بيروت - جوني فخري - العربية نت
لا شك أن فيروس كورونا المستجدّ فرض إيقاعه على دول العالم وشعوبها وبات عنوان الأحداث اليومية. وفي وقت تتسابق إجراءات الحكومات لوقف انتشاره السريع الذي خلّف وراءه حتى الآن أكثر من 35 ألف ضحية حول العالم، بدأ القلق يتغلغل في المجتمعات وخيّمت "الصدمة" على الكثير من الشعوب بسبب "التأخّر" في القضاء على الفيروس بعدما ظنّوا أن التطور العلمي والتكنولوجي كفيل بإنهائه.
ورغم الإمكانيات الهائلة اقتصادياً ومالياً، بدت دول عظمى عاجزة عن مواجهة كائن ميكروسكوبي لا يُمكن ملاحظته إلا عبر المهجر.
من هنا تفاعل العقل البشري مع الفيروس بطرق ثلاثة: إما الإنكار أو المواجهة أو الاستسلام كنتيجة للذعر.
التفاعل النفسي مع الفيروس
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور نبيل خوري المتخصص في علم النفس لـ"العربية.نت": "أن التفاعل النفسي مع الفيروس يعود إلى مجموعة مقوّمات، منها أن الانسان بطبعه لا يأخذ الأمور في بدايتها بجدّية ثم يعود إلى الجدّية بعد أن يصطدم بعراقيل قوية ويبدأ بالبحث عن مخارج وحلول انطلاقاً من الخلفية الثقافية، لكن للأسف "تسخيف" الأمر هو الرائد في التعاطي مع فيروس كورونا".
وأضاف "العقل البشري تعاطى مع هذا الخطر في البداية بعدم الجدّية، وهذا ما جعل إيطاليا مثلاً تنغمس لاحقاً إلى مستوى الكارثة الفعلية".
استسلام بريطانيا وألمانيا
أما بالنسبة للذعر، فأشار خوري إلى "أن بريطانيا "استسلمت" في البداية للفيروس وظهر ذلك من خلال قول رئيس الوزراء بوريس جونسون إن على البريطانيين أن يكونوا مستعدّين لفقدان أفراد من عائلتهم بسبب كورونا. والأمر نفسه بالنسبة لألمانيا، حيث أعلنت المستشارة أنغيلا ميركيل أن 70% من الألمانيين سيصابون. أما إيطاليا فهي النموذج الأمثل للاستسلام مع إعلان رئيس الوزراء أننا فقدنا السيطرة ولم نعد نستطيع فعل شيء".
وعزا هذا الاستسلام لا سيما في البداية "إلى يأس شعوب هذه الدول وذعرها من تطور كورونا، لاسيما أن أسباب الفيروس غير معروفة والوقائع على الأرض لم تستند إلى مدلولات علمية حسّية".
كما اعتبر "أن العقل البشري محدود وله سقوفه. والأخيرة ترتفع حسب منسوبه الفكري والثقافي والإدراكي. فهناك شعوب تنتظر الموت، لذلك تفاعلت مع الفيروس على قاعدة "المسلّم به". في حين أن شعوباً أخرى تعاطت بعدم جدّية مع الفيروس ونظّمت تظاهرات في الشارع للمطالبة بالعفو العام عن معتقلين في السجون تجنّباً لإصابتهم بالفيروس، غير آبهين بانتقال العدوى في ما بينهم نتيجة التجمّع وقرب المسافة، وهو ما حصل في لبنان في الأسبوع الماضي. وهناك أناس تعاركوا في ما بينهم داخل السوبرماركت والمحال التجارية من أجل الحصول على مواد تعقيم وأكياس طحين، وهو ما رأيناه في دول عدة في الأيام الأخيرة".
العالم قبل كورونا ليس كما بعده
لكن الأخطر من كورونا بحسب الدكتور خوري، التغييرات السياسية التي أحدثها وباتت الشعوب تستوعبها. فالعالم قبل كورونا لن يكون كما بعده. فهناك سقوط لفكرة الفيدراليات الواسعة، بدليل إعادة ترسيم حدود الدول الأوروبية وتقسيمها إلى مقاطعات معزولة عن بعضها بعضا لتجنّب انتقال فيروس كورونا إليها. كما أن هناك أصواتاً بدأت ترتفع في أميركا تدعو إلى عزل الولايات عن بعضها بعضا".
كما أوضح "عندما يكون الخيار بين اتفاقية "شينغين" والبقاء على قيد الحياة فإن الأوروبيين سيختارون حتماً تعليق هذه الاتفاقية من أجل ضمان حياتهم وأمنهم الصحي".
تغيّر السلوك البشري
لا شك أن مرحلة "كورونا" هندست السلوك البشري وأعادت صياغته ضمن قواعد جديدة يتم من خلالها تحديد العلاقات البشرية باعتبار أن التواصل البشري المباشر بات سبباً من أسباب المرض وانتقال العدوى.
وشدد الطبيب اللبناني على "أن فيروس كورونا غيّر وجه العالم. لا مصافحات وقبلات بعد اليوم. المناسبات الاجتماعية وارتياد المطاعم وصالات السينما ستكون في خبر كان. الحفلات الترفيهية لن تُقام كما في السابق قبل إيجاد اللقاح المناسب للفيروس". وأكد "أن المجتمع كلّه متّجه الى تغيّرات أساسية في جوهر قِيَمه".
مجتمع لصوص
إلى ذلك، رأى "أنه بعد انتهاء فترة الحجر المنزلي فإن بعض المجتمعات معرّضة لأن تتحوّل إلى مجتمعات لصوص، لأن كثيرين سيفقدون وظائفهم وسيلجأون إلى أعمال السرقة لإطعام عائلاتهم".
وختم بالإشارة الى "أن إلغاء الامتحانات الرسمية في لبنان ودول العالم بات أمراً واقعاً، لأن العام الدراسي مُهدد إذا ما استمر الفيروس على هذه الوتيرة من الانتشار السريع".