هاجس الذاكرة والاغتراب الذاتي هيمن هذه السنة على القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية التي يعرفها البعض بـ"جائزة البوكر"، حيث تبرز أربع نساء روائيات مقابل اثنين من الروائيين، في مشهد ربما يشير إلى أن المرأة أقدر على اختزان الذكريات المؤلمة والحزينة بالتحديد، فغالب الأجواء التي تسيطر على هذه الأعمال الأربعة النسوية، هي الحسرة والأسى والضياع.

وعبر رئيس مجلس الأمناء للجائزة عن هذه الفكرة ياسر سليمان، قائلاً: "تطلُّ علينا القائمة القصيرة لهذه الدورة بأصواتٍ أدبيةٍ تبدع في تناولها لموضوعات رواياتها، والتي يعود بعضها إلى الماضي فيستحضره بلغة تأسر الواقع وتتجاوزه؛ لترسم صورة للحنين إلى ماض لن يعود. ويستلهم بعضها الآخر سيمياءه من مآسي الحاضر المتنوعة مآسي تَحطُّم الأوطان وانكسار إنسانية الإنسان أمام جبروت قوى تقضم ما يقف أمامها بلا شفقة".

وتبدو اللغة في أغلب هذه الأعمال الستة، وهي تفيض بالضياع وحيث لا يقبض فيها على الزمن أو الشخوص، فالشخصيات مائهة ومموجة غير واضحة المعالم، تشبه طبيعة زمن الانكسارات، حيث ليس للإنسان ربما حتى لو مجرد ظل يشير إليه.

وفي جولة بسيطة على الأفكار الرئيسة في هذه الأعمال يجد القارئ إنها روايات المصائر المنهوبة، فما بين "بريد الليل" للروائية اللبنانية هدى بركات، التي تصور الصمت والعزلة وتعيد فكرة المراسلات التقليدية بحيث يذهب الخطاب إلى المجهول والمفتوح بلا تحديد لجهة معينة وحيث يموت ساعي البريد، ومن ثم رواية "شمس بيضاء باردة" للأردنية كفى الزعبي، حيث تطل قضايا الشباب وتعثر التفكير الحر حيث جمود الزمن والأفكار، ما بين هذا وذاك المشهد تأتي مشهدية الرواية الثالثة "الوصايا" للمصري عصمت عادل، الذي يعيدنا فيها بأشواق جارفة إلى الريف المصري، حيث الحياة القديمة وحيث الجد والامتداد الأزلي الذي ينظم البشر مثل عقد منثور، سرعان ما سوف نكتشف أنه يتفتت مع عالم جديد، إنها رواية البحث عن دفء الحياة في الأمس وفي حكمة الأجداد وذكرياتهم وقلقهم الوجودي الذي لا يشبه قلق اليوم حتى لو أننا نأخذ منه معين الحكمة الخالدة للعيش الإنساني المتماسك بالأمل.