، حيث إن الغالب في وسائل التواصل الاجتماعي هو دمج الفئتان وتصنيف مرضى الاضطراب على أنهم شواذ خلافاً للواقع والتصيف الفعلى الصحيح.
ومن خلال المرور السريع على بعض وسائل التواصل الاجتماعي، فإننا نصطدم بمعالجة سطحية لموضوع تصحيح الهوية الجنسية، وخلط المفاهيم بين الاضطراب الجنسي والشذوذ وغياب المفردات العلمية، لذلك فإن التركيز على وسائل التواصل الاجتماعى أصبح ضرورى لبيان وجهة النظر الشرعية والعلمية فى مرض اضطراب الهوية ودمج المرضى مجتمعياً دون تمييز.
ولكن في نفس الوقت لا نستطيع إنكار الدور الإيجابي لبعض المواقع المتخصصة في معالجة مشكلة اضطراب الهوية الجندرية، وكذلك دور الإعلام البحرينى بصورة خاصة، حيث حدثت واقعة إيجابية لإحدى الحالات التي كانت تعاني من اضطهاد الأسرة لدرجة تم طردها من المنزل، وبعد مشاهدتهم للقاء تلفزيوني ببرنامج مستشارك القانونى واستماعهم للشرح القانوني والطبي لهذا المرض تغير موقفهم وقبلوا بفكرة تحول الحالة إلى هويتها الحقيقية.
"بلغت الـ 43 ومازال إحساس الرجولة يكبر بداخلي، حاولت أن أكون بنتاً طبيعية وأمارس أنوثتي ولكن فشلت المحاولات، الصراع داخلي لا يتوقف.. وقد تم إيقافي 8 مرات من قبل رجال الشرطة بسبب شكلي كرجل، غير أن البطاقة أنثى، المجتمع الخليجي يجهل معنى اضطراب الهوية الجنسية.. فأنا رجل ولست بوية".. تلك حالة ومعاناة أنثى كويتية مضطربة جنسيا ضمن كثير من الحالات التي تمر على مكاتب المحامين.
يقول المضرب جنسياً وفقاً لمكتب المحامية فوزية جناحي "منذ طفولتي لم يتغير فيني إحساس وشعور أني رجل، وكان التعبير عن ذلك في سلوك ذكوري من تصرفات وحديث وفي اختيار الأصدقاء من الأولاد، والألعاب الذكورية تشدني واستمتع بها مع الأولاد ولا تشدني ألعاب البنات".
وأضاف "كبر شعوري معي إلى أن أصبح عمري الآن 43 سنة، وفي مرحلة من العمر بعد 32 سنه عرفت معنى ما أشعر به وهو "اضطراب الهوية الجنسية"، حاولت بشتى الطرق أن أكون بنتاً طبيعية وأمارس الأنوثة ومع كثير المحاولات كنت أتعب وأعاني وأصارع نفسي من الداخل، وكان أهلي يجهلون شعوري، ومع تقدم السن تمردت لأصبح أنا وما أشعر به لأنفس عما بداخلي من شعور يتنافى مع هيئة الجسم الخارجي، فاتجهت للتعبير عن شعوري لكن للأسف المجتمع الكويتي يرفض رفضاً باتاً ما يسمون "ظاهرة البويات"،
ومجتمعي المحلي يحارب أمثالي بشدة كونه يجهل معنى اضطراب الهوية الجنسية والطامة الكبرى حين تم تطبيق قانون التشبه بالجنس الآخر".
ويستطرد قائلاً "عانيت من قانون التشبه بالجنس الآخر، فكم من شرطي خاطبني كرجل وبعد طلب الهوية يتبين لهم أني أنثى بالبطاقة، هنا أصبحت تحت طائلة القانون، وتتم إحالتي إلى المباحث الجنائية لجهلهم بقضية الاضطراب ومعنى الاضطراب ويمثلون الشخص متصورين أني فتاة "مسترجلة" لابد من معاقبتها ويتم تصوير كل جزء من الجسم (الأرجل واليدين والشارب و قصة الشعر واللبس) ويفتح لنا ملف في الجنائية ويتم حبسنا، ومررت بهذا الموقف نحو 8 مرات والسبب أني أعاني"من اضطراب الهوية الجنسية".
وأكدت "أنا وأمثالي نعاني من رفض المجتمع الذكوري الذي ينظر لنا نظرة دونية ويتم قذفنا بكلمات غير لائقة، فلم أعد أحتمل كل تلك الضغوط، فقررت الهجرة خارج الكويت لكي أعيش حياة كريمة وإن كان بعيداً عن أهلي وأصدقائي".
محامية تعيش القضية
المحامية فوزية جناحي تعيش هذه التفاصيل بشكل مستمر لحالات تعاني من "اضطراب الهوية الجندرية"، كما أن هناك قضايا رفعت في البحرين وتم قبولها ورفض أحدها بالرغم من إجراء الحالة لكافة عمليات التحول للجنس الآخر بحجة "الكرومزوم".
وتتزايد هذه الحالات يوماً بعد آخر خاصة مع انتشار حالات لرجال خليجيين أجروا عمليات تحويل جنسي من ذكر إلى أنثى أو العكس وباتوا مشهورين في مواقع التواصل الاجتماعي والمعروفين " بالشيميل" وبات من الصعب أن تفرق بين الفتاة خلقاً والمتحولة بالعمليات الجراحية، وكان لهذه المظاهر أثر سلبي على أناس يعانون من "اضطراب الهوية الجنسية".
تقول المحامية فوزية جناحي لـ "الوطن" إن "اضطراب الهوية الجنسية؟"، مرض يتم اكتشافه عندما يكون الجنين في الأسبوع الثامن من الحمل فهناك هرمونات معينة تتواصل وترسل رسالة للمخ ثم تنتقل إلى الغدة التناسلية حيث إنه في البداية، قبل الأسبوع الثامن من الحمل، تكون الغدد التناسلية غير مصنفة، كلنا في هذه المرحلة لنا القابلية لنكون إناثاً أو ذكوراً، ولكن هذا ليس مصنفاً، عند مرور الأسبوع الثامن من الحمل، يقوم المخ بإرسال هرمونات معينة إلى الغدد التناسلية، لتقوم بتذكير أو تأنيث الغدد التناسلية، والتي بدورها ستقوم بالتحول إلى الجهاز التناسلي المؤنث أو المذكر، لذلك ما يحصل هو خلل بيولوجي، وأن هذه الرسالة ترسل ولكن تعاود إلى الرجوع جزئياً وعندها يحدث الاضطراب.
وتضيف جناحي "العلماء توصلوا إلى أن هذه الخطوط تكون مختلفةً في هؤلاء المرضى، بحيث يشعر الإنسان منذ ولادته أنه ينتمي للجنس المعاكس لجنسه التَّشريحي، وهذا الاختلاف يرجع إلى اضطراب في (الهرمونات) التي يتعرَّض لها الجنين "قبل" الولادة، مما يؤثِّر على "جيناته"، وعليه يؤثر على الخطوط الجنسية بالمخ، فتبدأ مأساة اضطراب الهوية الجنسية.
وعن رفض القضاء البحريني إحدى الدعاوى بسبب الكروموسوم تقول المحامية فوزية جناحي، رفضت المحكمة الدعوى بناء على تقرير طبي يفيد أن الكروموسوم لا يتغير من ذكر إلى أنثى والعكس، لذلك اعتبرت المحكمة أن تصحيح الهوية غير ممكن بسبب هذا العامل، لكن من الناحية العلمية يوجد فرق بين الهوية (gender) والنوع (sex)، حيث يتحدد نوع الإنسان بناء على شكل الأعضاء التناسلية الظاهرية، أما الهوية فتتحدد بناء على التركيبة الجينية للإنسان أو البنية الدماغية المتعلقة بالتأثيرات الهرمونية على الدماغ في فترة التكوين الجنيني.
ومع تطور العلم اكتشف العلماء أن معيار تحديد الجنس من شكل الأعضاء التناسلية لم يكن كافياً لتحديد هوية المولود، واكتشفوا أيضاً أن الكروموسومات بمفردها ليست كافية لتحديد، إذ أن هناك الهرمونات ونسبها والغدد المسؤولة عن إفرازها، فأضاف العلماء معيارا جديدا لتحديد جنس المولود وهو الجينات والهرمونات وأماكن ووقت إفرازها، وأكدت الدراسات أن المتحولين يحملون تركيبة عقل الجنس الذي تحولوا إليه لأن تركيبة البنية الكيميائية للمخ تختلف من الذكر إلى الأنثى.
مشكلات مرضى الاضطراب
ورداً على سؤال حول أبرز المشكلات التى يواجها مرضى الاضطراب الجنسي قالت إن أكبرالمشاكل والعوائق التي تواجه مضطربي الهوية هي أن كثيراً من علماء الدين لا يعرفون على وجه التحديد طبيعة مرض اضطراب الهوية الجنسية، وأحياناً يخلطون بينه وبين الجنسية المثلية أو انحراف السلوك الجنسي والأخلاقي عموماً، وهذه مسؤولية الأطباء النفسيين لكي يوضحوا لهم طبيعة هذا المرض وتداعياته حتى تكون الفتوى صادرة عن بينة. وقد اتضح هذا في فتوى فضيلة الشيخ فيصل مولوي فهو قد قرأ وسمع وعرف الكثير عن المرض، ولذلك جاءت فتواه محددة ومقدرة لصعوبة معاناة المرضى ومتوافقة أيضاً مع ثوابت الدين.
وأشارت إلى أن مرضى اضطراب الهوية يعيشون مأساة مستمرة، فبداية يعانى معظم هؤلاء المرضى من ضائقة مالية تمنعهم من مباشرة العلاج النفسي أو الجراحى لحالتهم، ولا يحصل المريض عادة على وظيفة تليق به، والمجتمع لا يتقبل مرضى اضطراب الهوية سواء قبل إجراء عملية التصحيح أو بعدها، بل أن بعض الأطباء النفسيين لا يتقبلون مرضى اضطراب الهوية الجنسية، إضافة إلى ندرة الاستشاريين النفسيين الملمين بالموضوع في الخليج عموماً والبحرين خاصة، كما يعاني مريض اضطراب الهوية من مشكلة التعايش بالشخصية المغايرة قبل إجراء الجراحة.
ولفتت المحامية فوزية جناحي إلى أنه وفقاً لفتوى الشيخ فيصل المولوي فإن الأصل في علاج الأمراض هو الوجوب والإباحة لقول رسول الله ـ صلي الله عليه و سلم ـ (يا عباد الله تداووا، فإنّ الله جعل لكلّ داء دواء)، و أن الفيصل فى تحديد الداء هو رأي الأطباء المتخصصين.
وقد أفتى الشيخ المولوي بأنه "إذا ثبت برأي جمهور الأطباء وجود حالة مرضية عند بعض الناس سموها (الترانسكس) وهي انفصام حادّ في الحالة الجنسية، بحيث تكون مظاهر الجسد باتّجاه جنس معيّن، بينما تكون مشاعر النفس بالاتجاه الجنسي المعاكس، فإنّ هذه الحالة المرضيّة قد تشتدّ بحيث تصبح حياة صاحبها جحيماً وقد يفكّر بالانتحار"، وقد تفشل كلّ وسائل العلاج النفسي، ولا يبقى أمام الطبيب إلاّ إجراء جراحة التحوّل الجنسي"، وأباح العلماء التداوي بالمحرّم عند وجود الضرورة. وإذا كانت جراحة التحوّل الجنسي محرّمة من حيث الأصل ـ حسب رأي جمهور الفقهاء المعاصرين ـ فإنّها تباح لوجود هذه الضرورة.
فتوى التحول الجنسي
وحول الاعتراض على إجراء تلك العمليات، تقول جناحي، نعم هناك بعض الفقهاء اعترضوا على جراحات التحول الجنسي لأنهم اعتبروها تغييراً لخلق الله، و اعتبروها أيضاً من باب التشبه بالجنس الآخر، و الاعتراض الأول مردود عليها بأن تغيير الخلقة إذا كان لهدف التداوي فهو مباح شرعاً، وأن التغيير المنهي عنه هو الذى يهدف للتجمل فقط، وأما الاعتراض الثاني فمردود عليه بأنه المقصود بالتشبه المنهى عنه هو التشبه في اللباس والزينة والكلام والمشي، وفي حالة اضطراب الهوية فإن المريض لا يتشبه بالجنس الآخر، بل أنه إنسان يشعر أنّه منتمٍ للجنس الآخر شعوراً يغلب كلّ مشاعره وأعماله، بينما له جسد جنس مغاير لطبيعته، وهو يتألم من ذلك ويسعى للخلاص من هذه الإزدواجيّة والانفصام، وحين يجري عمليّة التحوّل الجنسي يشعر أنّه عاد لطبيعته الحقيقيّة، فلا يعود للتشبّه.
لذلك أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية أنه يجب على المريض أن يعرض نفسه على أهل الخبرة من الدكاترة الأخصائيين إذا تحققوا من مخالفة المظهر لواقع الأمر، فيسلم الشخص نفسه إليهم لأن الأمر فى هذه الحالة هو إظهار لحقيقة أمر المريض و إزالة ما ببدنه و كوامن نفسه من غموض.
وتقول جناحي إن هناك ضابطين شرعيين لإجراء عمليات تصحيح الهوية الجنسية وهما:
1ـ أن يبذل المريض نفسه جهداً كبيراً للتكيّف مع حالته الجسديّة، فربّما كانت أحاسيسه أوهاماً لا أصل لها، وربّما استطاع بمساعدة طبيبه ومن يحيط به أن يكتشف نفسه من جديد، أو أن يجعلها تقتنع بقدر الله، فينتهي عنده هذا الشعور بالانفصام بين أحاسيس النفس ومظاهر الجسد.
2ـ أن يسعى الطبيب المعالج من خلال استعمال كلّ وسائل الطبّ النفسي الحديثة إلى معالجته كمريض نفسي، وأن يستمرّ على ذلك مدّة طويلة ـ لا تقلّ عن سنتين ـ وإذا لم يفلح بعدها في العلاج، وظلّ المريض يشكو من حالة الانفصام، وطلب إجراء هذه العمليّة الجراحيّة، فإنّ شروط الضرورة تكون قد تحقّقت، والضرورات تبيح المحظورات.
النص التشريعي
وأوضحت المحامية فوزية جناحي أن البحرين تعتبر رائدة في إصدار أحكام بتصحيح الهوية الجنسية، وقد حصلت على حكمين في هذا المجال، إلا أنه حتى الآن لا يوجد نص تشريعى حاكم يحدد حقوق مرضي اضطراب الهوية الجندرية، بالرغم من أننا في أمس الحاجة لمثل هذا النص لمعالجة مشكلة الخلط بين مرضى الاضطراب وبين المثليين والشواذ.
وفى ضوء التطور العلمى والطبي وما تتصف به الشريعة الإسلامية من مرونة وتحقيق لمصالح الناس، فإن الحاجة أصبحت ماسة لوجود لجنة تضم استشاريين من أطباء الأمراض النفسية والعقلية واستشاريي غدد وهرمونات واستشاريي أمراض ذكورة، بالإضافة لوجود أعضاء يمثلون الهيئات الشرعية وممثل قانوني، على أن تتولى هذه اللجنة مهمة إصدار التقارير الخاصة بمرضى اضطراب الهوية بعد خضوعهم للعلاج النفسي الذي لا يقل عن سنتين. وكما تقول د. ميادة باناجة فإن "وجود إجراءات محددة لهذه اللجنة لتحديد الفيصل بين مرضى اضطراب الهوية الجندرية والمثليين" حتى لا يتم أخذ مرضى الهوية بذنب غيرهم.
المضطربون والإعلام
وأشارت إلى وجود شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تقرِّب بين القاصي والداني بالصوت والصورة بالإضافة إلى تتبع جميع الأخبار التي تدور من حولنا، حيث أصبحت المعلومة تصل إلى الشخص من خلال هاتفه المحمول أسرع من قراءته لها بالصحف أو مشاهدته لها عبر التلفاز.
وفي ظل تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة الاعتماد عليها في تكوين الرأي المجتمعي لدى قطاعات عديدة من المجتمع، فإن تفعيل دور هذه الوسائل لمساندة قضايا ومطالب مرضي تصحيح الهوية الجنسية أضحى أمراً ملحاً، خاصة فى ظل غياب التفرقة بين مرضى الهوية الجنسية وبين المثليين، حيث إن الغالب في وسائل التواصل الاجتماعي هو دمج الفئتان وتصنيف مرضى الاضطراب على أنهم شواذ خلافاً للواقع والتصيف الفعلى الصحيح.
ومن خلال المرور السريع على بعض وسائل التواصل الاجتماعي، فإننا نصطدم بمعالجة سطحية لموضوع تصحيح الهوية الجنسية، وخلط المفاهيم بين الاضطراب الجنسي والشذوذ وغياب المفردات العلمية، لذلك فإن التركيز على وسائل التواصل الاجتماعى أصبح ضرورى لبيان وجهة النظر الشرعية والعلمية فى مرض اضطراب الهوية ودمج المرضى مجتمعياً دون تمييز.
ولكن في نفس الوقت لا نستطيع إنكار الدور الإيجابي لبعض المواقع المتخصصة في معالجة مشكلة اضطراب الهوية الجندرية، وكذلك دور الإعلام البحرينى بصورة خاصة، حيث حدثت واقعة إيجابية لإحدى الحالات التي كانت تعاني من اضطهاد الأسرة لدرجة تم طردها من المنزل، وبعد مشاهدتهم للقاء تلفزيوني ببرنامج مستشارك القانونى واستماعهم للشرح القانوني والطبي لهذا المرض تغير موقفهم وقبلوا بفكرة تحول الحالة إلى هويتها الحقيقية.