فانثارا بلدة اسبانية صغيرة تقع على سفح جبل في منطقة فالنسيا وتعاني من انقسامات سياسية منذ فترة طويلة..إلا أن فناني شوارع أتوا من العالم بأسره ساهموا في لملمة جراحها. ويوضح المستشار البلدي السابق خافيير لوبيث وهو يتجول في الأزقة الضيقة في القرية البالغ عدد سكانها 250 الف نسمة والتي أسست خلال الفتوحات الاسلامية في القرن الثاني عشر، "اردنا مشروعا يتجه نحو الفن والثقافة يمكن للجميع التعاون في اطاره ويسمح بالتعايش بين السكان". فخلافات مريرة تقسم منذ سنوات البلدة التي يرتاد مدرستها 18 تلميذا فيما غالبية سكانها من المتقاعدين، بسبب مشروع اقامة مصنع لمعالجة النفايات السامة. وقد كانت الغلبة في نهاية المطاف للمدافعين عن البيئة في حين خسر رئيس البلدية اليميني المروج للمشروع، منصبه بعد انتخابات العام 2011. - الحانة العليا او الحانة السفلى؟ - ومنذ ذلك الحين تعاني القرية من اجواء متوترة على ما يفيد السكان. فثمة قطيعة بين بعض الناس وتبادل للاتهامات الغريبة مثل السحر الاسود. وثمة حذر كبير بين الطرفين اللذين لا يختلطان. فالمعسكر المؤيد للمشروع يرتاد "الحانة العليا" في القرية ومعارضوه "الحانة السفلى". وتقول عالمة الاحياء آنا ارانث (53 عاما) الجالسة في "الحانة السفلى"، "لم نكن نرتاد الحانة العليا لانها مسألة مبدأ فهي ملك للشخص الذي اراد اقامة المطمر". ويؤكد زبون في الحانة الأخرى يدعى مارك ثاباتا وهو اطفائي في الثانية والعشرين "كنا نعرف انتماء كل شخص الحزبي من خلال الحانة التي يرتادها". وأعادت القضية خصوصا نكء جراح قديمة تعود الى الحرب الاهلية (1936-1939) : فمن جهة مؤيدو اليمين هم احفاد نحو 15 شخصا رماهم الجمهوريون بالرصاص عندما كانوا يسيطرون على القرية ومن جهة ثانية ابناء واحفاد المعسكر اليساري نسبيا واشخاص استهدفهم قمع الديكتاتور فرانكو. الا ان المجلس البلدي الجديد اليساري المنحنى قرر في صيف العام 2014 "تغيير اجواء" القرية مع اقامة جدار كبير يشارك في تزيينه كل المقيمين في القرية والفنانين المدعوين. - الفن الجداري - وجذبت الفكرة فنانين عدة. ويقول الفنان الاسباني اومبريه لوبيث "الهدف من الفن الجداري هو بالتحديد الوصول إلى الناس وإخراج الفن من المتاحف" موضحا انه انجذب الى هذا "المشروع الاجتماعي" القريب من جذور فن الشارع "ستريت آرت". وأفضت هذه المبادرة في ايلول/سبتمبر 2014 إلى مهرجان فعلي بمشاركة 21 فنانا. وقد صعد بعضهم الى رافعات وراحوا يضفون الالوان على الجدران برسماتهم. وقد وضعت في تصرفهم بالأساس عشرة جدران بسبب حذر سكان القرية من هذه المبادرة. ومع مرور ثلاث سنوات أسست قرية فانثارا مهرجان "متحف فن المدني غير المكتمل" ليصبح محطة لرواد مهرجانات عريقة في فن الشارع مثل هاواي وكوبه ونيويورك وكوبنهاغن ولصالات العرض التي تتهافت على هذا الفن الذي يعتبر البريطاني المتكتم بانكسي احد رموزه. وتمكن الفنانون خصوصا من كسب ثقة السكان من خلال العمل معهم مبتكرين اعمالا مرتبطة بهم. فقد عمد اومبريه لوبيث الى رسم اوجه جيران على حصى عثر عليها في نهر قريب فيما عمد فنان اخر الى رسم روبوت يطارد هررة في زقاق تجتاحه قطط فعلية. وتقول اليزا ايدو البالغة 64 عاما "هنا الحياة جميلة وهادئة ... فثمة صيدلية وطبيب وملحمة ومخبز.. والان مع المهرجان وصلنا الى العالمية! ونحن ننفتح كثيرا مع كل الناس الذين يأتون من مناطق ودول اخرى" للاطلاع على الاعمال. وفي العام 2015 في النسخة الثانية من المهرجان، استضاف الكثير من السكان فنانين في منازلهم في اطار مشروع جديد بعنوان "تبنوا فنانا". ويوضح اومبريه لوبيث "اكثر ما اعجبني هو التغير الحاصل لدى هؤلاء الاشخاص". واصبح الكثير من المقيمين في القرية خبراء في فن الشارع وينظمون جولات للزوار. - النسخة الرابعة من 6 الى 9 تموز/يوليو- ولا تزال الاعمال المئة والخمسة التي انجزت في النسخ الثلاث الماضية، قائمة. وحتى في عز الشتاء يأتي زوار الى فانثارا يجولون في ازقة القرية بحثا عن عمل فني اتى ذكره في الصحف. فهنا مجموعة من برشلونة وهناك فرنسية برفقة انكليزي. ويرن هاتف منظمي المهرجان بانتظام لاقامة زيارات لتلاميذ. وقد اتى اكثر من 2300 طفل منذ العام 2015 فاضفوا حيوية على يوميات مسني القرية. وقد ارتفع رقم اعمال الحانتين بشكل كبير جدا. وتقول ساره مارتيني (21 عاما) وهي جالسة في "الحانة العليا"، "لقد فقدنا الطابع الحميمي لقرية صغيرة. وخلال فترة المهرجان يرسمون حتى حلول الظلام ونسمع بانتظام هدير الرافعات". إلا ان صديقتها الطالبة الجامعية آنا فنتورا فترى ان "هذا الامر جيد لقد سمح لنا ذلك ان نشتهر". وترحب رئيسة البلدية الاشتراكية آنا روميرو بانعكاسات هذا النجاح موضحة "القرية في وضع افضل.. وأظن ان المعارضين يشكلون اقلية". وهي تأمل ان يبقى المشروع "تحت السيطرة". وتقام الدورة الرابعة من المهرجان من السادس من تموز/يوليو الى التاسع منه. وقد تقدم اكثر من 200 فنان بطلبات وهم يأتون من بلدان كثيرة مثل بريطانيا وتشيلي وفرنسا والارجنتين وجنوب افريقيا وأستراليا وأوكرانيا والبرازيل.
{{ article.visit_count }}