بقلم: إيمان الخاجة
مرسى.. نقطة وصول وانطلاق. ففي حياتنا نمر بمحطات كثيرة منها ما نواجهه بقوة ومنها ما يتطلب منا الثبات أكثر، حتى نصل لذلك المرسى بأمان أو نقف عنده لننطلق من جديد نعبر جسور الأمل بكل محبة وعطاء..
تنشر لايف ستايل تباعاً قصص الكفاح التي عرضتها الكاتبة إيمان الخاجة في كتاب «مرسى» الصادر عن المؤسسة الخيرية الملكية.. مع الإشارة إلى اختصار تفاصيل القصص بما تقتضيه ظروف النشر..
قصة من الواقع..
إنها صفاء عبدالرحمن جاسم
في أحد صباحات الأربعاء المختلفة وفي أول أيام المرحلة الإعدادية، صحوت من نومي يتملكني شعور غريب بتلك النقلة الجديدة في حياتي من مرحلة إلى أخرى، كنت أبلغ من العمر 12 عاماً. بحثت عن والدي الذي اعتدت وجوده ليوقظني من النوم ويجهز لي ولإخوتي الإفطار، لكني لم أجده، سألت والدتي عنه وكانت هي أيضاً لا تعلم شيئاً، فاكتشفنا بعدها أن والدي يرقد في المستشفى لتعرضه لغيبوبة، ولم تسمح لي الفرصة برؤيته لذا وعدتني أمي باصطحابي أنا وإخوتي إليه يوم الجمعة الذي كان أسرع مجيئاً إليه منا، فبينما نحن في الطريق لزيارته بلغنا خبر وفاته في 12 سبتمبر 2002، رأيته ممدداً على سريره دون حراك ينام دون هم وغم براحة أبدية، تأملته ولم أعِ أنه رحل للأبد. كانت الصدمة كبيرة على أمي، فسماعها للخبر أدى لتعرضها لجلطة قلبية لأنها لم تتحمل خبر فقدان شريك حياتها، فمضت الأيام بصعوبة وكأنها تجر خلفها حملاً ثقيلاً يصعب جره..
شفيت أمي من أزمتها بفضل من الله وحبنا لها، وفي أحد الأيام قرأت في إحدى الصحف إعلان طلب لبائعة محل، أخذت الفكرة تدور في مخيلتي وتطرق عليها بقوة، فما كان مني إلا أن حدثت والدتي برغبتي في العمل، فلم تأخذ الأمر بمحمل الجد ظناً منها أني أمزح، لكني أعدت الكلام بجد وإصرار، فسألتني أين؟ قلت لها: بائعة في محل، فردت: وهل تحتاجين للمال لتعملي؟ أجبتها بالنفي وبأن الهدف من العمل هو الاعتماد على النفس.. لأبدأ مشوار الألف ميل في ذلك الوقت. فتحت باباً جديداً للحياة شع منه نور كبير، رسمت ابتسامة على وجهي وخضت مشوار أول أيامي الجديدة بين الدراسة والعمل والتي كانت أشبه بالدوامة بدرجة لم أتوقعها خصوصاً أن العمل والتعامل مع الناس صعب، وازدادت الأمور تعقيداً في دراستي كوني أرغب بالمحافظة على تفوقي، فأنا مجتهدة في الدراسة قيادية في المدرسة، وكنت مرشدة اجتماعية في الكشافة والطاقة المتحركة في المدرسة، سعيت لإعادة التوازن حتى تغلبت على تلك العراقيل وبدأت ضبطها. اكتسبت من عملي الكثير وتعرفت على العديد من الأشخاص.. دخلت المرحلة الثانوية والتي أعتبرها مرحلة تحول وانفتاح، ولأني اكتسبت الكثير من العمل وتمكنت من التغلب على الخوف فكان لذلك الأثر الكبير على خطواتي، انضممت إلى الكشافة أيضاً وأصبحت إحدى مؤسسي نادي الصحافيين، وعريفة معظم أنشطة المدرسة، وتم اختياري لافتتاح مركز الموهوبين في المحرق بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء.
بدأت أتعرف على صديقات جدد أجلس معهن وأزورهن، وفي هذه الفترة تطور عملي وأصبحت أدير محلين عوضاً عن واحد.. وبعد التخرج حصلت على بعثة من وزارة التربية والتعليم في الخارج لكني لم أرغب في السفر، وبينما أنا حائرة في مستقبلي، وجدت يداً تمتد لي من بعد فأسرعت نحوها لأجد المؤسسة الخيرية الملكية التي أصبحت كالبيت الآخر الذي لا يغلق بابه أبداً، ففي إحدى الأيام طلبت مني والدتي أخذها إلى المؤسسة لتجدد بياناتها، وكون والدتي أمِّية فطلبت مني مرافقتها، دخلت معها إلى المؤسسة وأنا مليئة بمشاعر الإحباط لضياع فرصة البعثة رغم تعبي للحصول على الامتياز واعتمادي على نفسي وضياع تعب السنوات كلها، وظلت في ذهني آية (وبشر الصابرين)، وما إن أنهت والدتي تجديد بياناتها وبينما كنا نهم بالخروج إذ وقعت عيناي على إعلان عن البعثات الجامعية، فاستفسرت عن الأمر وتبين لي أنها للطلاب الخريجين وأن التسجيل انتهى، فتحدثت مع أحد الموظفين عن موضوعي ومعدلي فأبلغني أنه سيتم النظر في الموضوع، وبعد يومين بلغني اتصال منه يقول لي «مبروك آخر مقعد في الجامعة الأهلية» تلك العبارة غيرت الكثير من الأحاسيس لدي. دخلت إلى الجامعة الأهلية، ومضيت خطواتي في الجامعة وأصبحت من الطالبات المتميزات والمتفوقات، وبفضل الله استطعت أن أمثل البحرين في بطولات دولية وعالمية في فن المناظرات، وأنشأت مع اثنين من زملائي بطولة المناظرات على مستوى المملكة، كما قدمت ورش عمل في مدارس البحرين بشكل تطوعي. تحملت كل الظروف لأجل دراستي، كنت أخرج من العمل وأمشي سيراً على الأقدام في الحر والبرد لأصل إلى الجامعة التي تقع على بعد عدة كيلومترات حتى وصلت لباب التخرج، وتخرجت من الجامعة بتقدير امتياز وشهادة بكالوريوس في المحاسبة والمالية، وارتقيت في عملي من سكرتيرة إلى رئيسة قسم المشاريع، وبعد هذه الوظيفة انتقلت لمهنة أخرى في أحد البنوك، ومع الخبرة المهنية أملك حالياً محلي الخاص مع شركائي، وأسعى أن يكون له فروع في دول الخليج.
مرسى.. نقطة وصول وانطلاق. ففي حياتنا نمر بمحطات كثيرة منها ما نواجهه بقوة ومنها ما يتطلب منا الثبات أكثر، حتى نصل لذلك المرسى بأمان أو نقف عنده لننطلق من جديد نعبر جسور الأمل بكل محبة وعطاء..
تنشر لايف ستايل تباعاً قصص الكفاح التي عرضتها الكاتبة إيمان الخاجة في كتاب «مرسى» الصادر عن المؤسسة الخيرية الملكية.. مع الإشارة إلى اختصار تفاصيل القصص بما تقتضيه ظروف النشر..
قصة من الواقع..
إنها صفاء عبدالرحمن جاسم
في أحد صباحات الأربعاء المختلفة وفي أول أيام المرحلة الإعدادية، صحوت من نومي يتملكني شعور غريب بتلك النقلة الجديدة في حياتي من مرحلة إلى أخرى، كنت أبلغ من العمر 12 عاماً. بحثت عن والدي الذي اعتدت وجوده ليوقظني من النوم ويجهز لي ولإخوتي الإفطار، لكني لم أجده، سألت والدتي عنه وكانت هي أيضاً لا تعلم شيئاً، فاكتشفنا بعدها أن والدي يرقد في المستشفى لتعرضه لغيبوبة، ولم تسمح لي الفرصة برؤيته لذا وعدتني أمي باصطحابي أنا وإخوتي إليه يوم الجمعة الذي كان أسرع مجيئاً إليه منا، فبينما نحن في الطريق لزيارته بلغنا خبر وفاته في 12 سبتمبر 2002، رأيته ممدداً على سريره دون حراك ينام دون هم وغم براحة أبدية، تأملته ولم أعِ أنه رحل للأبد. كانت الصدمة كبيرة على أمي، فسماعها للخبر أدى لتعرضها لجلطة قلبية لأنها لم تتحمل خبر فقدان شريك حياتها، فمضت الأيام بصعوبة وكأنها تجر خلفها حملاً ثقيلاً يصعب جره..
شفيت أمي من أزمتها بفضل من الله وحبنا لها، وفي أحد الأيام قرأت في إحدى الصحف إعلان طلب لبائعة محل، أخذت الفكرة تدور في مخيلتي وتطرق عليها بقوة، فما كان مني إلا أن حدثت والدتي برغبتي في العمل، فلم تأخذ الأمر بمحمل الجد ظناً منها أني أمزح، لكني أعدت الكلام بجد وإصرار، فسألتني أين؟ قلت لها: بائعة في محل، فردت: وهل تحتاجين للمال لتعملي؟ أجبتها بالنفي وبأن الهدف من العمل هو الاعتماد على النفس.. لأبدأ مشوار الألف ميل في ذلك الوقت. فتحت باباً جديداً للحياة شع منه نور كبير، رسمت ابتسامة على وجهي وخضت مشوار أول أيامي الجديدة بين الدراسة والعمل والتي كانت أشبه بالدوامة بدرجة لم أتوقعها خصوصاً أن العمل والتعامل مع الناس صعب، وازدادت الأمور تعقيداً في دراستي كوني أرغب بالمحافظة على تفوقي، فأنا مجتهدة في الدراسة قيادية في المدرسة، وكنت مرشدة اجتماعية في الكشافة والطاقة المتحركة في المدرسة، سعيت لإعادة التوازن حتى تغلبت على تلك العراقيل وبدأت ضبطها. اكتسبت من عملي الكثير وتعرفت على العديد من الأشخاص.. دخلت المرحلة الثانوية والتي أعتبرها مرحلة تحول وانفتاح، ولأني اكتسبت الكثير من العمل وتمكنت من التغلب على الخوف فكان لذلك الأثر الكبير على خطواتي، انضممت إلى الكشافة أيضاً وأصبحت إحدى مؤسسي نادي الصحافيين، وعريفة معظم أنشطة المدرسة، وتم اختياري لافتتاح مركز الموهوبين في المحرق بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء.
بدأت أتعرف على صديقات جدد أجلس معهن وأزورهن، وفي هذه الفترة تطور عملي وأصبحت أدير محلين عوضاً عن واحد.. وبعد التخرج حصلت على بعثة من وزارة التربية والتعليم في الخارج لكني لم أرغب في السفر، وبينما أنا حائرة في مستقبلي، وجدت يداً تمتد لي من بعد فأسرعت نحوها لأجد المؤسسة الخيرية الملكية التي أصبحت كالبيت الآخر الذي لا يغلق بابه أبداً، ففي إحدى الأيام طلبت مني والدتي أخذها إلى المؤسسة لتجدد بياناتها، وكون والدتي أمِّية فطلبت مني مرافقتها، دخلت معها إلى المؤسسة وأنا مليئة بمشاعر الإحباط لضياع فرصة البعثة رغم تعبي للحصول على الامتياز واعتمادي على نفسي وضياع تعب السنوات كلها، وظلت في ذهني آية (وبشر الصابرين)، وما إن أنهت والدتي تجديد بياناتها وبينما كنا نهم بالخروج إذ وقعت عيناي على إعلان عن البعثات الجامعية، فاستفسرت عن الأمر وتبين لي أنها للطلاب الخريجين وأن التسجيل انتهى، فتحدثت مع أحد الموظفين عن موضوعي ومعدلي فأبلغني أنه سيتم النظر في الموضوع، وبعد يومين بلغني اتصال منه يقول لي «مبروك آخر مقعد في الجامعة الأهلية» تلك العبارة غيرت الكثير من الأحاسيس لدي. دخلت إلى الجامعة الأهلية، ومضيت خطواتي في الجامعة وأصبحت من الطالبات المتميزات والمتفوقات، وبفضل الله استطعت أن أمثل البحرين في بطولات دولية وعالمية في فن المناظرات، وأنشأت مع اثنين من زملائي بطولة المناظرات على مستوى المملكة، كما قدمت ورش عمل في مدارس البحرين بشكل تطوعي. تحملت كل الظروف لأجل دراستي، كنت أخرج من العمل وأمشي سيراً على الأقدام في الحر والبرد لأصل إلى الجامعة التي تقع على بعد عدة كيلومترات حتى وصلت لباب التخرج، وتخرجت من الجامعة بتقدير امتياز وشهادة بكالوريوس في المحاسبة والمالية، وارتقيت في عملي من سكرتيرة إلى رئيسة قسم المشاريع، وبعد هذه الوظيفة انتقلت لمهنة أخرى في أحد البنوك، ومع الخبرة المهنية أملك حالياً محلي الخاص مع شركائي، وأسعى أن يكون له فروع في دول الخليج.