سألتني ابنتي (شوق) ذات العشرة أعوام هل أنا طبيعية عندما أتحدث مع نفسي أو أتخيل أن لي صديقة وهمية؟ ونفس هذا الاستفسار أتلقاه من العديد من الأمهات، خاصة من تكون لديهن ابنة أو ابن وحيد، وتكون إجابتي لهن بسؤال، هل تتحدثين مع نفسك في بعض ألاحيان؟ وتكون الإجابة في معظم الأحيان (نعم) وإن كانت بخجل وبعد تردد، ولهذا في كثير من الأحيان نعتبر أن حديث الطفل مع نفسه أو مع صديق وهمي، أو مع ألعابة هو ظاهرة صحية حيث تنمي المهارات اللغوية والتفاعلية والخيالية. وكان عالم النفس الروسي الشهير (فيكو تسكي) منذ أكثر من سبعة عقود قد سجل أهمية تحدث الطفل مع نفسه، والفرق بينه وبيننا نحن الراشدين أننا نحدث أنفسنا بصمت حيث يطلق عليه Inner speech أو التحدث مع النفس self talk في أغلب الأوقات، مع ملاحظة (وجود هذا النوع من السلوكيات عند بعض مرضى الفصام schizophrenia، أو مرضى تعدد الشخصية multiple personal disorder) إلا أننا نتحدث هنا عن حديث الأطفال مع أنفسهم وبعيداً عن الاضطرابات أو الأمراض النفسية والعقلية، فنحن فعلياً نمضي معظم حياتنا في الكلام. حتى لحظات الصمت نمضيها في الكلام مع أنفسنا.. لا نتوقف عن الكلام والأسئلة حتى في بعض أحلامنا نتحدث أثناء النوم، وهو عملية معالجة لغوية للأفكار.

وبالنسبة للأطفال فقد لوحظ الحديث مع أنفسهم بنسبة (20-60%) للأطفال حتى سن العاشرة، ويبدأ في التوقف عن الحديث بصوت مع نفسه عندما يبدأ في تكوين علاقات اجتماعية عديدة وكذلك حين يتقن الطفل ممارسة العمليات المعرفية، فيبدأ عندها بالتفكير في معاني الكلمات بدلاً من التلفظ بها والتدريج، فإن تحدث يتحدث بحديث داخلي صامت قوامه تلك المحاورات الواعية التي يجريها الطفل بينه وبين نفسه عند التفكير والعمل.

ولقد أظهرت إحدى الدراسات في جامعة ستانفورد أن "توجيه الذات هو الوظيفة المحورية للتحدث إلى النفس علاوة على ذلك فالأطفال يكثرون من التحدث إلى أنفسهم عندما يكونون يواجهون مهمات صعبة أثناء عملهم منفردين وأيضاً عندما يكونون مضطرين إلى الاعتماد على أنفسهم فيما يقومون به وإن تحدث الأطفال إلى أنفسهم حديثا يتعلق بالمهمة المطروحة أمامهم يساعدهم على محاكمة الأمور ومناقشتها وإيجاد حل للمشكلة التي تعترضهم".

لهذا فإن الحديث مع النفس لا يختفي كلياً حتى عند البالغين وتظهر هذه الاستراتيجية في بعض المواقف الجديدة أو المحيرة لنا لأنه وسيلة تساعدنا على تخطي الصعاب وعلى اكتساب مهارات جديدة.

لهذا، على الوالدين التنبه لحديث أطفالهم الذاتي ليكونوا أكثر دراية بخطط الطفل وأهدافه والمصاعب التي تواجهه ومشاعره الذاتية وانفعالاته. وعلى المعلمين كذلك أن يستوعبوا حقيقة أنه حينما يستخدم التلاميذ التحدث إلى النفس بقدر أكبر من القدر المناسب لعمرهم فإن ذلك يدل على حاجتهم إلى المزيد من الدعم والإرشاد.