في هذا السياق، يقول دانييل كريست، الباحث في العلاج بالأجسام المضادة في معهد غارفان للبحوث الطبيّة في أستراليا: "عندما يفكر معظمنا في الحمض النووي، ما يخطر ببالنا هو الحلزون المزدوج. وهذا البحث الجديد يذكرنا بوجود أشكال مختلفة من الحمض النووي، ربما تكون مهمة جدًا لخلايانا".
وحسب تقرير نشرته إيلاف ، يُطلق على هذا المكوّن الجديد في الحمض النووي اسم بنية التصميم المتشابك (i-motif). تمّ اكتشافه أول مرة من قبل بعض الباحثين في تسعينيات القرن الماضي، لكنّه لم يكن قد شوهد إلا في المختبر، وليس في الخلايا الحية.
اليوم، بفضل فريق كريست، نعلم أن i-motif يتكوّن بشكل طبيعي في الخلايا البشرية، ما يعني أنّ على الباحثين أن يركّزوا مجددًا على أهمية هذه البنية بالنسبة إلى الوظائف الحيوية الخلوية، بعد التشكيك فيها سابقًا، لأنها لم تظهر إلا في المختبر.
إذا كنت تعتبر أنّ الشكل المألوف من الحمض النووي هو اللولب الحلزوني المزدوج فحسب، الذي أصبح شهيرًا بسبب واتسون وكريك، فإنّ تكوين i-motif قد يشكّل مفاجأة.
يشرح عالم الجينوم مارسيل دينجر، الذي شارك في البحث، أنّ "i-motif عقدة من الحمض النووي رباعية الشرائط (أو الضفائر). وفي تركيبة هذه العقدة، ترتبط رموز (C) "سيتوسين" الموجودة على نفس شريط الحمض النووي مع مثيلاتها - بينما يختلف ذلك كثيرًا في اللولب المزدوج، حيث تتعرف "الرموز" إلى بعضها البعض على الشرائط المتقابلة، وليس على الشريط نفسه، وحيث يرتبط السيتوسين بـ"الغوانين" (G).
وفقًا لما قاله مهدي زيراتي، أول مؤلف للدراسة الجديدة في غارفان، ليس i-motif سوى تركيبة واحدة من التراكيب المتعددة للحمض النووي التي لا تأخذ شكل الحلزون المزدوج، والتي يمكن أن تتواجد أيضًا في خلايانا.
في عام 2013، استخدم الباحثون جسمًا مضادًا مهندسًا وراثيًا فاكتشفوا في الخلايا البشرية نوعًا آخر من بنية الحمض النووي، يطلق عليه اسم الحمض النووي ج-الرباعي (G4).
في الدراسة الجديدة، طور زيراتي وزملاؤه جزءًا من الجسم المضاد (iMab) يمكنه أن يتعرف بشكل خاص إلى i-motif ويرتبط به. هكذا، يمكن تحديد موقعه في الخلية من طريق التوهج الفلوري المناعي.
في هذا الإطار، لفت زيراتي إلى أنّ أكثر ما أثارهم هو التمكّن من رؤية البقع الخضراء، أي i-motifs، تظهر وتختفي بمرور الوقت، فعلموا أنها تتشكل وتتحلل ثم تتشكل مجددًا.
وفي حين لا يزال هناك الكثير لمعرفته حول طريقة عمل بنية i-motif، تشير النتائج إلى أنّ هذه البنى الموقتة تتشكل في وقت متأخر من "دورة حياة" الخلية، وتسمى المرحلة المتأخرة G1، تتمّ خلالها قراءة الحمض النووي بفاعلية.
وتميل تركيبات i-motifs أيضًا إلى الظهور في ما تعرف باسم المناطق "المحفّزة"، أي مناطق الحمض النووي التي تتحكم في ما إذا كانت الجينات معطّلة أو ناشطة، وفي التيلوميرات، أي العلامات الجينية المرتبطة بالشيخوخة. يوضح زيراتي: "نعتقد أن ظهور بنى i-motifs واختفاءها دليل على وظيفتها. ومن المحتمل أنها موجودة للمساعدة على تنشيط الجينات أو تعطيلها، والتأثير في قراءة الجينات بفعالية".
الآن، بعدما عرفنا بشكل قاطع أن هذه التركيبة الجديدة من الحمض النووي موجودة في الخلايا، سيعطي ذلك الباحثين القدرة على معرفة وظيفة هذه البنى داخل أجسادنا.
وكما يشرح زيراتي، ربما تكون الإجابات مهمة للغاية، ليس فقط في ما يتعلّق بـ i-motif، بل أيضًا بالنسبة إلى أشكال الحمض النووي الأخرى.
بحسب ما قاله زيراتي لمجلة ScienceAlert، "ربما تكون هذه التشكّلات البديلة من الحمض النووي مهمة بالنسبة إلى البروتينات الخلوية، من أجل التعرف إلى تسلسل حمضها النووي وممارسة وظائفها التنظيمية".
إذًا، قد تكون لتشكّل هذه البنى أهمية قصوى، حتى تعمل الخلية بشكل طبيعي، وأي انحراف فيها ربما يؤدّي إلى عواقب مرضيّة.