في كلمة موجزة لا نستطيع من خلالها الإحاطة بدراسة شخصية استمر صاحبها -خلال 50 عاماً من العطاء المتواصل في حقل الفن التشكيلي- رفد الحركة التشكيلية في البحرين بتجارب في مضمار تشكيلي للفن، متابعاً ما يدور في العالم من اتجاهات ومدارس مختلفة، ومطلعاً على كل جديد في الفن العالمي، في هذه العجالة، اخترت بعض التجارب التي امتاز بها فناننا راشد العريفي وأصبحت متوائمة مع شخصيته الفنية.
وفي اختيار العريفي للأسلوب الذي اتبعه في تقديمه على الساحة الفنية خلال مشواره الفني، كأحد رواد الحركة الفنية في البحرين، عندما يسأل عن بدايته في الرسم يقول، إنه أحب الرسم منذ طفولته الأولى، حيث عاش في بيئة شعبية محافظة في المحرق كانت تعج بالموروث الشعبي الذي تغير مع حلول الأنماط الجديدة في الحياة المعاصرة، ببحثه المستمر عن الأسلوب الذي يناسب ميوله الفطري، وكذلك تأثره بالدراسات الفنية الجديدة في العالم، وكيف يحدد هويته الذاتية والاجتماعية التي تعطيه تلك الهوية، أو الرجوع إلى الفنون الإسلامية المتوارثة أو الحرف الشعبية التي يهيئها طابعها المميز ودلالاتها الإيجابية.
الإجابات العملية على تلك الأسئلة، أن كل فرد من رواد الحركة التشكيلة له طابع مميز، كما كان الأمر مع تجربة العريفي، حيث آثر أن يجعل من مفردات الحضارة (الدلمونية) مسرباً إلى لوحته، محاولاً في أول الأمر التعرف على القيمة التعبيرية لهذه المفردات التاريخية، عن طريق الرصد والملاحظة والدراسة.
كلما درس العريفي هذا الفن، استخلص قيماً تعبيرية مشتركة تحدد ملامح المدرسة الدلمونية كفن محلي وتراث إنساني، من خلال قراءته لها قراءه معاصرة.
عندما يبدأ العريفي الرسم تنهال عليه الأفكار التي يسطرها على اللوحة التي أمامه. فلم يكن قد خطط للموضوع الذي يريد رسمه، إلا أنه يأتي من خلال أفكار آنية ويتحول إلى عمل فني.
وعندما يسأل كيف رسمت الموضوع يقول: "إنها فكرة تحولت إلى موضوع على القماش، أناملي هي التي تحركت على المساحة البيضاء التي تحضر مسبقاً لموضوع محدد".
مرسم الجمعية، والمشغل الفني وصالة الندوة الأسبوعية.. اجتماع أسبوعي يتحول فيه المرسم إلى خلية نحل، الكل يعمل، إما وقوفاً أمام حامل اللوحة، حيث يخطط الفنان ما يريد رسمه، أو جلوساً على المقاعد في الجانب الآخر من القاعة يتناقشون في قضايا ومواضيع مختلفة، ومعظمها يصب في قضايا الفن والمعارض والمدارس الفنية وتطورها في العالم.
وكثيراً ما كان يستقبل ضيوفاً من الفنانين الزائرين. منذ عشرات السنين ولم يغلق المرسم أبوابة، وراشد العريفي لم ينقطع عن القدوم إلى المرسم إلا ما ندر. جل أعماله الفنية نفذها في هذا المكان.
أعجبني كلام لأحد الرسامين الشباب في "الفيسبوك" وهو يتحدث عن راشد في وصف دقيق عن الرجل، يقول: "غاب راشد عنا، أنا جد حزين، هو الذي قبلني بأن أكون عضواً في الجمعية، وأنضم إلى المجتمع الفني، كان طيب المعشر دمث الأخلاق وهو على الدوام بشوش ومرح، في يوم الجمعة يوم اجتماع الفنانين في المرسم كنا نستمتع بالرسم معه، تحيط به طاقة هدوء، كان يرسم بأصابعه بدلاً من الفرشاة، في بعض الأحيان يستريح على "الكرسي" يتراءى لنا نائماً وبعض أحاديثه تميل إلى الفلسفة الخاصة به".
يرتدي العريفي طرازاً من اللباس المميز ويهتم كثيراً بمظهره ولباسه. لقد عاش كل جوانب حياته وترك بصمته في سجل الفن التشكيلي في البحرين، حيث اجتهد في إبراز قيم جمالية في أعماله الفنية.
إن الفن هو نشاط بشري يعبر فيه الفنان عن فكرة إبداعية، ويقال إن الفن خلق وإبداع، إلا إن هذا الخلق لا بد له أن يبدأ من شيء موجود "مادة معينة" وأن يعالجها الفنان بإبداع، ومن خلالها يصل إلى الفن الذي يتفاعل مع التراث الإنساني للشعوب المختلفة، ويتحاور مع الناس الموجودين حوله.
ومهما ابتعد عن الواقع أو بدل فيه أو حاوره، إن هو إلا شكل يحتاج إلى الآخرين الذين يتوجه إليهم كي يقبلوه أو يرفضوه.. هذا ما فعله راشد في طرحه أسلوبه الذي قدمه إلى جمهور الفن. رحل راشد وبقي فنه مادة للدراسة.