مع أكثر من 340 تنويعا شفاهيا لحكاية سندريلا، من الصعب أن نتجاهل الضجيج الذي أثاره خطأ في الترجمة في الحكاية بحيث تحول الحذاء المصنوع من الفراء vair بالفرنسية إلى زجاج verre في النسخة التي دونها تشارلز بيرول.
في نسخ أخرى من الحكاية، نجد الخف صنع من جلد ذهبي، ومعادن ثمينة، وساتان، وحرير وفضة ومخمل، وإن تأملنا في هذا الخطأ على أنه عابر فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن نص بيرول كان أول سرد مكتوب عن القصة ينشر لجمهور أوروبي أرستقراطي مثقف.
فقد أقصيت حكايا الجنيات بوصفها تقليدا شفاهيا سوقيا للطبقة الفلاحية، قبل أن ينشر بيرول ومشايعوه كتبهم في الصالونات الأدبية الباريسية في أواخر القرن السابع عشر.
لقد كان الفلاحون الأميون الذين يتحلقون حول المواقد في بيوتهم، والتجار المسافرون في الحانات والنزلات إضافة إلى الكهنة، يستمعون إليها باللهجة العامية. لكن بيرول لعب دورا مهما سواء في النهوض بحكايا الجنيات الأدبية، أو في التحويل الثقافي لها. فقد بدل وعدل الحكايات لجذب طبقة النبلاء والمدينيين الفرنسيين وجعلها تروق للجمهور الأرستقراطي والبورجوازي.
فالفراء كان مادة تقتصر على أثرياء المجتمع ونخبته في أوروبا في القرن السابع عشر، وهو يشير إلى تراتبية اجتماعية محددة، سيما إن علمنا أن القرن السابع عشر فرض قوانين الإنفاق (تلك التي تتعلق باللباس) لمنع البشر من ارتداءه.
أما أن ترتديه فتاة من العامة فقد كانت فكرة هدامة على الصعيد الاجتماعي، ولو أن بيرول جعل من حذاء سندريلا فراء، لما كانت الطبقات المتسيدة قبلت الحكاية.
فللفراء مسحات من استعارات الخرافة "المتوحشة" والوثنية وعدم النقاء، والإثم، التي لن تناسب الأذواق الرفيعة أو معتقدات الجمهور الذي توجه إليه بيرول.
أقامت حكايات الأخوين غريم مقارنة بين شخصية سندريلا و"الطبيعة" (أي بالنزعات الحيوانية). فهي تصف سلوكها مثل "السنجاب": "تسلقت الأغصان مثل سنجاب".
و لن يكون غريبا والحال كذلك إن نحن علمنا أن كلمة vair الفرنسية تعني أيضا فراء السنجاب الرمادي، وهنا يمكن لنا أن نأخذ بعين الاعتبار فكرة وصف الأخوين غريم للسنجاب على أنها صدى غير متعمد لخطأ الترجمة الحاصل بين كلمتي vair- verre و/أو أنها إيحاء مشفر لإمكانية هذا الخطأ.
حذاء سندريلا رمز لاستقلالها ومفتاح دخولها إلى الأنوثة، فهو "يعرفها" كما أنه رمز شخصيتها، باختصار هو تجسيد لها. وإذا كان الحذاء صنع من vair أي من فراء السنجاب الرمادي، فإن سندريلا تشبه السنجاب، وهنا يمكن القول إن الفراء يشير إلى الجانب البدائي فينا، أي "شبيهنا الحيواني" أو "النسخة الحيوانية منا". وما هذا الشبيه سوى الجانب غير المتطور من الذات.
حذاء سندريلا، سواء صنع من زجاج أم شُغِل من فراء، هو رمز أدبي فاعل، ويمكن النظر إليه كتجسيد لجوهر كينونة ووجود الشخصية.
تقول ماري لوي فون فرانز: "الحذاء رمز القوة، ويمثل وجهة نظرنا فيما يتصل بالواقع، ومقدار ثبات أقدامنا على الأرض. وحجم دعم الأرض لنا، وهذا ما يعطينا حجم قوتنا".
وإن صادقنا على أن الحذاء بوصفه رمزا للقوة كما تقول فرانز، فيجب القول إنه انعكاس لشخصية المرء، فإن كان زجاجا فهو هش وقابل للكسر، وهذا ينسحب على صاحبته، وهنا فقط يمكن تأويل خيار بيرول في تزيين قدم سندريلا بحذاء من زجاج على أنه فعل من أفعال السادية وكراهية النساء.
وإن تشظى الحذاء وانكسر، فستضطر سندريلا إلى الوقوف على كسر الزجاج التي ستوجعها وتشوه قدميها، ناهيك عن أن دمج سندريلا مع هشاشة الزجاج يجرد شخصيتها من رمز القوة الحيوانية التي تتجسد بالفراء، وهنا لا بد من التنويه أن الحذاء الزجاجي في فيلم "سندريلا" الذي أنتجه "والت ديزني" والمقتبس من نسخة بيرول، يهشم سندريلا ويضعها موضع الخطر.