سلطان العلماء أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي، اشتهر بزهده وجرأته في الله، حتى لقد عرف ببائع السلاطين، وذلك عندما أفتى أن يباع أمراء المماليك ويرد ثمنهم إلى بيت مال المسلمين، كما سنذكر بعد قليل.
كان علماً في علوم وفنون شتى، كالتفسير وعلوم القرآن، والحديث، والعقائد، والفقه وأصوله، والسيرة النبوية، والنحو والبلاغة، والسلوك والأحوال القلبية.
ولد العز بن عبد السلام في دمشق سنة 577هـ، وتوفي في القاهرة، سنة 660هـ عن الثلاثة والثمانين عاماً.
وقد نشأ في أسرة فقيرة الحال، فلم يتهيأ له أن يبدأ التعلم صغيراً، إلا أنه حين بدأ التحصيل أقبل عليه بهمة لا تعرف الملل.
وسجل التاريخ مواقف رائعة للعز بن عبدالسلام منها إنكاره على حاكم دمشق "الصالح إسماعيل" تحالفه مع الصليبيين وتنازله لهم عن بعض المواقع، وسماحه للناس ببيع السلاح للإفرنج، فأفتى الشيخ بتحريم ذلك كله، وأعلن موقفه على المنبر، فأمر الحاكم بعزله واعتقاله.
ومن هذه المواقف هو بيعه لأمراء المماليك الذين كان يستعملهم الملك نجم الدين في خدمته وجيشه وتصريف أمور الدولة، فقد أبطل العز تصرفاتهم، لأن المملوك لا ينفذ تصرفه شرعاً. وقد ضايقهم ذلك، وعطل مصالحهم، فراجعوه فقال: لابد من إصلاح أمركم بأن يعقد لكم مجلس فتباعوا فيه، ويرد ثمنكم إلى بيت مال المسلمين، ثم يحصل عتقكم بطريق شرعي... فلما سمعوا هذا الحكم ازدادوا غيظاً وقالوا: كيف يبيعنا هذا الشيخ ونحن ملوك الأرض؟.
وثار نائب السلطان وذهب في جماعة من الأمراء إلى بيت الشيخ يريدون قتله، فلما رآهم ابنه فزع وخاف على أبيه، فما اكترث الشيخ، بل قال :يا ولدي، أبوك أقلُّ من أن يقتل في سبيل الله.
وغضب الملك نجم الدين أيوب من هذه الفتوى وقال: ليس هذا من اختصاص الشيخ، وليس له به شأن!.فلما علم العز بذلك عزل نفسه عن القضاء، وقرر العودة إلى الشام، فتبعه العلماء والصلحاء والتجار والنساء والصبيان.
وجاء من همس في أذن الملك: متى ذهب الشيخ ذهب ملكك. فخرج الملك مسرعاً ولحق بالشيخ، وأدركه في الطريق وترضاه، ووعده أن ينفذ حكم الله في المماليك كما أفتى الشيخ. فرجع العز ونفذ الحكم.