ففي سبتمبر من عام 1998، وعندما أسس لاري بيج وسيرغي برين الشركة الأم لغوغل، شركة ألفابيت، لم يكن بحوزتهما سوى 4 أجهزة كمبيوتر ومبلغاً من المال لم يتجاوز 100 ألف دولار دفعها أحد المستثمرين الذي آمن بفكرتهما، بأن إنشاء محرك للبحث على الإنترنت سيغير حياة البشر إلى الأبد.
ولم يتوقع الكثيرون أن تحقق غوغل أرباحاً طائلة ناهزت 9.4 مليار دولار بعد عشرين عاماً فقط من تأسيسها المتواضع، لكن احتياطات الشركة وصلت إلى حوالي 100 مليار دولار أميركي في الوقت الحالي.
وبعد عقدين من الزمن على انطلاقة غوغل، وهو المحرك لأشهر في البحث في العالم، باتت خدمات غوغل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا البشر اليومية، مما أدى إلى تغيير هيكلية البنية الذهنية للإنسان نحو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وبالتالي امتدت الأدمغة البشرية نحو الفضاء الرقمي.
ويستخدم نحو 90% من مستخدمي الإنترنت محرك البحث غوغل، أي بمعنى أن غوغل تحتكر المجال السيبراني تقريباً، دون إعطاء مجال لأي محرك بحث آخر للدخول في عالم المنافسة.
وبيّنت دراسة صادرة عن باحثين في جامعة "برينستون" الأميركية، أن غوغل ترصد تحركات ما يزيد عن ملياري شخص حول العالم، ممن يستعملون أجهزة وهواتف تعمل بنظام التشغيل الشهير "آندرويد".
وبفضل خوارزمياتها السحرية والملغزة، تبسط غوغل هيمنتها على عالم الشبكة العنكبوتية، بل وتنفتح أكثر وأكثر للاستثمار في عالم الصناعات التكنولوجية من برمجيات وأجهزة إلكترونية.
كما لم يعد مساعد غوغل، الذي لا يتطلب تشغيله سوى استخدام كلمتين فقط "هاي غوغل"، يقدم معلومات سريعة فحسب، بل أصبح بإمكانه حجز المواعيد عوضاً عنا وإجراء حجوزات للمطاعم.
فضلاً عن ذلك، أصبحت خدمة غوغل للبريد الإلكتروني "جي ميل" تقدم اقتراحات حول ما نرغب في كتابته، كما باتت أخبار غوغل تعرض آخر المستجدات التي لها علاقة شخصية بنا، فقد ساهمت جميع هذه العناصر في تبديد حاجتنا إلى التفكير واتخاذ القرارات بأنفسنا.
وتستأثر غوغل أيضاً بالمستقبل، إذ وعدت بتوسيع نتائج البحث لتشمل ما قد يثير اهتمام المستخدم حتى من دون أن يسأل عنه، لتعرض عليه معلومات عن رغباته ومتطلباته وتكلفتها والخدمات التي يمكن التقدم بها، وفق معطيات وأرقام خاصة بسلوكنا الرقمي ونشاطاتنا في فضاء الإنترنت.
وترتكز هذه الأمور إلى معرفة "غوغل" لعادات مستخدمي الانترنت عموماً، وأيضاً إلى معلوماته الدقيقة عن المستخدم بما يشمل موقعه الجغرافي ولغته ونوع الجهاز الذي يستخدمه، إضافة إلى معلومات كثيرة أخرى يختلف حجمها تبعاً لكمية البيانات الشخصية التي يتيح المستخدم للتطبيقات الاطلاع عليها.
ويقول الخبير في الفلسفة البروفسور بنيامين كرتس إن الاتكال المتنامي على خدمات غوغل القائمة على الذكاء الاصطناعي، جعلنا نتخلى عن قدر أكبر من مساحتنا الذهنية الشخصية لصالح غوغل.
ويشير إلى أن غوغل يعمد إلى سد نقائصنا المعرفية، وبالتالي الذهنية، وفي هذه الحالة، ستتلاشى خصوصيتنا الذهنية وقدرتنا على التفكير بحرية.