تكتبها - فاطمة النزر *:
* اختصاصية علاج نفسي مرخصة
بداية لتسمحوا لي على كلمة "مجنون" فعلمياً هو مريض عقلياً أو قد يكون مضطرباً نفسياً، إلا أنني أود أن أركز هنا على هذا الأمر، فتمثيل المرض العقلي ليكون حجة للتملص من المسؤولية الجنائية كان ومازال منتشراً، وقد يخفى على الكثير من الأفراد المتخصصين وحتى الجهات المرتبطة بعلم الجريمة أو القضاة أن الأخصائي النفسي هو من يقوم بعمل التقرير الفني لهذه الحالات، بعد استبعاد المرض العقلي من قبل الطبيب النفسي، فالاختبارات والتقييمات النفسية التي يقوم بها الأخصائي النفسي تكون موضوعية ولا يتداخل معها الرأي الشخصي للأخصائي، إلا أنه وللأسف الشديد إننا لا نجد تطوراً في هذا الجانب ففي اعتقاد الكثيرين أن الطبيب النفسي هو من يقوم بإجراء هذه الاختبارات والتقييمات وقد لا ألومهم في ذلك، ففي المجال النفسي مازلنا نسير بخطى بطيئة في إزالة الوصمة عن الأمراض النفسية من جانب والخلط بين التخصصات النفسية كتخصص الطبيب النفسي والأخصائي النفسي ودور كل منهما وحدود إمكانياته التخصصية من جانب آخر.
فالحكم بمدى المسؤولية الجنائية بالنسبة للمصابين بالأمراض النفسية والعقلية على مدى ما تحدثه هذه الأمراض من تأثير على الوعي أو الإدراك أو الإرادة، يصاحب اضطراب الوعي في العادة اضطرابات في الانفعالات وخلل في السلوك، كما تصاحبه هلاوس سمعية وبصرية وينتج عن هذه الاضطرابات حالة هياج مصحوبة عادة بمخاوف وتصرفات غير سوية وغير صحيحة مبنية على هذه المخاوف والهلاوس. ويقصد بالإدراك هنا الدراية أو الفطنة، بمعنى فهم ما يدور حوله من أحداث وربط الأمور والأحوال التي تجري في محيطه ربطاً صحيحاً واستخلاص النتائج الصحيحة. ومن الواضح أن اضطراب الوعي لا بد أن يصاحبه اضطراب الإدراك، كما أنه قد يحدث نتيجة لكثير من أعراض الأمراض العقلية مثل التفكير الاجتراري والاستجابة للهلاوس والضلالات وكذلك حالات التأخر العقلي بأنواعه.
أما الإرادة فهي تعني الإرادة الحرة النابعة من وعي وإدراك صحيح، أو الإرادة التي لا تسيطر عليها هلاوس أو ضلالات مرضية تجعل المريض في الحقيقة مسلوب الإرادة.
ولكننا يجب أن نعي أن كل هذه الأمور لا تعني أن كل مصاب بأمراض عقلية أو نفسية سوف يقوم بارتكاب جريمة ما وكذلك ليس كل من يقوم بجريمة ما هو مريض عقلياً أو نفسياً ولا يتحمل المسؤولية الجنائية فإن سلمنا بهذا القول فهذا يعني ألا أحد مسؤولاً عن جريمته، بل هناك أناس واعون لما يرتكبونه من جرائم وأحدهم ذو الشخصية السيكوباثية وهو نمط من الشخصية وليس مرضاً عقلياً ويكون مسؤولاً عن جريمته وعدوانه، إلا أن هذه التفصيلات تحتاج لكثير من التدقيق والفحص والتخصصية، ورغم أني لا أتفق مع نظرية (ديلتليو) القائلة باستعداد الشخص للجريمة، بمعنى أن كل إنسان لديه استعداد سابق لارتكاب جريمة نظراً لقدمها والتطور الهائل في مجال علم الإجرام، إلا أنني أشاطر النظرية الرأي فيما يتعلق بالاستعداد السابق للجريمة، فالإنسان تتحكم فيه عوامل اجتماعية واقتصادية كثيرة قد تؤهله لدخول عالم الإجرام.. فمثلاً (المجرم بالصدفة) وهو أحد تصنيف المجرمين الذين يدخلون عامل الإجرام بطريق الصدفة كمن يقتل إنساناً بسيارته، أو من يسبب عاهة مستدامة لشخص دون قصد ذلك، هنا هذا الشخص سوي ومعتدل لكنه دخل عالم الجريمة وأطلق عليه مجرماً نظراً لاقترافه جريمة معاقباً عليها قانوناً.
{{ article.visit_count }}
* اختصاصية علاج نفسي مرخصة
بداية لتسمحوا لي على كلمة "مجنون" فعلمياً هو مريض عقلياً أو قد يكون مضطرباً نفسياً، إلا أنني أود أن أركز هنا على هذا الأمر، فتمثيل المرض العقلي ليكون حجة للتملص من المسؤولية الجنائية كان ومازال منتشراً، وقد يخفى على الكثير من الأفراد المتخصصين وحتى الجهات المرتبطة بعلم الجريمة أو القضاة أن الأخصائي النفسي هو من يقوم بعمل التقرير الفني لهذه الحالات، بعد استبعاد المرض العقلي من قبل الطبيب النفسي، فالاختبارات والتقييمات النفسية التي يقوم بها الأخصائي النفسي تكون موضوعية ولا يتداخل معها الرأي الشخصي للأخصائي، إلا أنه وللأسف الشديد إننا لا نجد تطوراً في هذا الجانب ففي اعتقاد الكثيرين أن الطبيب النفسي هو من يقوم بإجراء هذه الاختبارات والتقييمات وقد لا ألومهم في ذلك، ففي المجال النفسي مازلنا نسير بخطى بطيئة في إزالة الوصمة عن الأمراض النفسية من جانب والخلط بين التخصصات النفسية كتخصص الطبيب النفسي والأخصائي النفسي ودور كل منهما وحدود إمكانياته التخصصية من جانب آخر.
فالحكم بمدى المسؤولية الجنائية بالنسبة للمصابين بالأمراض النفسية والعقلية على مدى ما تحدثه هذه الأمراض من تأثير على الوعي أو الإدراك أو الإرادة، يصاحب اضطراب الوعي في العادة اضطرابات في الانفعالات وخلل في السلوك، كما تصاحبه هلاوس سمعية وبصرية وينتج عن هذه الاضطرابات حالة هياج مصحوبة عادة بمخاوف وتصرفات غير سوية وغير صحيحة مبنية على هذه المخاوف والهلاوس. ويقصد بالإدراك هنا الدراية أو الفطنة، بمعنى فهم ما يدور حوله من أحداث وربط الأمور والأحوال التي تجري في محيطه ربطاً صحيحاً واستخلاص النتائج الصحيحة. ومن الواضح أن اضطراب الوعي لا بد أن يصاحبه اضطراب الإدراك، كما أنه قد يحدث نتيجة لكثير من أعراض الأمراض العقلية مثل التفكير الاجتراري والاستجابة للهلاوس والضلالات وكذلك حالات التأخر العقلي بأنواعه.
أما الإرادة فهي تعني الإرادة الحرة النابعة من وعي وإدراك صحيح، أو الإرادة التي لا تسيطر عليها هلاوس أو ضلالات مرضية تجعل المريض في الحقيقة مسلوب الإرادة.
ولكننا يجب أن نعي أن كل هذه الأمور لا تعني أن كل مصاب بأمراض عقلية أو نفسية سوف يقوم بارتكاب جريمة ما وكذلك ليس كل من يقوم بجريمة ما هو مريض عقلياً أو نفسياً ولا يتحمل المسؤولية الجنائية فإن سلمنا بهذا القول فهذا يعني ألا أحد مسؤولاً عن جريمته، بل هناك أناس واعون لما يرتكبونه من جرائم وأحدهم ذو الشخصية السيكوباثية وهو نمط من الشخصية وليس مرضاً عقلياً ويكون مسؤولاً عن جريمته وعدوانه، إلا أن هذه التفصيلات تحتاج لكثير من التدقيق والفحص والتخصصية، ورغم أني لا أتفق مع نظرية (ديلتليو) القائلة باستعداد الشخص للجريمة، بمعنى أن كل إنسان لديه استعداد سابق لارتكاب جريمة نظراً لقدمها والتطور الهائل في مجال علم الإجرام، إلا أنني أشاطر النظرية الرأي فيما يتعلق بالاستعداد السابق للجريمة، فالإنسان تتحكم فيه عوامل اجتماعية واقتصادية كثيرة قد تؤهله لدخول عالم الإجرام.. فمثلاً (المجرم بالصدفة) وهو أحد تصنيف المجرمين الذين يدخلون عامل الإجرام بطريق الصدفة كمن يقتل إنساناً بسيارته، أو من يسبب عاهة مستدامة لشخص دون قصد ذلك، هنا هذا الشخص سوي ومعتدل لكنه دخل عالم الجريمة وأطلق عليه مجرماً نظراً لاقترافه جريمة معاقباً عليها قانوناً.