انتقلت أزمة سد النهضة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً "تيك توك"، حيث اشتعل التطبيق بآراء مختلفة من قبل مواطني الدول المعنية بهذا الملف الشائك والمتعثر منذ أشهر لا بل سنوات.
فالمشروع المفترض أن يكون أكبر منشأة لتوليد الكهرباء من المياه في إفريقيا، أثار خلافات بين إثيوبيا ودولتي المصب الجارتين مصر والسودان، اللتين تخشيان أن يحد من مواردهما المائية الضرورية، وتمدد إلى رواد مواقع التواصل بين البلدان الثلاثة.
وفي حين نشر أحد المصريين رسالة رأى خلالها أن سد النهضة سيؤدي إلى إفقار مصر التام من المياه، ما سيؤدي في النهاية إلى أن تقدم مصر على تدمير السد، استخدمت ناشطة إثيوبية التطبيق لتصوير فيديو غنائي تقوم فيه بضرب أخرى تمثل مصر تدخلت في وسط غنائها لتعبر عن الوسم المعروف في إثيوبيا على مواقع التواصل "إنه سدي".
كما اختار ناشط سوداني أن يكون منحازاً إلى إثيوبيا بدلاً من مصر، وملأ قنينة إثيوبيا عن آخرها والتي هي بمثابة سد النهضة، ثم ملأ معظم قنينة السودان، لكنه ترك قنينة مصر خاوية.
قصيدة من 37 بيتاًوالأسبوع الماضي، أخذت الناطقة الرسمية باسم رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، استراحة من التصريحات الرسمية لتنشر شيئاً مختلفًا على موقعها في تويتر: قصيدة من 37 بيتاً تدافع فيها عن السد الضخم الذي تبنيه بلادها على النيل الأزرق.
ففي القصيدة التي حملت عنوان "إثيوبيا تتكلم"، كتبت بيلين سيوم: "أمهاتي يطلبون الراحة/من سنوات من الفقر/أبناؤهن يريدون مستقبلا مشرقا/والحق في السعي لتحقيق الرخاء".
وكما تشير الأبيات فإن إثيوبيا تنظر إلى مشروع سد النهضة، البالغة كلفته 4,6 مليار دولار، بوصفه بالغ الأهمية لتنميتها ومدها بالكهرباء.
وتعتزم أديس أبابا ملء السد الشهر المقبل، رغم مطالبة القاهرة والخرطوم بإبرام اتفاق بشأن عمليات تشغيل السد للحؤول دون استنزاف النيل.
إلى ذلك يقوم الاتحاد الإفريقي بدور قيادي في المحادثات لتسوية المسائل القانونية والفنية العالقة. وناقش مجلس الأمن المسألة الاثنين.
وفيما يتزايد الاهتمام العالمي بالسد، يجد المدافعون عنه طرقاً مبتكرة لإظهار الدعم له، بأبيات الشعر مثل بيلين، وأشكال أخرى من الفن، وقبل كل شيء على منصات التواصل الاجتماعي حيث يطالبون بأن تنجز الحكومة ورشة البناء.
وسم "إنه سدي"بدأت إثيوبيا ببناء السد عام 2011 خلال حكم رئيس الوزراء، ميليس زيناوي، الذي قدم المشروع كمحفز للقضاء على الفقر.
وساهم الموظفون الرسميون براتب شهر في المشروع ذلك العام، وأصدرت الحكومة سندات سد للإثيوبيين في الداخل والخارج. وبعد نحو عقد، لا يزال السد مصدر أمل لبلد أكثر من نصف سكانه البالغ عددهم 110 ملايين نسمة، محرومون من الكهرباء.
بعد ثماني سنوات تقريباً على وفاة ميليس، فإن الوجه الأبرز للمشروع هو على الأرجح وزير المياه، سيليشي بيكيلي، وهو أكاديمي سابق له مؤلفات بينها مقالات بعناوين مثل "تقدير تدفق تجمعات المياه غير المحصورة بجمع نموذج مائي وشبكات عصبية: دراسة". إلا أنه كوزير في الحكومة أبدى اهتماما بالغاً بموضوع السد.
ففي مؤتمر صحافي في كانون الثاني/يناير في أديس أبابا رد على سؤال لأحد الصحافيين حول ما إذا كانت دول أخرى بخلاف إثيوبيا قد تلعب دوراً في تشغيل السد.
وحدق سيليشي في عيني الصحافي ليجيب ببساطة "إنه سدي". وفي تلك الثواني الخمس انتشر وسم.
كما انتشر تسجيل لذلك المقطع على الإنترنت بشكل واسع، وبات البحث عن وسم "إنه سدي" يأتي بتعليقات لا نهاية لها تشيد بالمشروع. حتى إن مسؤولين قاموا في فعاليات مؤخراً بتوزيع قمصان تي-شيرت تحمل هذا الشعار على صحافيين إثيوبيين يرتدونها بفخر خلال تنقلهم في المدينة.
رسوم على الموزوانضم آخرون ممن هم غير إثيوبيين إلى حمى وسم "إنه سدي".
إلى ذلك أقامت آنا شوينيكا أربع سنوات في إثيوبيا وهي تعمل لمنظمة تدعم المقاولين المدنيين، وعادت مؤخراً إلى لندن.
وفي آذار/مارس عزلت نفسها للاشتباه بإصابتها بكوفيد-19 فبدأت باستخدام مشط ومقص لرسم تصاميم على الموز.
وتضمنت المجموعة التي أطلقت عليها وسم "موزة اليوم" رسوماً لسماء لندن ومشاهد معروفة من أفلام ديزني والمغنية الراحلة إيمي واينهاوس. لكن أكثر أعمالها رواجاً كان رسومها المتعلقة بالسد، والتي نشرت أولها الأسبوع الماضي وتظهر تدفق المياه من السد الإسمنتي العملاق.
كما نشرت رسماً الخميس على موزة يصور امرأة تحمل حطباً، مشيرة إلى أنه عندما يبدأ تشغيل السد فإن "عدداً أقل من النسوة سيضطررن لجمع الحطب للوقود".
وسرعان ما تلقف التلفزيون الرسمي الإثيوبي الصورة.
ورداً على سؤال لفرانس برس حول سبب الإعجاب الواسع برسومها، قالت شوينيكا: "ربما يحمل معنى كوني غير إثيوبية وأظهر نوعاً من التضامن"، مضيفة: "هذا السد شيء لا يرى الإثيوبيون فقط قيمته، لكن يمكن أن يراها شخص أجنبي".
ضغط سياسيتعارضت مشاريع مائية عملاقة في أنحاء كثيرة من العالم مع آثارها البيئية وتكاليفها الباهظة مقارنة بالطاقة الهوائية والشمسية.
غير أنه في إثيوبيا، غطت الحماسة لمشروع سد النهضة على تلك الشكوك، وزادت من الضغوط على آبي ليبدأ ملء السد الشهر المقبل، بغض النظر عما يمكن أن تحمله محادثات مرتقبة.
وعدم الشروع في ذلك يمكن أن يتسبب برد فعل سيكون "كارثياً بالنسبة لرئيس الوزراء وحكومته"، وفق المعارض البارز جوهر محمد. وحتى الآن لم يظهر آبي أي اشارة إلى التراجع عن الجدول الزمني.
في تشرين الأول/أكتوبر، الشهر نفسه الذي فاز فيه بجائزة نوبل للسلام، ذهب إلى حد طمأنة النواب إلى أن "ملايين" الجنود يمكن أن يتم حشدهم للدفاع عن السد عند الضرورة.
واستخدمت المتحدثة باسمه لهجة مباشرة مشابهة في قصيدتها تمتدح حسنات السد، قائلة: "عندما أقول إنه سدي أعني ذلك فعلاً".