قرر سعود العيدي، الذهاب بعيداً من ساحل الخبر وضفاف الساحل الشرقي، إلى مكان يكتنفه الغموض، لم تتوفر عن هذا المكان معلومات كثيرة، وأهله لا يختلطون بالناس بشكلٍ كبير، فطبيعتهم تحتم عليهم المكوث في مكانهم وعدم الاختلاط بأهل المدن. فهم يعيشون في مكانٍ لهم فيه إرثٌ، فطارق بن زياد أحد رموزهم الذين يفاخرون به، إلى جانب كونه مسلماً، هو أمازيغي وبصفةٍ أخرى من "الطوارق" ذوي الغطاء الأبيض، سكان الرمال البيضاء المتحركة التي لم تدفعهم للتحرك يوماً عن أرضهم، أرض الغموض والحياة الصعبة.
كل ذلك وأكثر دفع سعود إلى خوض مغامرةٍ جديدة بجانب مغامراته التي يخوضها في أرجاء المعمورة سعياً للتعرف على الإنسان. قال لـ"العربية.نت": "التعرف على الإنسان في هذا العالم كان هو الدافع الأساسي لزيارة الطوارق، نعرف الكثير عن الأماكن في هذا العالم، ولكن لا نعرف إلا القليل عن الإنسان الذي خلقه رب العالمين وهيأ له كل تلك الأماكن ليعمرها ويتعامل معها بإحسان". وأضاف: "الطوارق ينتمون لأمة عاشت وسكنت الصحراء الكبرى منذ آلاف السنين، وبسبب تلك العزلة لا نعرف عنهم غير الحكايا والقصص التي نسجت عنهم".
يتمركز الطوارق في خمس دول بعد أن كانت دولة واحدة فيما مضى من الدهر، لكنهم اليوم بين خمس دول هي "ليبيا، والجزائر، وبوركينافاسو، ومالي، والنيجر". كما يصعب الوصول إلى الطوارق المتواجدين في دول توجد فيها نزاعات، لكن سعود وجد طريقا إلى طوارق الجزائر الذين استطاع الوصول إليهم عندما تعرف على بعض الأشخاص من الطوارق خلال تواجده بالجنوب الجزائري، فلا يمكنك الذهاب إلى صحراء الأمازيغ إلا عن طريق دليل يعرف الصحراء جيداً.
الصحراء ليست صحراء.. هكذا بدأ سعود يتحدث حول معلوماتٍ تاريخية عن الصحراء الكبرى "الصحراء الكبرى عالم مثير لم يكتشف بعد، هي ليست صحراء من عدم كما نعتقد، بل هي كما وصفها أديب الطوارق إبراهيم الكوني (الصحراء ليست لا شيء! هي كل شيء ولكنه ممتنع)، أرضهم كبيرة جداً ومتنوعة فيها الجبال الشاهقة التي قد يصل ارتفاع بعضها إلى 3000 متر عن سطح البحر، وفيها الأودية والأنهار، وفيها الأرض القاحلة".
وأضاف: "الغموض الذي يكتنف هذه المنطقة يتمحور حول سببين في نظري، الأول نتحمله نحن في عدم البحث عنهم، إما لعدم رغبتنا في التعرف على الإنسان، أو لصعوبة الوصول لهم. السبب الثاني يتحمله الطوارق أنفسهم في عدم اهتمامهم بكتابة كل ما يتعلق بهم، سواء في التاريخ أو الأدب وغيره، وكثير من المؤخرين حتى ابن خلدون نفسه اعتمد في توثيق بعض الأحداث عنهم عن طريق النقولات الشفهية والقصص والحكايا، فتاريخهم لم يدون للأسف".حقيبةٌ بالعنق، ونجومُ بالجوار، هكذا وصف سعود 18 ليلة مكثها في أرض الطوارق التي لا تعرف التمدن: "كنت أحمل في حقيبتي كل شيء، فكنت أنا والدليل نهاية كل يوم نختار مكاناً للمبيت، وننام في الهواء الطلق مفترشين الأرض متلحفين السماء! ولو كنت سأندم على شيء في حياتي لندمت على كل ليلة قضيتها لم أشاهد فيها النجوم، فمنظر السماء ليلاً وهي ممتلئة بالنجوم لوحة ربانية تسحر العين لم تمسها يد بشر!".
قضى سعود أكثر من أسبوعين كان فيهما برفقة أدلاء طوارق يعرفون الصحراء "شبراً.. شبراً"، وقبل الرحلة كان رتب حقيبة خاصة توجد بها كل احتياجاته اليومية ومهيأة بكل ما يتعلق بالطعام والمبيت والتنقل، الدليل كانت مهمته هي الدلالة فقط: "بدأت في صحراء الهقار كما يطلق عليها، والتي يوجد بها منطقة (آسكرام) المصنفة كأجمل غروب شمس في العالم، حسب منظمة اليونيسكو، ثم بدأت في التنقل حتى وصلت إلى صحراء التاسيلي".
يغلب على الطوارق الخجل والحياء الشديد كما قال سعود، بعكس ما يظهر على أشكالهم من شدة وبأس: "فهم عشاق للتأمل، وهذا ما اكتسبوه من الصحراء بطبيعة الحال. يسمعون أكثر مما يتحدثون، وهذا ما يجعلك دائماً مرتاحاً وأنت تتحدث معهم، جزء منهم يتحدث العربية، ولكن الجزء الأكبر يتحدث الطارقية الأمازيغية فقط ولكن يفهم العربية، لأنهم مسلمون وحفاظ للقرآن الكريم".
وتابع: "خلال أسبوعين حدثت العديد من القصص والحكايا، ذلك الشيخ الكبير الذي وجدناه في منتصف الصحراء لا يملك من الدنيا سوى صفيح متهالك وأغنام، وكان يحمد الله بطريقة تشعرك بأنه يملك كنوز الدنيا كلها". العيدي وصف التجربة بالأهم: "حالياً، أنا في مرحلة إعادة ترتيب أولوياتي. هناك تعرفت على الحياة".