يسعى الرسام الأميركي تريفور باجلين إلى عرض أعماله الفنية في الفضاء تشجيعاً منه للناس على التأمل في الكون والتحقق من موقعهم على الأرض.
يُقدِم الفنانون من حين إلى آخر على نقل أعمالهم إلى بيئات يصعب الوصول إليها، سواء تحت الماء أو في أعماق الصحاري أو إلى جليد القطب الشمالي.، لكن هذه المرة، يريد تريفور باجلين المضي قدماً إلى أبعد من ذلك حيث سيعرض أعماله في الفضاء من خلال كشاف عاكس محمول على قمر صناعي لينقل صورة منحوتة معكوسة من الفضاء الخارجي إلى الأرض، وهي المغامرة الفنية المقرر أن تنطلق في منتصف الشهر الجاري.
ومن المقرر أن ينطلق هذا العمل الفني التقدمي المحسوب على مجال النحت إلى مسافة 580 كلم فوق مستوى سطح الأرض، ليحول الفضاء إلى متحف مفتوح في الهواء الطلق لسكان الكوكب، أو حسب قول باجلين “يجعل هناك سبب لكي يرنو الناس بعيونهم إلى الفضاء”، وقد تم تنفيذ المشروع تحت إشراف متحف نيفادا للعلوم، وسيستمر العرض قرابة ثلاثة أشهر.
ومع ذلك فقد تعرّضت الفكرة، التي تعتبر أول غزو فني للفضاء، إلى هجوم حاد من بعض العلماء الذين اعتبروا العمل الفني مجرد “قطعة خردة معلقة في الفضاء، لا فائدة ترجى منها”.
وعلى عكس أي قمر صناعي آخر تم تصميم عمل باجلين لأغراض فنية بحتة، وربما كان هذا الجانب تحديداً، المتعلق بالغرض الحر للفكرة هو الذي أثار غضب الكثير من رواد الفضاء.
ويذكر أنه في يناير الماضي أطلق في الفضاء قمر صناعي مشابه يحمل كرة ليزر مثل تلك التي تستخدم في قاعات الرقص “ديسكوتيك” وحمل اسم “نجمة الإنسانية”، وكان أيضا لأغراض فنية، مما أثار مخاوف البعض من عدم دقة قياساته.
ووصل الأمر بمجلة “غيزمودو” الإلكترونية أن تطالب قائلة “يا أيها الفنانون، نناشدكم التوقف عن وضع أشياء تافهة براقة في الفضاء”. إلا أن “تفاهة باجلين البراقة”، على الأقل، قد تسحر بعض المتحمسين للتعرف على الفضاء.
أما في ما يتعلق بالجهة المعنية وهي اللجنة الفيدرالية للاتصالات، فبمجرد أن تصرح بعملية الإطلاق، فسوف تضع شركة إيلون مسك إكس للفضاء صاروخاً من طراز فالكون 9، ليكون رهن تصرف منحوتة باجلين لنقلها كأي تاكسي فضائي إلى مسارها الخارجي.
وبمجرد أن تستقر في المسار، ستنفتح منها غرفة، سيخرج منها بالون بطول 30 مترا على شكل مسلة أو قطعة ألماس مدببة، حيث سيلقي سطحها العاكس حزمة من ضوء الشمس على منطقة الظل من كوكب الأرض، مما يتيح رؤيتها محلقة في السماء البعيدة في ليلة مظلمة دون الحاجة إلى أي تلسكوب.
وعلق كالب شارف، مدير مركز علم الأحياء الفضائية بجامعة كولومبيا في نيويورك، لمجلة “أتلانتيك” “الكثير من الناس سيقدرون المزيد من الاحترام للعالم الطبيعي بدلا من إضافة بناء فني جديد. تشبه السماء ليلا حيوانا مهددا بالانقراض، لذا فإن أفضل طريقة لمشاهدته وهو حالته الطبيعية”.
ولا يفهم باجلين لماذا يشكل القمر الصناعي الخاص به تحديدا مشكلة، فهو واحد بين المئات من الأقمار الصناعية الأخرى، مؤكدا في الوقت نفسه أن “المشروع يتعهد بألا يترك أي أثر في الفضاء، نظرا لأنه بعد انتهاء فترة العرض سوف تعود المنحوتة إلى الغلاف الجوي وتتحلل من تلقاء نفسها.
وهو ما يؤكده الموقع الإلكتروني للمشروع “إنها غزوة فضائية مؤقتة”، يسعى باجلين من خلالها إلى تشجيع الناس على التأمل في الكون والتحقق من موقعهم على الأرض، وكيف يتعايش البشر ويتشاركون على هذا الكوكب.
وأضاف “إذا كان الفن على الأرض لا يجب أن تكون له أي غاية أخرى سوى الفن فقط، ألا يجب أن يكون الحال كذلك بالنسبة للفضاء؟”.
وقالت المتدربة في ناسا ليزا روث راند خلال ندوة لمجلة أتلانتيك “إذا منعت ‘أف.سي.سي’ إطلاق الأعمال الفنية في الفضاء، فسوف يلجأ الفنانون للاحتجاجات، ولكن التصريح لهم سوف يعطي ضوءا أخضر للمزيد من المشروعات الفنية في المستقبل”، مؤكدة “ما له قيمة على الأرض ستكون له بالتأكيد قيمة في الفضاء: على سبيل المثال ما يعتبره البعض غرافيتي، يراه البعض الآخر فن شوارع”، إنها مسألة وجهات نظر