يعالج المستوصف الصغير في حي سيدادي دي ديوس في العادة الإصابات الطفيفة وحالات الحمى البسيطة، غير أنه أُقحم خلال الأشهر الأخيرة بما يشبه "الطب الحربي" جراء التدفق الكبير للمصابين بالرصاص في مدينة الصفيح الشهيرة هذه في ريو دي جانيرو.

العاشرة من ليل الجمعة... يدخل رجل ضخم البنية المستوصف بسبب إصابته بالرصاص في اليد. وبجسمه المغطى بالكدمات، يترنح نحو الطوارئ مخلفاً وراءه بقعاً من الدم.

ويمده الأطباء والممرضون المناوبون بالإسعافات الأولية فيما يصدح في الأرجاء صوت بكاء الأطفال خلال انتظار دورهم للمعاينة بين أحضان أمهاتهم.

بعدها ينقل الجريح إلى مستشفى مجهز للعمليات الجراحية. غير أن هذه المؤسسات تكون أحيانا بعيدة جدا من مدينة الصفيح بما لا يسمح للمرضى بالتوجه مباشرة إليها من دون التعريج على المستوصف.

ليل الأحد الإثنين، يتكرر المشهد عينه بعد تبادل كثيف لإطلاق النار بين شرطيين ومهربين. ويشغل ثلاثة من الأسرّة الأربعة الموجودة في قسم الطوارئ مصابون بالرصاص وصلوا بشكل متزامن تقريباً.

شاب في السابعة عشرة مصاب في الصدر فيما رجل في الثالثة والستين مصاب في البطن وامرأة في الثانية والثمانين تعرضت لإصابة في القفص الصدري بسبب رصاصة طائشة حطت داخل منزلها خلال نومها.

ويقول لويز ألكسندر ايسينغر مدير الهيئة المسؤولة عن إدارة المستوصف لوكالة فرانس برس "ما نقوم به يندرج حرفيا في فئة الطب الحربي. لا نهتم بالمصابين جراء إطلاق النار فحسب، بل نحن في منطقة نزاع أيضا".

عيارات نارية عالية

الواقع في سيدادي دي ديوس (ومعنى اسمها "مدينة الله" بالبرتغالية) أغرب من الخيال في كثير من الأحيان. وقد عُرف هذا الحي في العالم أجمع بفضل فيلم يحمل الاسم عينه للمخرج فرناندو ميريليس يتضمن توصيفاً للحرب بين عصابات تجار المخدرات قبل عقود. فبعد عام من استضافة الألعاب الأولمبية، تشهد "المدينة الرائعة" ارتفاعاً جديداً في معدلات العنف.

هذا الوضع تفاقمه الأزمة المالية التي تضرب ولاية ريو دي جانيرو التي باتت على شفير الإفلاس وهي عاجزة عن دفع رواتب موظفيها في الوقت المحدد بما في ذلك عناصر الشرطة. وفي 2015، تمت معالجة 720 مصابا بالرصاص في المستشفيات السبعة التابعة لبلدية ريو دي جانيرو. هذا الرقم ارتفع بأكثر من الضعف سنة 2016 (1652) في منحى يتواصل هذه السنة مع تسجيل 590 حالة بين يناير مارس.

كذلك يُسجل ازدياد في خطورة الإصابات بسبب التغيير في عيارات الأسلحة المستخدمة. ففي التسعينات، كانت حروب العصابات تقام خصوصا بمسدسات من عيار 9 ميليمترات.

وحالياً يتم استبدال هذه المسدسات ببنادق هجومية قادرة على خرق الجدران بقوة نيرانها، ما يفسر الازدياد في عدد الضحايا جراء الرصاص الطائش.

ويقول كبير أطباء مستوصف سيدادي دي ديوس جوزيه روبرتو فيغيريدو "قبلاً كان أكثرية الجرحى بالرصاص يصلون أحياء. اليوم، في أكثر الأحيان، يصلون متوفين" إلى المستوصف. وعلى أفراد طاقم عمله التكيف مع الكثير من الأوضاع المتشنجة بينها اقتحام المستوصف من جانب شرطيين باحثين عن مطلوبين أو حتى من مهربين يهددونهم بالأسلحة لطلب معالجة واحد منهم في المكان.

استقالات بالجملة

الأخصائيون الصحيون العاملون في هذا المستوصف هم في كثير من الأحيان من الشباب وبعضهم ينهار في مواجهة الضغط الشديد.

وفي يونيو، قدم ثلاثة من طاقم العمل استقالاتهم. وثمة صعوبة كبيرة في إبدال هؤلاء العناصر رغم الرواتب المغرية المقدمة في المستوصف.

فعادة ما تكون الوظائف في سيدادي دي ديوس الأخيرة التي تجد من يشغلها.

ولاتزال الطبيبة الشابة يارا فيانا البالغة 27 عاماً تستذكر بجزع يوم علق طاقم المستوصف في الداخل لساعات قبل عام بسبب تبادل لاطلاق النار، غير أنها تؤكد أن "مساعدة أناس يحتاجون حقا لنا أشبه بمكافأة"