كتبت - فيروز كيلاني حلمي

طالبة إعلام جامعة البحرين

اعتاد العديد من الأشخاص في المجتمع البحريني ممارسة الكثير من المهن والحرف والصناعات التقليدية في الماضي القريب. أما اليوم فهي على وشك الاندثار، والأمثلة التي قمنا باختيارها في هذا التحقيق الصحفي توضح لنا الوتيرة التي تمر بها هذه الحرف نحو منهجية تظهر لنا أسباب قلتها وتنحي البعض عن ممارستها . فلماذا بدأ بعض الحرفيين بالعزوف عن حرفهم؟ وهل للشباب دور في هذه الحرف بيومنا الحالي ؟ وماهي الأسباب التي تجعل هذه الحرف غير قابلة للتطور في المجتمع البحريني ؟ سنرى في هذا التحقيق ابعاد هذه الظاهرة .

فاضل والفخار

يقول الحرفي في مصنع دلمون للفخار فاضل (40 سنة): "امتهنت هذه الحرفة منذ صغري، ومارست عائلتي هذه المهنة منذ ما يقارب 100 عام، فقمنا بتوارثها و تعليمها لابناءنا كما فعل اباءنا واجدادنا. أخذت هذه المهنة اتجاهاً آخر في البحرين، سابقاً كنا نبني المنازل ونصنع مستلزمات المنازل واستخدمها البعض لصناعة "القدو" لكن في وقتنا الحالي أصبح استخدامها للديكور وتزيين المطابخ والمنازل والمطاعم. وعلى الرغم من تطور هذه الحرفة في البحرين إلا أن الدعم غير كافٍ لانتشارها بشكل كبير في ظل هذا التطور إذ يوجد 6 مصانع فقط لصناعة الفخار وجميعها في منطقة عالي.

أما بالنسبة للتكاليف فأسعار الطين سابقا كانت معقولة بخلاف أسعار اليوم، فالمقتنيات التي نحتاجها لصناعة الفخار مكلفة وبدون الدعم الكافي أو تخفيض في الأسعار لن نتمكن من الاستمرار في هذه الحرفة"، مؤكدا أن اليد البحرينية أنتجت العديد من الفنون والحرف للأجيال التي بعدها، وأنصح الشباب بممارستها كفن دون النظر إلى المدخول المادي حتى لا تندثر هذه الحضارة الحرفية، ولافتا أن استخدام الأيدي العاملة الأجنبية جاء نتيجة قلة الحرفيين البحرينيين للمهنة.

مال الله والصيد



بدأ مال الله جاسم –أبو فهد- (60 عاماً) مزاولة مهنة الصيد منذ صغره قبل أكثر من 40 سنة، واعتاد على الصيد بآلات بسيطة، فيقول: "يمارس هذه المهنة الهواة بسبب قرب سكننا من البحر فكنا نعيش حياة بحرية فتدرجت اهتماماتي بهذه المهنة حتى اخدت قرض خاص بي و بدات بالصيد مع اصدقائي و تمكنت من استيعاب مهنة الصيد و جعلتها لقمة عيش لي. لا يمكنني القول إن مهنة الصيد قلت في البحرين بل دخلت عليها جنسيات أخرى، فبعد التطور والطفرة النفطية والتوجهات للعمل في قطاعات اخرى، بدأ بعض الصيادين الاتجاه للعمل في مجالات اخرى بسبب سهولة مردودها المادي. وأكد ان مردود الصيد مجدي على العمالة الاجنبية لعدم وجود مسؤوليات عليهم كأقساط السكن أو السيارة، فهم يعيشون بتشارك المعيشة فيما بينهم. بينما يجد الصياد البحريني صعوبة بسبب مصاريف المعيشة و المسؤوليات المحاطة به من قبل العائلة ، وارتفاع تكاليف لوازم الصيد. ودعا الشباب إلى عدم ترك المهنة والاستمرار في مزاولتها لأنها مهنة الآباء والأجداد و تعتبر مخزون غذائي وجزء من اقتصاد الدولة.

ومن جانبه، أكد الصياد حمد الزياني أن المنافسة شديدة في قطاع الصيد بين العمالة الأجنبية واليد العاملة الوطنية بسبب التشريعات والقوانين التي يضعها أصحاب القرار، إضافة إلى ما حدث في مجال الزراعة فقد تم استبدال الزراعة بالعمران.

يعقوب و"النداف"

مارس يوسف يعقوب (عمره17سنة) حرفة " النداف" منذ سنة و نصف، فيقول: "تعني هذه الحرفة استخدام القطن في الوسائد و الأسرة، والنداف هو المسؤول عن هذا العمل حيث يتنقل من منزل لآخر لفك القطن وإعادة تدويرة مره أخرى". وذكر أنه مارس هذه الحرفة كهواية، ويقول: "لم أرث الحرفة عن أجدادي وإنما أثارت انتباهي من بين المهن التي تعلمناها في مقرر الثقافة الشعبية، فأنا كشاب بحريني أريد إحياء تراث وطني من خلال ممارستي لحرفة النداف".

ولا يعتبر يوسف هذه الحرفة مهنة في المستقبل وذلك بسبب مردودها المادي القليل ولكن ستبقى كعمل ثانوي إلى جانب عمله الأساسي.

وأضاف: "حرفة النداف تغاضى عنها البحرينيون بسبب وجود بدائل توفر لهم لقمة عيش أفضل فأصبحت اليد العاملة الأجنبية مسيطرة على هذه الحرفة، لكن وزارة التربية والتعليم تسعى لإنماء الحس التراثي لدى الطلبة من خلال تدريس هذه الحرف الشعبية في المقررات الدراسية لتجعل الشباب البحريني يحيي هذه الحرف من جديد".



أحمد و"الغوص"

ويقول غواص المحار هاني أحمد (40 سنة): "بدات ممارسة هذه الهواية عن طريق أقاربي وتعلمت كل خبايا البحر وجعلتها مصدر رزق آخر لي رغم صعوبتها وقله مدخولها في الوقت الحالي والمعاناه التي نمر بها للحصول على المحار و اللؤلؤ".

ويضيف: "هذه المهنة لا تقتصر على جيلنا فقط بل أصبح الشباب أيضا يمارسونها كعمل إضافي لهم"، مؤكدا أن هذه الحرفة لا تقتصر على الذكور فقط، إذ استهوت الإناث ممارسة هذه المهنة، إضافة إلى عدم السماح للعمالة الأجنبية بمزاولة الحرفة، وهذا ما يميزها. وأشار إلى أن الحرفة تحتاج إلى رخصة غوص كشرط من الجهات المعنية لممارستها.



هلال و"السلال"

بدأ عبدالرضا هلال (60 سنة) ممارسة حرفة صناعة السلال بمساعدة والده منذ صغره في قرية كرباباد المشهورة بهذه الحرفة، وقال: "كانت هذه الحرفه تعرف قديما بصناعة السبابيك، حيث كانت مجرد سلال عادية وطورناها بصناعة غطاء لها فتغيرت أشكالها وألوانها، واستمررت في مزاولتها طوال حياتي بجانب عملي، وتفرغت لها كلياً بعد تقاعدي".

فيما أكد ابنه محمد عبد الرضا أن الحرفة لم تندثر بل يعملون على تطويرها ونقلها للأجيال عن طريق والده بتقديم دورات تعليمية ونشرها في البلدان الأخرى عبر المعارض الدولية.



وحول دور العمالة الأجنبية في الحرفة، قال عبدالرضا إنه لا يستعين بالعمالة الأجنبية فلا يتم الاستعانة بهم، إذ يفضل عبدالرضا أن تكون اليد العاملة من قبل أقاربه. فيحاول أن يستمر في العطاء بهذه المهنة كي لا تندثر خلال هذا التطور التكنولوجي.

وعن أسباب هذه التحولات توضح د. أحلام القاسمي أستاذة في جامعة البحرين قسم العلوم الاجتماعية متخصصة في المشاكل اجتماعية قائلة: "بدأت في فترة السبعينات تطورات في المجتمع الخليجي وغيرت معها سسيولوجيا الخليج وهي العوامل الاجتماعية ، فهناك عاملان تركوا اثر في المجتمع الخليجي فالعامل الاول هو الاقتصادي حيث بداء الشباب يتجهون الى المهن الصناعية في الشركات و استبدال الحرف التقليدية في هذة المهن التي تسمى المهن المكتبية، فالمردود المادي في هذه المهن أفضل من الحرف الشعبية. والعامل الثاني هو الاجتماعي حيث من خلال هذه المهن يتم تغير الثقافة الاجتماعية فينظرون الى المهن الحرفية بنظرة "انتقاصية"، وهذه هي الأسباب الرئيسية التي أدت لوجود فراغ في مجال الحرف الشعبية".



وأكدت أن هذا ما سمح للعمالة الأجنبية بالولوج للحرف الشعبية، فبدا تحولها من المهن الأصيلة التي كانت تعبر عن تراثنا وتقاليدنا لمن تمارس من قبل الغير فقط للحصول على "لقمة العيش"، وأضافت أن المهن الحرفية مهن تخصصية فيجب على الجهات المختصة أن توفر الدعم الكافي لكي لا تندثر وتنمي الحث التراثي لدى الشباب البحريني، مشيرة إلى أن الشباب يجب أن يعيدوا النظرة لمثل هذه المهن ويقومو بتطويرها والسعي لنموها.

أما أ. علي عبدالله رئيس تحرير مجلة الثقافة الشعبية يقول: " لابد من الاعتراف والتسليم بحقيقة تغير نمط العيش في زماننا هذا عما كان عليه في الزمن الماضي ، ومع تغير أنماط العيش تغيرت العادات والتقاليد والعديد من المفاهيم التي تشكل نظرة المجتمع إلى كل شيء من حوله . ولا بد أن نرى بإمعان التطورات المتسارعة في تحديث كل جوانب الحياة ودخول الالات الإلكترونية ووسائل العيش الحديثة لتسهيل حياة الإنسان وتوفير المزيد من الرفاهية ، فمثلا حرفة النداف والحداد والتناك والنجارومثيلاتها من المهن والحرف أدخلت عليها أدوات وآلات ومواد خام جديدة ومن لم يتماشى من الحرفيين والصناع مع هذه المستجدات لتقديم منتج جديد تكون له وضيفة في حياتنا المعاشة فمن الطبيعي أن تضمحل حرفته وتموت".

وأكد علي عبدالله أن الرواسب المتخلفة القديمة لنظرة مجتمعاتنا إلى الصانع والمهني لاتزال قائمة إلى اليوم فالكل يتطلع إلى أن يكون "شيخ الشيوخ"، بغض النظرعما لديه من قدرات وتعليم وامكانيات حتى لو تكبل بالديون المهلكة للبنوك الربوية، لذلك تأتي العمالة الأجنبية الفقيرة لتسد حاجة المجتمع إلى بعض المهن الصغيرة التي تشكل جزءا من تراث البلد وتاريخه، وهذا بالطبع خلل ثقافي واجتماعي واقتصادي.

وبكل تأكيد هناك مهن وحرف شعبية ستضمحل وتموت لانتفاء الوظيفة والحاجة، فليس باليد حيلة فهل نتركها تموت وتندثر حتى دون توثيق فيفترض أن توصف وتصور وتوثق وتؤرشف وتحفظ كل المعلومات والتفاصيل الخاصة بكل هذه الحرف والصناعات التقليدية، ليس بأسلوب وهدف الفرجة السياحية فقط، وإنما ذلك حسب منهج وأسلوب علمي اختصاصي بعيدا عن الاستعراض والبهرج الإعلامي.

تلك هي الأسباب الأساسية وراء ترك الشباب للحرف الشعبية المهددة بالانقراض في ظل التطور الاقتصادي والاجتماعي في مملكة البحرين كما كشفها التحقيق ، وأن العديد من الحرفيين مستعدين لإحياء هذه المهن إن قامت المؤسسات والجهات المعنية بتوفير الدعم الكافي لهم.