بعد عجز أهالي قرية مصرية عن إخماد حرائق تشتعل بلا سبب في بيوتهم وتنطفىء وحدها لتشتعل مجدداً، قررت الحكومة إرسال مشايخ إليهم لمعالجة المشكلة بالرقية الشرعية، بعدما تسببت لهم الحرائق بنزوح جماعي وافتراش الشوارع.

واشتعلت الحرائق في منازل قرية مصرية على مدار شهرين، وعجزت الأجهزة الرسمية عن الوصول إلى الجناة، بينما اتهم الأهالي "الجن والعفاريت" بإشعال النيران في منازلهم، وبدلًا من البحث عن الأسباب، أرسلت إليهم الحكومة وفداً من مشايخ وزارة الأوقاف لقراءة الرقية الشرعية بغية طرد الجنّ، وإبطال السحر.

وفي ظاهرة محيّرة، تشتعل النيران منذ شهرين في منازل أهالي قرية ميت الكرماء في مركز طلخا محافظة الدقهلية في مصر.

وعادة ما تندلع النيران في أثاث منازل الأهالي، ثم تنطفئ وحدها، بدون أي تدخل منهم، وتكررت الحرائق أكثر من 35 مرة خلال شهرين.

ففي منزل عبد الله المنسي، المكون من ثلاث طبقات، اشتعلت النيران في الأثاث، ثم انطفأت وحدها بدون تدخل منهم، ثم اشتعلت مرة أخرى، وانتقلت ألسنة اللهب سريعاً إلى الطبقات الثلاث.

ووفقًا لرواية صاحب المنزل، عبد الله المنسي، فإن الحرائق تتكرر بصفة شبه يومية، في منازل أهالي القرية، مما اضطرهم إلى هجرها، والمبيت في الشوارع، كأنهم مشرّدون بلا مأوى. مشيراً إلى أنه اضطر إلى نقل ما تبقى من الأثاث إلى منازل جيرانه، ولكن حدثت مفاجأة غير متوقعة.

أوضح أن النيران ما لبثت أن اشتعلت في منازل جيرانه، الذين نقل إليهم أثاث منزله، وعددها أربعة منازل. وأشار المنسي إلى أنه عندما نقل أثاث منزله إلى منزل قديم، يملكه أحد جيرانه، فوجئ باشتعال النيران فيه، لافتًا إلى أنه عندما نقله إلى منزل آخر احترق أيضًا.

تكرر الأمر مع مجموعة أخرى من الجيران، فأصبحوا جميعًا مشرّدين في الشوارع، بعدما تركوا منازلهم خشية احتراقهم بداخلها، وخوفًا من أذى الجن والعفاريت، على حد قوله.

يتهم الأهالي القرية، "الجن والعفاريت" بإشعال النيران في منازلهم، وتسيطر عليهم حالة من الخوف والذعر، فيتركون بيوتهم وينامون في المساجد أو في الشوارع أمام المنازل.

يقدم الأهالي روايات غريبة للحرائق. إذ يقول عوني إبراهيم، صاحب منزل تكرر اشتعال النيران فيه، إن "الحرائق أمسكت بالمنزل أكثر من مرة خلال شهر".

أضاف لـ"إيلاف" إن طبيعة الحرائق غريبة جدًا، موضحًا أن النيران تشتعل في فرشة (مرتبة) السرير وتحرقها، لكن السرير نفسه لا يحترق، رغم أنه خشبي. لافتًا إلى أن النيران تشتعل وتنطفئ وحدها بدون تدخل من أحد.

ويزعم أن خزانة الملابس احترقت بما فيها، لكن الغرفة لم تحترق، منوهًا بأن الأحذية أمام باب المنزل تحترق وحدها، كما احترقت سجادة في المنزل، ولم تنجح الطفايات في إخماد النيران، وعند صبّ المياه عليها انطفأت.

وأشار إلى أن الأهالي تركوا منازلهم، وصاروا يقيمون في الشوارع، خوفًا من الجن والعفاريت، ومطالبًا الأزهر بالتدخل من أجل حمايتهم، وإيقاف الحرائق.

عجزت الأجهزة المحلية في محافظة الدقهلية عن مواجهة الظاهرة، ولم يجد الأهالي بدًا من اللجوء إلى الشيوخ الإسلاميين، لاسيما في ظل اعتقادهم الراسخ بأن الجنّ والعفاريت تقف وراء احتراق المنازل.

وكشف الأهالي أن محافظ الدقهلية، الدكتور أحمد الشعراوي، أرسل إلى القرية أحد المشايخ، "لمعالجة الأمر بالقرآن"، وذكروا أن الشيخ أخبرهم بوجود "جان يشعل الحرائق في منازلهم، وطلب منهم غسل بيوتهم بالمياه والملح والزهرة".

وقررت وزارة الأوقاف التدخل في الأزمة، فقال الشيخ محمد إبراهيم سليمان، رئيس قسم الثقافة والإرشاد في مديرية الأوقاف في الدقهلية، في تصريح له، "إننا أرسلنا إلى إدارة أوقاف طلخا لبحث أزمة إدّعاء وجود عفاريت في قرية ميت الكرماء التابعة لمركز طلخا في محافظة الدقهلية"، مشيرًا إلى أنه "من الأفضل المتابعة عن طريق لجنة من جامعة المنصورة لكشف سبب تلك الحرائق بشكل علمي، وبحثية وهندسة الإلكترونات، حتى لا نخضع لجدل وشعوذة، ونسلم لهما، فتكون مهزلة، حيث قام الأهالي بإحضار شيوخ على طريقتهم الخاصة".

فيما قال الشيخ عبد الوهاب أبو العمايم، رئيس إدارة أوقاف طلخا: "شكلنا وفدًا من المشايخ ترأسته، وذهب إلى القرية التي تدّعي وجود حرائق، وعاينا الوضع على الطبيعة، وقمنا بقراءة الرقية الشرعية، والجلوس مع الأسر التي تحترق منازلها". أضاف في تصريح له: "نصحنا الأهالي بضرورة استمرار الرقية لمدة 15 يومًا، لاسيما أن هذا الوضع مستمر منذ شهرين، وعندما يتنقل الأهالي إلى أماكن أخرى تحترق". محاضر ضد العفاريت لم تفلح "الرقية الشرعية"، التي نفذها مشايخ وزارة الأوقاف، في إيقاف الحرائق، وحرر الأهالي محاضر في مركز شرطة طلخا، متهمين فيه الجنّ والعفاريت بإشعال النيران في منازلهم، وتجاهل الحكومة لمأساتهم، فحضرت قوات من الشرطة إلى القرية، وأجرت معاينة للمنازل المحترقة، ولكن من دون أية نتائج. أمام تدهور الأوضاع واستمرار الحرائق، وعجز الأجهزة التنفيذية في الحكومة عن مواجهتها أو التوصل إلى الأسباب المباشرة، قطع الأهالي خطوط السكة الحديدية، التي تمر من أمام قريتهم، وتجمهروا على الطرق الرئيسة، مطالبين الحكومة بالتدخل، لحل أزمتهم، التي مازالت مستمرة. اتخذت الأزمة بعدًا سياسيًا، وطالب حزب الأحرار في الدقهلية، مدير الأمن ومأمور مركز طلخا، بالتدخل، وكشف ملابسات اشتعال النيران بشكل متكرر داخل منزل في قرية ميت الكرماء، من دون معرفة السبب.

وقال بيان صادر من الحزب، إن حالة من الفزع يعيشها أهالي منطقة السعودية في القرية، نتيجة الحرائق المتكررة في منزل مواطن يدعى عبدالله المنسي، وتدمير كل محتوياته وآثاثه، واشتعال النيران فيه بشكل يومي من دون سبب واضح.

وأضاف: "شهود عيان أكدوا سماعهم أصوات حجارة تلقى على المنزل من الخارج مساء كل ليلة، وعند خروجهم لاستطلاع مصدرها يفاجأون باندلاع ألسنة لهب من داخله"، مشيرًا إلى أن "الحريق يبدأ بدخان كثيف، ثم يتحول إلى نيران تلتهم ما يقابلها".

وقال حماده عوضين، أمين الحزب، في البيان، "ملاك المنزل أحضروا شيوخًا كثيرين، روى كل منهم رواية عكس الأخرى، فمنهم من قال إنه جنّ ساكن في المنزل أو غاضب عليهم، ومنهم من قال إن هناك من سلّط الجان عليهم ليتركوا المكان".

أشار إلى أن النيران التهمت المنزل بكامله، ولم يتبقَ فيه شيء غير الحوائط والجدران المحروقة، وحسب رواية المتضررين فإن الجن لم يكتفِ بالحرائق فقط، بل يقذفهم يوميًا بالحجارة!.

وذكر أن "النيران تلتهم كل شيء في المنزل، عدا المصحف والآيات القرآنية"، مطالبًا المسؤولين بكشف الأسباب والتحقيق في الواقعة.