لماذا يبدو الناس في أقسام التعليقات بمواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم يعرفون كل شيء ولديهم القناعة بأنهم يدركون الأفضل والصحيح، أكثر من الآخرين. وكأن هذا الجزء من المواقع هو الأكثر ظلامية وبرودة في الإنترنت عامة.

وليس من قبيل الأخبار العاجلة، القول بأن هذه الأقسام مليئة بالتعليقات التي تعكس التحامل والأشياء الغريبة، وربما الإهانات المباشرة للصحافيين إذا ما كان الموضوع يتعلق بخبر منشور يعلق عليه القراء، والأقل أن يقال "هل هذا خبر؟".

ويقوم بعض الناس بعمل الإشارات "التاغات" إلى الذين يشاركونهم الهوس بالأخبار التي تخلق نوعاً من التعويض النفسي، مع عدم إغفال الإيموجيات الموحية ذات الوجوه الغريبة.

ومع ذلك فثمة شعور لدى الغالبية من هؤلاء أنهم يعرفون تفاصيل القصة وخباياها أكثر من أي شخص آخر، بما في ذلك من كتبها أو ربما الذين صنعوها.

وكتبت المحررة، نيكول مورلي، بصحيفة مترو البريطانية عن الظاهرة المتعلقة بسوء استخدام التعليقات في الإنترنت والسوشيال ميديا، تحت عنوان "لماذا الناس في أقسام التعليقات مقتنعون بأنهم الأفضل؟".

وتوضح أنه في بعض الأحيان فإن المحتوى الذي يتم التعليق عليه من الشخص يكون له علاقة بمجاله أو مهنته وخبرته، ولكن رغم ذلك يبدو المعلق كما لو أنه غير موضوعي.

ويشمل ذلك حتى لو أن الأمر ارتبط بقضايا حساسة معروضة أمام المحاكم، أو قصص مثيرة للاهتمام ذات سرية عالية أو نظريات المؤامرة.

كذلك حتى في بعض الجرائم المعقدة التي مازالت غامضة ومحيرة منذ سنوات أمام المحققين المفرغين لذلك من المتخصصين، الذين لم يصلوا فيها لأي نتيجة، فهناك من سوف يترك تعليقا باسم مستعار، ليعبر فيه عن امتلاكه#الحقيقة الدامغة والنهائية، أي اليقين المطلق من نسخته الخاصة التي لا علاقة لها بسوى خيال الشخص المعين.

هذه الظاهرة تبدو غريبة ومحيرة، وتحدث في الصحف التابلويد والمدونات والمنشورات العامة، على حد سواء، بغض النظر عن الميل السياسي للشخص أو توجهاته.

ولكشف هذه التصورات أو بعض من الحقائق حول هذه الظاهرة، أجرت المحررة استطلاعاً مع عدد من الأخصائيين النفسيين للتوصل إلى ما وراء ذلك من أسباب نفسية، عن قناعة بعض الناس بأنهم يعرفون أكثر من الصحافيين والشرطة والمحققين ومختلف الخبراء المختصين.

وفي البدء أوضحت د.إيلينا توروني، وهي متخصصة في علم النفس، أن دوافع الفرد وعواطفه تشكل الطريقة التي ينظر بها إلى وسائل الإعلام التي يتعاطى معها.

وقالت: "عندما يواجه الناس مع قصة معقدة فإنهم يميلون إلى تجربة عواطفهم وخاصة إبداء قلقهم، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الغربة في فهم الحالة وإيجاد معنى لما يحدث من أجل التسامح مع حالة عدم اليقين لدى الشخص، الذي يفتقر إلى ما يكفي من الأدلة أوفهم الحقائق التي غالباً ما تسببت في القضية أو القصة".

وتشير: "هذا يبدو أكثر وضوحاً في حالة الأحداث المشحونة عاطفياً مثل اختفاء طفل صغير".

وتذهب الصورة إلى أنه في هذه الحالة بحسب الدكتورة توروني، "فإن الشخص يمضي إلى تطبيق التحليل الخاص به، بممارسة الخطابة أو بدلاً من إظهار أنه لا يفهم أي شيء في الموضوع، يقوم بالانطلاق من هذه الحالة الصفرية إلى محاولة دخول منطقة مريحة، بصناعة منطق خاص للقصة، حيث يكون من الصعب في الغالب العثور على أي شيء".

وهذا يفسر بعض القصص المزعومة، كما حدث مع امرأة كان لديها قناعة بأنها تعرف السر وراء اختفاء سيدة.

وبمزيد من الشرح فإن المسألة يمكن أن تبدأ في التحقق من خلال شخص واحد، يستطيع أن يخلق سرداً مختلقاً بأن يطلق صفات الشر على طرف معين، ليجعل من الممكن والسهل تفسير أو هضم القصة.

وتقول د.توروني: "إن هناك العديد من النظريات في علم النفس الاجتماعي التي تفسر الإدراك الاجتماعي، وكيف ينتج الناس الاستدلالات حول الآخرين".

وتضيف: "الخلاصة أننا نصدق ما نريد أن نصدقه، أو نعتقده بما نريده، وفي هذا الزمن بالتحديد فإننا نتأثر لحد كبير بأسبابنا النفسية الخاصة لمحاولة جعل معنى للحالة أو الأمور التي تبدو مقلقة لنا.. وهذا يجعلنا نتجه لتفسير المعلومات بطريقة متحيزة تستند على معتقداتنا ومشاعرنا".

"وبحسب نظرية التنافر المعرفي، التي تعني أن يحمل الشخصان فكرتين متضادتين تتجاذبانه في اللحظة نفسها، فإنه بمجرد أن نشكّل التصور الأولي عن الأمر فإننا نسعى مباشرة إلى تأكيده بمزيد من المعلومات، التي تؤكد ما نعتقد سلفاً أنه الصحيح، وسبب ذلك تجنب التوتر النفسي المتأصل الذي ينتج من رفض الإنسان لأفكار أو معتقدات مغايرة".