ومن المتوقع أن يحدث علم الجينوم ثورة في الطب والصحة العامة تتيح للعلماء تشخيص أمراض نادرة، وفهم أمراض أخرى، مثل السرطان، وتطوير أدوية أفضل، بآثار جانبية أقل.
كما يعد علم الجينوم - حسب إيلاف - بتحويل الصحة العامة في البلدان النامية، حيث سيتيح إيجاد علاجات أفضل للأمراض والأوبئة.
المشكلة أن هذا كله يتطلب قواعد بيانية كبيرة من المعلومات الجينومية تقدمها أعداد كبيرة من الأشخاص، ويمكن تبادلها وتحليلها بسهولة. أنجز العلماء حتى الآن التسلسل الجينومي لأكثر من مليون شخص، لكنهم يشكون نقص البيانات، قائلين إنه يعوق بحوثهم.
فكلفة استكمال التسلسل والخوف من أن الأشخاص لن يستطيعوا التحكم ببياناتهم الجينومية يمنعهم عن المشاركة، بحسب علماء في جامعة هارفرد ورجال أعمال في قطاع التكنولوجيا يقولون إنهم وجدوا حلًا.
ألف دولار فقط
لن يسمح مشروعهم الطموح للشخص بالحصول على تسلسله الجينومي فحسب، بل وأن يكسب مالًا بمشاطرة بياناته الجينومية مع باحثين أو شركات صيدلانية.
لكن أكبر عقبة تعترض طريقهم هي توعية الناس بقيمة المعلومات الجينومية. فهم مستعدون لدفع 1000 دولار من أجل شراء آيفون، لكنهم ليسوا مستعدين لدفع هذا المبلغ من أجل فهم مادتهم الوراثية، كما يقول هؤلاء.
تهدف شركة نيبيولا جينوميكس إلى الجمع بين تكنولوجيتين مهمتين: تحديد التسلسل الجينومي والمنصة المؤمنة التي ترتكز إليها عملات افتراضية، مثل بيتكوين، أو ما تعُرف بتكنولوجيا سلسلة الكتل.
تأمل شركة نيبيولا في إقناع الأشخاص بأن علم الجينوم يمكن أن يدخل الاقتصاد التبادلي. وهي تقول إن الإنسان بمعرفة تسلسله الجينومي يستطيع أن يحسن علاجه الصحي، ويساعد عائلته، ويقدم مساهمة إنسانية بمساعدة البحوث في أنحاء العالم، وحتى تسلم مكافأة مادية مقابل ذلك.
مرت 15 سنة على إنجاز التسلسل الكامل لأول جينوم بشري بمشروع دولي كلف 3 مليارات دولار، واستغرق أكثر من عشر سنوات. منذ ذلك الحين، انخفضت الكلفة إلى نحو 1000 دولار، بفضل الاختراقات التقنية التي أتاحت قراءة الجينوم بسرعة أكبر.
يتصرفون بها
ثمة شركات تجارية تقرأ الجينومات، وتبيع بياناتها إلى شركات بحوث. تريد نيبيولا الاستغناء عن هؤلاء الوسطاء المتعاملين بالمادة الوراثية من خلال استخدام تكنولوجيا "سلسلة الكتل" لبناء مجموعة تشاركية تمنح الأشخاص إمكانية الكسب المالي من جينوماتهم.
يدفع الأشخاص الآن لتحدد نيبيولا تسلسلهم الجينومي، فبامتلاك الأشخاص بياناتهم الجينومية الجديدة يستطيعون التصرف بها، الاحتفاظ بها لأنفسهم أو بيعها إلى الباحثين.
يقول كمال عباد، أحد مؤسسي نيبيولا، إن المشاركين الأوائل في المشروع، والذين لديهم صفات وراثية تهمّ الباحثين، يستطيعون "أن يحققوا مبلغًا مقبولًا من المال". وعلى الرغم من أن الشركة لا تعطي أرقامًا لهذه المبالغ، فإنها تشير إلى أن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يعرضوا بياناتهم الجينومية للبيع في سوق حجمها مليارات الدولارات تتعامل معها الشركات الصيدلانية.
لدى شركات الأدوية العملاقة موارد هائلة، فهي أنفقت أكثر من 150 مليار دولار على البحث والتطوير في عام 2016 وحده. وهي تدفع آلاف الدولارات إلى المتطوعين الذين يشاركون في اختبارات سريرية لأدويتها، ومن المرجح أن تكون الجينومات المرغوبة مصدر ربح على نحو مماثل، كما تشير نيبيولا.
لكن هذه الشركة تؤكد أن الكسب المادي لن يكون الدافع الرئيس في النهاية لاستخدام التسلسل الجينومي مقارنة بإمكانية الحصول على عناية صحية مشخصنة أفضل نتيجة توفر هذه البيانات الجينومية. فتوافر التسلسل الجينومي للأشخاص يتيح لهم اتخاذ قرارات مسنودة بمعلومات دقيقة بشأن تخطيط الأسرة، فيما سيكون الأطباء قادرين على إعطائهم أدوية وعلاجات موصوفة لهم تحديدًا.
تحفظات كثيرة
لكن الدكتور إيوان بيرني، مدير معهد المعلوماتية الحيوية الأوروبي، قال إن مشروع شركة نيبيولا ذو صبغة أميركية، ليس بالضرورة مشروعًا صحيحًا أو خاطئًا، لكنه أميركي، ويجب النظر إليه في السياق الأميركي.
أشار إلى أن العناية الصحية في أميركا تجارة كبيرة، تركز على العلاقة بين تطوير تكنولوجيات جديدة للربح من تطبيقها في هذا المجال وطريقة العمل التجاري، وتعني أن الوضع في أوروبا يختلف، حيث المواطن أكثر ثقة بالمؤسسات العامة لإئتمانها على بياناته الجينومية.
أبدت الدكتورة صوبيا رضا، رئيسة قسم العلوم في مؤسسة بي إتش جي فاونديشن لبحوث السياسة الصحية في كامبريدج، تحفظات مماثلة. وقالت إن المشروع مثير للاهتمام من حيث مقاربته لتسهيل تشارك البيانات الجينومية، ولكن لا يُعرف كيف سيكون تطبيقه في الممارسة العملية. كما أبدت شكها في ضمان خصوصية الأشخاص الذين يستخدمون بياناتهم الجينومية، ولا سيما أن عليهم أن يتشاطروا تفاصيل طبية عن أنفسهم.
تعترف شركة نيبيولا بأن هناك مشكلة "أيهما أول: البيضة أم الدجاجة؟" مع الأشخاص الذين لا يرون منافع الحصول على تسلسلهم الجينومي، لكنها تقول إن العلماء لا يستطيعون تقديم هذه المنافع ما لم يضعوا أيديهم على المزيد من الجينومات.