في مرة من المرات وأنا في سيارتي وبقربي صديقتي، كنت أشكي لها هموم تراكم الالتزامات وكثرة الواجبات التي ترهق وتؤرق يقابلها ضيق الوقت وكأن الثواني تسرق من بعضها البعض والساعة تخطف الساعة الأخرى واليوم ما إن تشرق شمسه حتى تغيب مرة أخرى دون أن نشعر حتى بحرارتها في بعض الأحيان . قاطعت كلامي بسؤال جعلتني صامدة واقفة أمامه متحيرة لا أعلم من أين أبتدأ بالجواب ولم يخطر على بالي من قبل ، قالت لي هل تعتقدين بأن جميع الموتى الذين هم خلف أسوار القبور القابعين تحت الثرى قد أنهوا جميع أعمالهم قبل موعد الوفاة وظلوا جالسين ينتظرون ملك الموت؟هذا السؤال جعلني أدرك وأفهم تماماً بأن العمر قد ينتهي وينقضي والعمل في دوامته لا يقف أبداً، قادر أن يستمر بصفته المطاطية المزعجة إلى ما لا نهاية، فما إن تنجز المهمة الأولى حتى تناديك المهمة الثانية الأكبر والأثقل والأعظم بكل لطف ومودة لتنجزها، وما أن تتنفس الصعداء وتلتقط أنفاسك من أداء شيء معين حتى عاد فكرك بالانشغال والاشتغال في الأمر الذي يليه.لهذا لا تدعوا هموم الالتزامات تخطف منكم رغد الحياه ولذيذ العيش، استمتعوا بيومكم بكل أجزائه، اشربوا قهوتكم على مهل واملؤوا رئتيكم برائحتها قبل الاستمتاع بطعمها، أبناؤكم شاركوهم اهتماماتهم، العبوا معهم في البحر وعلى الرمل حفاة القدمين وفي أي مكان يبعث على أسركم الطاقة الإيجابية، اجعلوا في يومكم وقتاً للتأمل والاسترخاء، اخرجوا مع صديق الطفولة واستعيدوا ذكرياتكم القديمة جداً، واضحكوا عليها بكل قوة واتركوا عملكم ينتظركم قليلاً لساعات قليلة فهو لا يمل الانتظار.هذه هي الحياة جميلة في كل تفاصيلها وجزئياتها نحتاج فقط لأن نبحث في أيامنا عن هذه التفاصيل الدافئة بصغر حجمها، ولتعلم دائماً بأنه لن يفوتك شيء قد كتبه الله لك سواء من خير أو شر فرزقك محسوم مقسوم، حتى وإن ركضت في هذه الدنيا ركض الوحوش في البرية فلن تنال إلا ما قسمه الله لك فخفف الهرولة.