مرسى .. نقطة وصول وانطلاق. ففي حياتنا نمر بمحطات كثيرة منها ما نواجهه بقوة ومنها ما يتطلب منا الثبات أكثر، حتى نصل لذلك المرسى بأمان أو نقف عنده لننطلق من جديد نعبر جسور الأمل بكل محبة وعطاء..

تنشر لايف ستايل تباعاً قصص الكفاح التي عرضتها الكاتبة إيمان الخاجة في كتاب "مرسى" الصادر عن المؤسسة الخيرية الملكية .. مع الإشارة إلى اختصار تفاصيل القصص بما تقتضيه ظروف النشر ..

--- -- -- - - --- -

الحلم الفريد
مع مريم عاشور

إنه اليوم الذي انتظرته كثيراً، صعدت على المسرح لألقي كلمة الطلبة الخريجين، أطلقت العنان لمشاعري وكلماتي التي لامست القلوب، وما إن هممت بالنزول إذ بي أفاجأ بحصولي على 3 جوائز، ذهلت لما حدث فالأمر أكبر من تصوري وأمنياتي التي تحققت بفضل الله سبحانه وتعالى ثم دعاء أمي ومساندة أهلي ومدرساتي. شعرت برحمة الله الكبيرة التي تحتويني، فتبعثرت مني كل الكلمات بعد هذه اللحظة التي كانت مصدر فخر واعتزاز بأني أول طالبة بحرينية تحصل على 3 جوائز في كلية الطب مع وسام ذهبي لأعلى معدل.

قد نعيش الحياة دون أن نعي حدوث أمرٍ يكون هو الشرارة التي تشعل نور الأمل والحياة من جديد، خصوصاً إن كانت الذاكرة لطفل لا يفقه الكثير مما حوله، فحين كنت بعمر الـ 3 سنوات في عام 1996 توفي والدي بسكتة قلبية، إذ كان نائماً معنا في المنزل ولم يصحُ من نومه في الصباح. شكّل الأمر مفاجئة مرة على الكل إلا أنا التي لم أفهم ما يدور حولي، فبحكم وظيفة والدي التي بها سفر كثير، ظننت أنه في رحلة عمل وسيعود بعدها.

كبرت وتعودت على وجود والدتي بقربي في كل لحظاتي دون أبي ، لم أشعر يوماً أني بحاجة إلى شيء أو أن والدتي لم تكفيني، بل كنت أراها إنسانة قوية في حياتها، لم تشعرني يوماً بضعفها وحاجتها لأحد، فاكتسبت منها هذه الصفات التي كان لها الأثر الكبير في تعاملي مع وفاة والدي واستيعابي للخبر عند كبري، كما تعلمت منها الاعتماد على نفسي في كل شؤوني، إذ رأيت والدتي وهي تربي 4 أطفال أكبرهم بعمر الـ13 سنة وأنا الأصغر بعمر 3 سنوات.

تعلمت من والدتي أن أكون مسؤولة عن نفسي، وتربيت في بيئة محفزة ومشجعة. كان جميع أهلي ينتظرون مني إنجازاً، ثقتهم الكبيرة غرست بداخلي روح التحدي وتحقيق الإنجاز لأتمكن من إسعادهم، وفعلاً أثبت تفوقي وأصبحت من الأوائل على المرحلة الابتدائية حين تخرجت من الصف السادس، بعدها بدأت الاستعداد للانتقال لمرحلة دراسية جديدة، وفي بداية كل مرحلة ينتابني خوف وعدم استقرار من المكان الجديد والبيئة المدرسية وحاجتي للتهيؤ والاستعداد لها وإثبات نفسي من جديد..

واصلت السير في طرق الحياة، أتبع أحلامي وأهدافي، شجعتني والدتي على المشاركة في أي نشاط أو برنامج تعليمي، دفعتني لأكتسب الخبرة الحياتية وأنمي شخصيتي إلى جانب الدراسة والتفوق، ونظراً لرغبتي الدائمة بإسعادها، قمت بتلبية طلبها وانضممت لفرقة الزهرات والمرشدات، فاكتسبت مهارة القيادة واستطعت تطوير شخصيتي يوماً بعد يوم، كما سمحت لي أمي بالمشاركة في مؤتمرات وسفرات خارج البحرين، إما مع المدرسة أو مع وزارة التربية والتعليم، وكانت تعلمني مبدأ الرقابة الذاتية واحترام الثقة.

توالت الأيام، وواصلت دراستي الجامعية في الكلية الايرلندية الملكية للجراحين وحانت اللحظة التي أزهرت فيها نبتتي التي غرستها في أول يوم جامعي، إنها لحظة التخرج برتبة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، كان هذا اليوم أكبر يوم في حياتي كله فخر ومجد واعتزاز، وها أنا الآن أواصل دراسة الامتياز، كبر حلمي بأن أرد هذا الجميل لوطني الحبيب الذي أعطاني الكثير، أطمح للتخصص في إحدى المجالات الدقيقة التي تحتاجها الدولة كتخصص المخ والأعصاب لأكون من البحرينيات المتفردات في هذا الجانب، ولأخدم البحرين وأبناء وطني، فالحياة جميلة بالصبر والرضى والحلم والسعي لتحقيق الأحلام، لابد أن نواصل خطواتنا مهما كانت الظروف التي تحيط بنا، وسنصل يوماً إلى بر الأمان.