المصدر: العربية.نت – طه عبدالناصر رمضان

بفضل تجربته التي أجراها أواخر القرن الثامن عشر، ساهم الطبيب الإنجليزي إدوارد في تخليص البشرية من مرض الجدري الذي أرّق البشرية وتسبب سنويا بوفاة نحو 400 ألف شخص سنويا بأوروبا. فيوم 14 أيار/مايو 1796، أجرى إدوارد جينر تجربته الشهيرة على الطفل جيمس فيبس (James Phipps) فحقنه بعينات من جلد حلابة بقر أصيبت في وقت سابق بجدري البقر ليلاحظ بذلك ظهور مناعة ضد مرض الجدري لدى الطفل.

وبفضل هذه التجربة، تحوّل إدوارد جينر لأيقونة التلقيح ومقاومة الأمراض بالعالم وقد أسهمت الحرب التي بدأها ضد المرض في إعلان منظمة الصحة العالمية بعد نحو قرنين انتصار البشرية على الجدري وحددت الطفلة البنغالية رحيمة بانو (Rahima Banu) والصومالي على ماو مالين (Ali Maow Maalin) كآخر شخصين معروفين أصيبا بالجدري.

إلى ذلك، انتشر خبر النتائج الإيجابية لتجربة إدوارد جينر بشكل سريع بكامل أرجاء القارة الأوروبية. وبفرنسا، تزّعم الطبيب والسياسي جوزيف إغنياس غيوتان (Joseph Ignace Guillotin) جهود التشجيع على حملة تطعيم وطنية للقضاء على الجدري. وخلال شهر أيار/مايو 1800، ترأس الأخير لجنة التلقيح وحصل على دعم البابا بيوس السابع سنة 1804 والصيدلي الشهير أنطوان برمانتيه (Antoine Parmentier) عام 1805 لبدء حملة التطعيم ضد المرض.

وخلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 1803، التقى الطبيب غيوتان بالقنصل الأول نابليون بونابرت وحدّثه عن ضرورة اعتماد التطعيم ضد الجدري بالبلاد. في الأثناء، أجرى الصيدلي برمانتيه أولى التجارب حول طريقة التطعيم وحقق نجاحا شجعه على تأييد تطعيم الجيش والشعب الفرنسي.

بداية من العام 1805، لم يتردد نابليون بونابرت بمساعدة الأطباء غيوتان وبينال (Pinel) والصيدلي برمانتيه في بدء عملية تطعيم الجيش الفرنسي ضد الجدري. أيضا، وافق نابليون خلال شهر أيار/مايو 1811 على تطعيم ابنه ضد الجدري كما عمم عملية التلقيح لتشمل بقية أفراد الشعب الفرنسي. وعلى حسب عدد من المصادر، حصل أغلب الأطفال بنصف محافظات فرنسا على تطعيم ضد الجدري أثناء السنوات الخمس الأخيرة من حكم نابليون وبفضل ذلك تراجع عدد الوفيات بسبب هذا المرض بشكل لافت للانتباه مقارنة بعام 1789 (سنة اندلاع الثورة الفرنسية).

ما بين عامي 1803 و1815، كانت فرنسا وإنجلترا في فترة عداوة وحروب متواصلة. إلا أن ذلك لم يمنع نابليون بونابرت من إرسال ميدالية للطبيب الإنجليزي إدوارد جينر كشكر لدوره الكبير في إنهاء معاناة كثيرين بسبب الجدري. أيضا، حافظ الإمبراطور الفرنسي على جانب كبير من الاحترام لجينر طيلة فترة حكمه. فسنة 1805، راسل جينر الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت شخصيا وطلب منه إخلاء سبيل أسيرين إنجليزيين كما طلب منه لاحقا إطلاق سراح جاسوس عرف باسم السير جورج سينكلار (George Sinclair).

ومع تلقيه لرسالة الطبيب جينر، وافق نابليون بونابرت دون تردد على إطلاق سراح هؤلاء الأسرى قائلا "لا نستطيع أن نرفض طلبا لأحد أعظم من قدّموا خدمة للبشرية".