مرسى .. نقطة وصول وانطلاق. ففي حياتنا نمر بمحطات كثيرة منها ما نواجهه بقوة ومنها ما يتطلب منا الثبات أكثر، حتى نصل لذلك المرسى بأمان أو نقف عنده لننطلق من جديد نعبر جسور الأمل بكل محبة وعطاء..
تنشر لايف ستايل تباعاً قصص الكفاح التي عرضتها الكاتبة إيمان الخاجة في كتاب «مرسى» الصادر عن المؤسسة الخيرية الملكية.. مع الإشارة إلى اختصار تفاصيل القصص بما تقتضيه ظروف النشر..
توفي والدي رحمه الله بسكتة قلبية في 3 أكتوبر 1996، في هذا التاريخ بدأنا حياة مختلفة إن لم تكن بالنسبة لي فهي بالنسبة لأمي حياة مليئة بالعراقيل، طرقاتها مظلمة وأبوابها مغلقة، تعبت والدتي بعد وفاة والدي كثيراً، خسرت من صحتها الكثير، وظلت فترة لا تعي ما حولها. لكنها لم تظل هكذا طويلاً، فما لبثت أن التفتت إلينا أنا وإخوتي، وقفت من جديد لتعبر بنا إلى ضفة الأمل حيث النور والنجاح.
أخذت أتعايش مع حياتي، وكنت أعتمد على والدتي في الدراسة حتى الصف السادس الابتدائي. بعدها بدأت أمي بتعليمي الاعتماد على نفسي. ولأن علاقي مع أخي فواز جيدة كونه يسبقني فكنت أقضي معه الوقت الكثير، أشاركه اهتماماته وأشاهد معه المباريات، ومن خلال هذه الجلسات لمست اهتمامه بدراسته فأعطاني دافعاً للاهتمام بدراستي، إذ كان يشجعني ويكافئني حين أنجز ما علي وأحصل على درجات جيدة.
وبعد مضي السنين.. جاء ذلك اليوم الجميل الذي تخرجت فيه من المرحلة الثانوية، لأغلق باباً في حياتي بكل ما يحويه من ألم وفرح، وأفتح باباً آخر يقربني أكثر إلى طموحاتي وأحلامي.. تمسكت ببصيص الأمل، أزلت ذلك العائق الكبير الذي كان أمامي بكل شجاعة، التحقت بجامعة (أما) تخصص هندسة تقنية المعلومات. في البداية جاهدت كثيراً لأتأقلم مع الدراسة والمكان، فقلبي أحياناً يصارع قراري وفكرت كثيراً في الانسحاب، حتى جاء الفصل الثاني الذي تأقلمت به أكثر وبدأت بفهم مستقبلي ومصلحتي، فواصلت الدراسة بكل عزيمة وإصرار، وساعدني جدي الذي اشترى لي سيارة لأذهب بها إلى الجامعة وأعتمد على نفسي، فتسهلت الأمور أكثر من السابق.
خضت طرقات الحياة الجامعية بابتسامة كبيرة رسمتها على وجهي، لتبتسم لي الحياة من حولي. وصلت إلى مشارف أبواب التخرج، وعند وصولي لمشروع التخرج صنعت جهازاً يتم وضعه على الكرسي المتحرك، فيمكن تحريك الجهاز بالصوت وجهاز التحكم (الريموت كنترول). هذا الجهاز يعين المعاقين وكبار السن على الحركة، خصوصاً أولئك الذين لا يملكون القدرة على تحريك اليدين أو الرجلين أو فقدوا إحداها، فيمكنهم التمتع بالخصوصية والحرية في التحركات دون الحاجة لأي مساعدة، عبر استخدام تقنية التحكم بالصوت من خلال تحديد صوت صاحب الجهاز والقيام بما يأمر.
بهذا الإنجاز الكبير الذي يضم إلى حياتي تخرجت من الجامعة، وكان اختراعي هو «الخيرة» التي جاءت بي إلى هذا التخصص، كرمت من قبل سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب رئيس مجلس أمناء المؤسسة الخيرية الملكية في حفل المتفوقين الذي تقيمه المؤسسة الخيرية الملكية، كانت سعادتي بالتكريم لا توصف، ففرحتي ذلك اليوم تفوق أي فرحة في الدنيا، فخرت بنفسي وتشرفت بكلمات سموه التي زادتني تشجيعاً، أعطاني هذا دافعاً لمواصلة الإنجازات، وهنا طرأت على بالي فكرة البحث عن مسابقات للابتكار العلمي، فدخلت على محرك البحث عبر الإنترنت (قوقل) ووجدت مسابقة عن البحث العلمي في أبوظبي، لم أتردد في المشاركة ونلت المركز الثالث رغم عدم توقعي النجاح أبداً كون الفائزين في المركز الأول والثاني من كبار الباحثين، فغمرتني فرحة أكبر برفع اسم البحرين وتمثيلها في أبوظبي... بعدها قدمت للمشاركة في مسابقة الرالي الإعلامي التي أقامها المجلس الأعلى للمرأة فئة مواضيع المرأة عبر الإنستغرام، وأضفت نجاحاً آخر إلى رصيدي إذ فزت في قسم التواصل الاجتماعي، وكرمت من قبل سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم قرينة عاهل البلاد المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة.
دروب النجاح لم تغير حياتي فقط، بل غيرت شخصيتي من إنسانة هادئة جداً إلى صاحبة شخصية طموحة، أشارك في عدد من الأنشطة والبرامج التطوعية الشبابية، أدرس الأطفال في مشروع إنجاز البحرين، كما شاركت في مسابقة (مشروعي) التابعة لتمكين بفكرة محل حلويات، فتدربت عن طريق جمعية الريادة الشبابية في كيفية وضع خطة المشروع، وبعد انتهاء الفترة التدريبية كرمت من قبل وزير الصناعة والتجارة. اكتسبت الكثير من هذه الدورة في إدارة المشروع الخاص وأنا حالياً في طور الإعداد له ليرى النور في الواقع، كما شاركت مع الجمعية في البرلمان الشبابي لنكون شباباً برلمانيين. ولم أقف عند هذا الطموح فقط، فأنا أهوى ركوب الخيل وأحلم بالمشاركة في سباقاته، وأتدرب أسبوعياً على الخيل، والحمد لله حصلت على وظيفة في بنك البحرين والكويت لأبدأ من خلالها مشواري العملي لنهضة البحرين.