ما بين القرنين 14 و17، عاشت القارة الأوروبية على وقع موجات طاعون عديدة تسببت في وفاة ما لا يقل عن 150 مليوناً من سكانها.

وعقب وباء الطاعون الأسود الذي عصف بإنجلترا منتصف القرن 14 وتسبب في وفاة نحو ربع سكانها، عاشت البلاد ما بين عامي 1665 و1666 على وقع طاعون لندن العظيم الذي أسفر عن وفاة ما يقارب 100 ألف إنجليزي. في الأثناء، كاد هذا الوباء أن ينتشر بشكل أكبر ويتسبب في سقوط ملايين الضحايا بإنجلترا لولا تدخل إحدى القرى التي فضّل سكانها الموت وإنقاذ أرواح بقية أهالي البلاد.

وخلال شهر أغسطس 1665، تلقى الخياط جورج فيكارس (George Viccars) المقيم بقرية إيام (Eyam) بمقاطعة ديربيشاير (Derbyshire) الإنجليزية دفعة ثياب قادمة من مدينة لندن التي نخرها الطاعون الأسود طيلة الأشهر الماضية متسببا في وفاة عشرات الآلاف من سكانها. وبسبب جهله بأسباب انتشار الطاعون حينها، وضع جورج فيكارس الثياب القادمة من لندن والمليئة بالبراغيث بمحله ليكون بذلك أول ضحية يصاب ويموت بهذا المرض بقرية إيام.

وما بين شهري سبتمبر وديسمبر 1665، فارق نحو 45 شخصاً من أهالي إيام الحياة بسبب الطاعون، وأمام هذا الوضع فضّل الراهب والمسؤول عن القرية وليام مومبسون (William Mompesson) التدخل لمنع انتشار المرض نحو مدينتي شفيلد (Sheffield) وبيكويل (Bakewell) القريبتين، فأقدم على وضع خطة لفرض الحجر الصحي على إيام وغلق جميع منافذها ومنع سكانها من مغادرتها وتحجير دخولها على الأجانب.

وبسبب شعبيته الضئيلة، استعان مومبسون بالمسؤول السابق عن إيام توماس ستانلي (Thomas Stanley) الذي عزل عقب الحرب الأهلية الإنجليزية من منصبه، ومعاً، تمكّن الرجلان من إقناع أهالي قرية إيام بضرورة اعتماد هذا "التطويق الصحي" والانعزال لإنقاذ البلاد من الكارثة ووعدوهم بتوفير المؤن والغذاء لهم انطلاقاً من قرية تشاتسوورث (Chatsworth) القريبة.

وعلى الرغم من تراجعها بشكل واضح خلال فترة الشتاء، سجلت نسبة الوفيات ارتفاعاً مذهلاً مع بداية صيف 1666، وخلال شهر أغسطس من نفس السنة تجاوز عدد الوفيات 6 حالات يوميا بسبب تكاثر البراغيث.

ونقلت تقارير تلك الفترة قصصاً عن معاناة أهالي إيام مع الطاعون، فعلى سبيل المثال، خسرت إليزابيث هانكوك 6 من أطفالها وزوجها خلال 8 أيام فقط، وأجبرت على دفنهم جميعا بقبور متلاصقة، كما عانى مارشال هاو من نفس المشكلة فدفن زوجته وابنه واتجه لمساعدة جيرانه في دفن ضحاياهم، فضلاً عن ذلك فارقت كاثرين زوجة المسؤول وليام مومبسون الحياة عن عمر يناهز 27 سنة عقب انتقال العدوى إليها أثناء اعتنائها بالمرضى.

وما بين شهري سبتمبر وأكتوبر تراجع عدد الوفيات بشكل واضح قبل أن يزول المرض بشكل تام من المنطقة مطلع نوفمبر. وبسبب الطاعون فارق 260 فرداً من أهالي قرية إيام، المقدر عددهم ببضعة مئات، الحياة ومنعوا بفضل تضحيتهم وعدم مغادرتهم للقرية انتشار المرض نحو بقية المناطق المجاورة.