سماح علام
الدارسين.. الكركم.. الزنجبيل.. البابونج.. وغيرها.. أشربة صحية تراثية عرفت كجزء أصيل من ثقافتنا الشعبية.. لذلك كان من المهم تجميعها في كتاب يوثقها ويحفظها في ذاكرة الوطن..
الكاتبة د. فوزية الصالح عملت على هذا الإصدار الذي تولدت فكرة إعداده منذ عام 2005 إثر حديث ودي مع زوجها الأديب د. إبراهيم غلوم، إذ تهديه كتابها بكلمات تختزل معنى الإنجاز وعمقه بقولها: «عندما تكون أحاديثنا العادية معك إنجازاً، أشعر بالاعتزاز بك لأن الآمال تنحني إجلالاً لك».
كتاب د. فوزية الصالح الجديد يقدم باقة من الأشربة الصحية والعلاجية، مصحوباً بصور من عدستها الخاصة، فهي تزرع وتجني الثمار وتقطف الأوراق لتخرج بلقطة متميزة ومتكاملة تضمنها هذا الإصدار الفريد، فالصورة لديها تعكس حكاية كاملة بحد ذاتها.
جاء كتاب «الأشربة الصحية» في أربعة فصول، الأول ثقافة الأشربة الصحية باعتبارها منهجاً في العودة إلى الطبيعة، والثاني الأشربة الخاصة بالشراب المكون من نبات واحد، أو عدد من النباتات، ويشرب كالشاي، والفصل الثالث حول المشروبات المكونة من نباتات، وتشرب كالدواء، وأخيراً جاء الفصل الرابع ليعرض طرق استخلاص النباتات، ليكون ريع الكتاب كما الكتب السابقة للكاتبة الصالح مهدى لصالح مؤسسات أهلية تحمل الهم المجتمعي. «لايف ستايل الوطن» تسلط الضوء على هذه الحديقة الغناء من وحي التراث مع د. فوزية الصالح..
ثمة دعوة ضمنية للعودة للطبيعة، تتحدث عنها د. الصالح قائلة: «وسط اهتمام الجيل الجديد بالمشروبات الحديثة عديمة الفائدة مثل المشروبات الغازية أو مشروبات الطاقة وغيرها.. لابد من العودة لخيرات الطبيعة، فالنعناع والليمون والزنجبيل والدارسين على سبيل المثال يشكلون بديلاً طبيعياً صحياً يجب أن يكون جزءاً من تفاصيل يومنا». وتلفت د. الصالح النظر إلى أن أغلب ما تضمنه الكتاب من أعشاب هي موجودة في بيئتنا، بل وتزرع في البيوت، إذ تقول: «توفر المحلات اليوم هذه الأعشاب ضمن «المنيو»، ولكنها أصبحت تباع في أكياس.. وهناك متذوقون لهذه النكهات، كما إن خلط الأعشاب يكون أيضاً أشربة مختلفة الطعم والتأثير».
وتضيف قائلة: «الثقة تجلب الإطمئنان، فالطب الحديث لم يثبت حتى الآن نتائج معاكسة لما لاحظه الاستخدام الشعبي لهذه الأشربة الصحية، بل إن المراجع العلمية واضحة في تأكيد وجود المعادن الضرورية التي يحتاج لها الانسان في غذائه من مكونات الأشربة الصحية، وخاصة النبات ومياه الينابيع الطبيعية التي تنتشر في مناطق كثيرة من العالم، ومنها جزر البحرين... ولكن انتعشت الأشربة في البحرين لأنها كانت ميناء بين مناطق تجارية، فقد جاء التميز من المعالجين الشعبيين العشبيين الذين اشتغلوا على ذلك في البحرين تحديداً دون سواها».
.. «إذا نفع ما يضر».. ولكن
وتنبه د. الصالح إلى أهمية مراعاة الوصف العلمي مع طرق الاستخدام، خاصة لأولئك الذين يعانون من بعض المشاكل الصحية المزمنة، مثل آلام البطن، والقولون، والصداع، والإجهاد، وضغط الدم، والسكر، والكولسترول، وغيرها.
أيضاً تبين أهمية التفريق بين الأشربة الصحية والأشربة العلاجية بقولها: «الأشربة الصحية هي أشربة تساعد على تحقيق الاسترخاء وهدوء النفس، فضلاً عن أنها قد تخفف من بعض الآلام الطارئة، أما الأشربة العلاجية فهي أشربة ذات مكونات محددة من النباتات، تم خلطها بنسب معينة من أجل تحقق علاجاً مباشراً لأحد الأمراض أو الآلام، فهي بمثابة دواء بديل، يثق العطارون ثقة كبيرة في فعاليته العلاجية، وربما أفرطوا أحياناً في ثقتهم هذه. وتطرح د فوزية بعض الأمثلة لتبين أن المقولة الدارجة «إذا ما نفع ما يضر» خاطئة، وعنها تقول: «لابد للمريض أن يكون حذراً عند تناول أي عشب، فمثلاً إذا أخذ الإنسان زيت الزيتون بشكل يومي سوف يقلل الضغط، ولكن هذا لا يجب أن يتم مع أخذ حبوب الضغط الاعتيادية، وعليه فإن من يريد تجرع زيت الزيتون يومياً لابد أن يكون مصحوباً بقياس الضغط بشكل يومي أيضاً، وأن يتم ذلك تحت إشراف طبيب من أجل تقليل جرعات حبوب الضغط لكي يتعادل الأمر بينهما.. وبالمثل في مرض السكر، فاللبان معالج للسكر ومنظم له ويستخدم من مئات السنين، ولكن لا يجب أخذه من قبل الناس الذين يعانون من مشاكل في المعدة.. وأيضاً العشرج الذي كان أهل البحرين بمختلف المناطق يشربون منه.. بل كان جزءاً من الثقافة الشعبية، ولكنه خطير على المرضى، وله تأثيرات سلبية وخطيرة، وفي مثال آخر أيضاً نقول إن من يعاني من مشاكل في الكلى وارتفاع في نسبة البوتاسيوم عليه أن لا يكثر من شرب ماء اللقاح فهو غني بالبوتاسيوم الذي يضاعف من مشاكل الكلى... لذلك نقول إن تأثير الأدوية الشعبية يجب أن يكون مدروساً وبإشراف طبيب عند المرضى تحديداً».
بين تأثيرات النفس والجسد
بين إرواء الظمأ وإرواء النفس وإشباعها.. ثمة معادلة صحية.. تتحدث عنها د. الصالح قائلة: «الافندر والبابونج مثلاً.. يعطي إحساساً بالراحة، فمن يشربه يرتاح.. من هنا جاءت هذه السكينة، فهي نتاج تأثر هذه الأعشاب، لذلك يجب الوعي بهذه التأثيرات الإيجابية».
وتعرف د فوزية الصالح الأشربة الصحية بقولها: «تتكون من ثلاثة عناصر طبيعية، الماء والنبات والمخاليط النباتية الأخرى التي قد تضاف عليها أحياناً، ولا تحتوي هذه الأشربة على أي مواد كيميائية إطلاقاً وقد اكتسبتهذه الأشربة صفة «الصحية» أو العلاجية من ثقافة المجتمع الذي ابتكرهاثم جربها عبر سنوات طويلة من الاستخدام، حيث اكتشف الناس بحكم الملاحظة، والتجربة أن هذع الأشربة تحقق غرضين مفيدين، الأول: أنها تمنح المذاق الطيوالمتوازن، والثاني: أنها تحقق علاجاً للآلام الطارئة، التي قد لا ترتبط بأمراض عضوية مزمنة، إضافة إلى ذلك فإن الأشربة الصحية لا تسبب إدماناً لأنها ليست من المؤثرات العقلية، بل ربما ساعدت على الحماية والوقاية.
انحسار محلات
بيع الأعشاب
وعن ثقافة الأشربة في البحرين وعلاقتها بالبيئة تقول د. فوزية الصالح: «تعرفت عن قرب على البيئة البرية في البحرين، وعاينت نباتاتها بالتفصيل، وقابلت نساء ورجالاً من أصحاب الخبرة والثقافة الشعبية، وزرت المحلات والدكاكين القديمة المتخصصة في بيع الأعشاب، والأدوية الشعبية، ومن كل ذلك لاحظت أن هذه الثقافة وهذه البيئة تنحسر وتتراجع دون أن تجد حماية كافية لها.
وتلفت النظر د فوزية إلى إنحسار محلات بيع الأعشاب قائلة: «لقد انحسرت محلات بيع الأعشاب وذهب أصحابها المعروفون في العقود الماضية، واستبدلوا بعمال ومحلات تقدم وصفات سريعة وسرية لا يعلم طبيعتها إلا الله».
وتواصل قائلة: «كان الناس من قبل إذا دخلوا دكان الحواج «وهو الاسم المحلي لبائع الأعشاب» امتلأت أنوفهم برائحة الأعشاب المحببة، فالبيئة المنتجة للنبات في البحرين خصبة، ومتنوعة «زراعية وصحراوية»، فقد عرفت البحرين منذ العصور القديمة بمزارعها الخضراء، المنتجة للتمر وأنواع الفواكة والنباتات، كالشعير والقمح الذي كان حتى مرحلة قريبة طعاماً رئيساً».
وتزيد د فوزية قائلة: «منذ منتصف القرن الماضي بدأت المساحة الخضراء في البحرين تتراجع بشكل ملفت للنظر، فقد توسع العمران الحديث، وابتلع أرياف القرى، وخاصة في المنطقة الشمالية، الغنية بمزارع النخيل والفاكهة.. لذا لم يعتمد الحواج منذ سنين على النبات المحلي وإنما أصبحوا يستوردونها من الخارج».
كان هذا وصفها للمنطقة الشمالية، وعن الجنوبية تقول: «الأودية والمساحات الصحراوية الواقعة في جنوب البحرين تنحسر هي الأخرى أمام زحف العمران والتنمية، وفي مقابل ذلك تقل خصوبة النبات الصحراوي بسبب انحسار مواسم المطر، وخلاصة ذلك كله أن الوعي بالأشربة الصحية يتراجع بقوة، بينما ينفتح المجتمع على نمط جديد من استهلاك الأشربة المصنعة».
حكاية النبات
في أسطور جلجامش
لقد بدأت رحلة اكتشاف النبات منذ عصر الأسطورة، ولم تنته حتى الآن، لأنها أصبحت جزءاً من تاريخ العلم والمعرفة والحكمة.. وأهم ما يمكن الإشارة إليه أسطورة جلجامش السومرية، فجلجامش ذو الطبيعة نصف الإلهية يخوض ملحمة من البطولات مع صديقه أنكيدو ذو الطبيعة البشرية، ثم يفارقه هذا الرفيق، ويتركه يواجه معضلة الموت بسبب عدم اكتمال إلوهيته، ومن هنا تبدأ رحلته الصعبة لبلوغ سر الخلود، وعندما يصل غلى مصب الأنهار يغوص في أعماق البحر ليصل إلى نبع الشباب، ويعثر على نبات يعيد إليه الشباب «زهرة الخلود».. ولهذه الاسطورة رغم رمزيتها معان حقيقية في علاقة النبات بالأدوية والعلاجات.. وظلت حكاية الاعشاب والنباتات مقترنة بحكاية العلاج، ومن ثم حكاية العيش ودوام الصحة بين الناس، وهكذا فإن رمزية الأسطورة السابقة ذات أساس واقعي وليست مجرد خيال، ومنطقها عقلي لا يرتبط بتفكير الآلهة القديمة وإنما يرتبط بتفكير البشر العاديين، وطبيعة تجاربهم في البحث عن صحة الحياة.
وتبين د. الصالح تاريخ النبات الممتد إلى حضارة دلمون قائلة: «يمتد تاريخ النباتات الصحية والعلاجية إلى البحرين والخلج العربي منذ حضارة ديلمون وما اكتشف من آثارها، كالأواني التي تستخدم لبعض القياسات، فصور الأواني والفخاريات المعروضة في المتحف الوطني تدل على أن للنباتات الصحية في هذه المتطقة تاريخ طويل، ولعل انفتاحها على البحر، وعلى الصحراء جعلها نقطة التقاء حضاري وهجرات ورحلات إلى الشرق والغرب والشمال، مما وطن لديها صناعات عديدة من بينها صناعة العلاج بالنبات، ومنها صناعة الأشربة الصحية التي اشتهرت بها بعض قرى البحرين القريبة من البئات الزراعية». وتضيف قائلة: «إن البيئة المنتجة للنبات في البحرين خصبة، ومتنوعة «زراعية وصحراوية»، فقد عرفت البحرين منذ العصور القديمة بمزارعها الخضراء، المنتجة للتمر وأنواع الفواكه والنباتات، كالشعير والقمح الذي كان حتى مرحلة قريبة طعاماً رئيساً. ولكن، ومنذ منتصف القرن الماضي بدأت المساحة الخضراء في البحرين تتراجع بشكل ملفت للنظر، فقد توسع العمران الحديث، وابتلع أرياف القرى، وخاصة في المنطقة الشمالية، الغنية بمزارع النخيل والفاكهة. ولذا لم يعتمد «الحواويج» منذ سنين على النبات المحلي وإنما أصبحوا يستوردونها من الخارج».
تكامل الأدوار
في المجتمع
ورداً على سؤالها حول أهمية التوثيق تقول د. فوزية الصالح : «التوثيق مهم.. إذ يجب الاهتمام بتوفير التسهيلات أمام الباحث، ويجب أن توفر الإمكانيات له، فمثلا تم توفير هولكبتر لأحد الباحثين في دولة مجاورة لعمل بحث عن أعشاب الصحراء.. من هنا لابد من التأكيد على دعم دور الباحثين في الاهتمام بتوثيق مثل هذه الأمور.. وأود أن أشكر جيبك وتمكين على دعمهم لإصداراتي.. فنحن لدينا دراسات علمية كثيرة في هذا الجانب، ولكن توثيق هذه الأمور وغيرها في كتاب أمر مهم».
{{ article.visit_count }}
الدارسين.. الكركم.. الزنجبيل.. البابونج.. وغيرها.. أشربة صحية تراثية عرفت كجزء أصيل من ثقافتنا الشعبية.. لذلك كان من المهم تجميعها في كتاب يوثقها ويحفظها في ذاكرة الوطن..
الكاتبة د. فوزية الصالح عملت على هذا الإصدار الذي تولدت فكرة إعداده منذ عام 2005 إثر حديث ودي مع زوجها الأديب د. إبراهيم غلوم، إذ تهديه كتابها بكلمات تختزل معنى الإنجاز وعمقه بقولها: «عندما تكون أحاديثنا العادية معك إنجازاً، أشعر بالاعتزاز بك لأن الآمال تنحني إجلالاً لك».
كتاب د. فوزية الصالح الجديد يقدم باقة من الأشربة الصحية والعلاجية، مصحوباً بصور من عدستها الخاصة، فهي تزرع وتجني الثمار وتقطف الأوراق لتخرج بلقطة متميزة ومتكاملة تضمنها هذا الإصدار الفريد، فالصورة لديها تعكس حكاية كاملة بحد ذاتها.
جاء كتاب «الأشربة الصحية» في أربعة فصول، الأول ثقافة الأشربة الصحية باعتبارها منهجاً في العودة إلى الطبيعة، والثاني الأشربة الخاصة بالشراب المكون من نبات واحد، أو عدد من النباتات، ويشرب كالشاي، والفصل الثالث حول المشروبات المكونة من نباتات، وتشرب كالدواء، وأخيراً جاء الفصل الرابع ليعرض طرق استخلاص النباتات، ليكون ريع الكتاب كما الكتب السابقة للكاتبة الصالح مهدى لصالح مؤسسات أهلية تحمل الهم المجتمعي. «لايف ستايل الوطن» تسلط الضوء على هذه الحديقة الغناء من وحي التراث مع د. فوزية الصالح..
ثمة دعوة ضمنية للعودة للطبيعة، تتحدث عنها د. الصالح قائلة: «وسط اهتمام الجيل الجديد بالمشروبات الحديثة عديمة الفائدة مثل المشروبات الغازية أو مشروبات الطاقة وغيرها.. لابد من العودة لخيرات الطبيعة، فالنعناع والليمون والزنجبيل والدارسين على سبيل المثال يشكلون بديلاً طبيعياً صحياً يجب أن يكون جزءاً من تفاصيل يومنا». وتلفت د. الصالح النظر إلى أن أغلب ما تضمنه الكتاب من أعشاب هي موجودة في بيئتنا، بل وتزرع في البيوت، إذ تقول: «توفر المحلات اليوم هذه الأعشاب ضمن «المنيو»، ولكنها أصبحت تباع في أكياس.. وهناك متذوقون لهذه النكهات، كما إن خلط الأعشاب يكون أيضاً أشربة مختلفة الطعم والتأثير».
وتضيف قائلة: «الثقة تجلب الإطمئنان، فالطب الحديث لم يثبت حتى الآن نتائج معاكسة لما لاحظه الاستخدام الشعبي لهذه الأشربة الصحية، بل إن المراجع العلمية واضحة في تأكيد وجود المعادن الضرورية التي يحتاج لها الانسان في غذائه من مكونات الأشربة الصحية، وخاصة النبات ومياه الينابيع الطبيعية التي تنتشر في مناطق كثيرة من العالم، ومنها جزر البحرين... ولكن انتعشت الأشربة في البحرين لأنها كانت ميناء بين مناطق تجارية، فقد جاء التميز من المعالجين الشعبيين العشبيين الذين اشتغلوا على ذلك في البحرين تحديداً دون سواها».
.. «إذا نفع ما يضر».. ولكن
وتنبه د. الصالح إلى أهمية مراعاة الوصف العلمي مع طرق الاستخدام، خاصة لأولئك الذين يعانون من بعض المشاكل الصحية المزمنة، مثل آلام البطن، والقولون، والصداع، والإجهاد، وضغط الدم، والسكر، والكولسترول، وغيرها.
أيضاً تبين أهمية التفريق بين الأشربة الصحية والأشربة العلاجية بقولها: «الأشربة الصحية هي أشربة تساعد على تحقيق الاسترخاء وهدوء النفس، فضلاً عن أنها قد تخفف من بعض الآلام الطارئة، أما الأشربة العلاجية فهي أشربة ذات مكونات محددة من النباتات، تم خلطها بنسب معينة من أجل تحقق علاجاً مباشراً لأحد الأمراض أو الآلام، فهي بمثابة دواء بديل، يثق العطارون ثقة كبيرة في فعاليته العلاجية، وربما أفرطوا أحياناً في ثقتهم هذه. وتطرح د فوزية بعض الأمثلة لتبين أن المقولة الدارجة «إذا ما نفع ما يضر» خاطئة، وعنها تقول: «لابد للمريض أن يكون حذراً عند تناول أي عشب، فمثلاً إذا أخذ الإنسان زيت الزيتون بشكل يومي سوف يقلل الضغط، ولكن هذا لا يجب أن يتم مع أخذ حبوب الضغط الاعتيادية، وعليه فإن من يريد تجرع زيت الزيتون يومياً لابد أن يكون مصحوباً بقياس الضغط بشكل يومي أيضاً، وأن يتم ذلك تحت إشراف طبيب من أجل تقليل جرعات حبوب الضغط لكي يتعادل الأمر بينهما.. وبالمثل في مرض السكر، فاللبان معالج للسكر ومنظم له ويستخدم من مئات السنين، ولكن لا يجب أخذه من قبل الناس الذين يعانون من مشاكل في المعدة.. وأيضاً العشرج الذي كان أهل البحرين بمختلف المناطق يشربون منه.. بل كان جزءاً من الثقافة الشعبية، ولكنه خطير على المرضى، وله تأثيرات سلبية وخطيرة، وفي مثال آخر أيضاً نقول إن من يعاني من مشاكل في الكلى وارتفاع في نسبة البوتاسيوم عليه أن لا يكثر من شرب ماء اللقاح فهو غني بالبوتاسيوم الذي يضاعف من مشاكل الكلى... لذلك نقول إن تأثير الأدوية الشعبية يجب أن يكون مدروساً وبإشراف طبيب عند المرضى تحديداً».
بين تأثيرات النفس والجسد
بين إرواء الظمأ وإرواء النفس وإشباعها.. ثمة معادلة صحية.. تتحدث عنها د. الصالح قائلة: «الافندر والبابونج مثلاً.. يعطي إحساساً بالراحة، فمن يشربه يرتاح.. من هنا جاءت هذه السكينة، فهي نتاج تأثر هذه الأعشاب، لذلك يجب الوعي بهذه التأثيرات الإيجابية».
وتعرف د فوزية الصالح الأشربة الصحية بقولها: «تتكون من ثلاثة عناصر طبيعية، الماء والنبات والمخاليط النباتية الأخرى التي قد تضاف عليها أحياناً، ولا تحتوي هذه الأشربة على أي مواد كيميائية إطلاقاً وقد اكتسبتهذه الأشربة صفة «الصحية» أو العلاجية من ثقافة المجتمع الذي ابتكرهاثم جربها عبر سنوات طويلة من الاستخدام، حيث اكتشف الناس بحكم الملاحظة، والتجربة أن هذع الأشربة تحقق غرضين مفيدين، الأول: أنها تمنح المذاق الطيوالمتوازن، والثاني: أنها تحقق علاجاً للآلام الطارئة، التي قد لا ترتبط بأمراض عضوية مزمنة، إضافة إلى ذلك فإن الأشربة الصحية لا تسبب إدماناً لأنها ليست من المؤثرات العقلية، بل ربما ساعدت على الحماية والوقاية.
انحسار محلات
بيع الأعشاب
وعن ثقافة الأشربة في البحرين وعلاقتها بالبيئة تقول د. فوزية الصالح: «تعرفت عن قرب على البيئة البرية في البحرين، وعاينت نباتاتها بالتفصيل، وقابلت نساء ورجالاً من أصحاب الخبرة والثقافة الشعبية، وزرت المحلات والدكاكين القديمة المتخصصة في بيع الأعشاب، والأدوية الشعبية، ومن كل ذلك لاحظت أن هذه الثقافة وهذه البيئة تنحسر وتتراجع دون أن تجد حماية كافية لها.
وتلفت النظر د فوزية إلى إنحسار محلات بيع الأعشاب قائلة: «لقد انحسرت محلات بيع الأعشاب وذهب أصحابها المعروفون في العقود الماضية، واستبدلوا بعمال ومحلات تقدم وصفات سريعة وسرية لا يعلم طبيعتها إلا الله».
وتواصل قائلة: «كان الناس من قبل إذا دخلوا دكان الحواج «وهو الاسم المحلي لبائع الأعشاب» امتلأت أنوفهم برائحة الأعشاب المحببة، فالبيئة المنتجة للنبات في البحرين خصبة، ومتنوعة «زراعية وصحراوية»، فقد عرفت البحرين منذ العصور القديمة بمزارعها الخضراء، المنتجة للتمر وأنواع الفواكة والنباتات، كالشعير والقمح الذي كان حتى مرحلة قريبة طعاماً رئيساً».
وتزيد د فوزية قائلة: «منذ منتصف القرن الماضي بدأت المساحة الخضراء في البحرين تتراجع بشكل ملفت للنظر، فقد توسع العمران الحديث، وابتلع أرياف القرى، وخاصة في المنطقة الشمالية، الغنية بمزارع النخيل والفاكهة.. لذا لم يعتمد الحواج منذ سنين على النبات المحلي وإنما أصبحوا يستوردونها من الخارج».
كان هذا وصفها للمنطقة الشمالية، وعن الجنوبية تقول: «الأودية والمساحات الصحراوية الواقعة في جنوب البحرين تنحسر هي الأخرى أمام زحف العمران والتنمية، وفي مقابل ذلك تقل خصوبة النبات الصحراوي بسبب انحسار مواسم المطر، وخلاصة ذلك كله أن الوعي بالأشربة الصحية يتراجع بقوة، بينما ينفتح المجتمع على نمط جديد من استهلاك الأشربة المصنعة».
حكاية النبات
في أسطور جلجامش
لقد بدأت رحلة اكتشاف النبات منذ عصر الأسطورة، ولم تنته حتى الآن، لأنها أصبحت جزءاً من تاريخ العلم والمعرفة والحكمة.. وأهم ما يمكن الإشارة إليه أسطورة جلجامش السومرية، فجلجامش ذو الطبيعة نصف الإلهية يخوض ملحمة من البطولات مع صديقه أنكيدو ذو الطبيعة البشرية، ثم يفارقه هذا الرفيق، ويتركه يواجه معضلة الموت بسبب عدم اكتمال إلوهيته، ومن هنا تبدأ رحلته الصعبة لبلوغ سر الخلود، وعندما يصل غلى مصب الأنهار يغوص في أعماق البحر ليصل إلى نبع الشباب، ويعثر على نبات يعيد إليه الشباب «زهرة الخلود».. ولهذه الاسطورة رغم رمزيتها معان حقيقية في علاقة النبات بالأدوية والعلاجات.. وظلت حكاية الاعشاب والنباتات مقترنة بحكاية العلاج، ومن ثم حكاية العيش ودوام الصحة بين الناس، وهكذا فإن رمزية الأسطورة السابقة ذات أساس واقعي وليست مجرد خيال، ومنطقها عقلي لا يرتبط بتفكير الآلهة القديمة وإنما يرتبط بتفكير البشر العاديين، وطبيعة تجاربهم في البحث عن صحة الحياة.
وتبين د. الصالح تاريخ النبات الممتد إلى حضارة دلمون قائلة: «يمتد تاريخ النباتات الصحية والعلاجية إلى البحرين والخلج العربي منذ حضارة ديلمون وما اكتشف من آثارها، كالأواني التي تستخدم لبعض القياسات، فصور الأواني والفخاريات المعروضة في المتحف الوطني تدل على أن للنباتات الصحية في هذه المتطقة تاريخ طويل، ولعل انفتاحها على البحر، وعلى الصحراء جعلها نقطة التقاء حضاري وهجرات ورحلات إلى الشرق والغرب والشمال، مما وطن لديها صناعات عديدة من بينها صناعة العلاج بالنبات، ومنها صناعة الأشربة الصحية التي اشتهرت بها بعض قرى البحرين القريبة من البئات الزراعية». وتضيف قائلة: «إن البيئة المنتجة للنبات في البحرين خصبة، ومتنوعة «زراعية وصحراوية»، فقد عرفت البحرين منذ العصور القديمة بمزارعها الخضراء، المنتجة للتمر وأنواع الفواكه والنباتات، كالشعير والقمح الذي كان حتى مرحلة قريبة طعاماً رئيساً. ولكن، ومنذ منتصف القرن الماضي بدأت المساحة الخضراء في البحرين تتراجع بشكل ملفت للنظر، فقد توسع العمران الحديث، وابتلع أرياف القرى، وخاصة في المنطقة الشمالية، الغنية بمزارع النخيل والفاكهة. ولذا لم يعتمد «الحواويج» منذ سنين على النبات المحلي وإنما أصبحوا يستوردونها من الخارج».
تكامل الأدوار
في المجتمع
ورداً على سؤالها حول أهمية التوثيق تقول د. فوزية الصالح : «التوثيق مهم.. إذ يجب الاهتمام بتوفير التسهيلات أمام الباحث، ويجب أن توفر الإمكانيات له، فمثلا تم توفير هولكبتر لأحد الباحثين في دولة مجاورة لعمل بحث عن أعشاب الصحراء.. من هنا لابد من التأكيد على دعم دور الباحثين في الاهتمام بتوثيق مثل هذه الأمور.. وأود أن أشكر جيبك وتمكين على دعمهم لإصداراتي.. فنحن لدينا دراسات علمية كثيرة في هذا الجانب، ولكن توثيق هذه الأمور وغيرها في كتاب أمر مهم».